ما الذي يحدث لمحرك الاحتراق الداخلي

20/09/2017 2
عبدالرحمن عبدالعزيز السالم

محرك الاحتراق الداخلي هو أحد أهم الاختراعات في القرن العشرين و ساهم كثيرا في صنع الثوره الصناعيه الثانيه، و مكن الانسان من الانتقال السريع لكافة أغراضه الشخصيه و التجاريه.  و كما هو معروف فان محرك الاحتراق الداخلي يعمل باحتراق الوقود مع الهواء داخل المحرك، و ينتج عن ذلك طاقه يحولها المحرك جزئيا الى جهد يقود الى حركة السياره.

و عادة يكون الوقود أحد مشتقات النفط، و عليه فمحرك الاحتراق الداخلي هو أكبر زبون للنفط.

و مؤخرا سمعنا عن عدد من الدول التي أعلنت نيتها التخلي عن محرك الاحتراق الداخلي، كليا أو جزئيا بحلول تواريخ تتراوح بين 2025 و 2050م، منها بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، الصين، الهند، النرويج، النمسا، اليابان، كوريا، هولندا و البرتغال، اضافة الى عدد من الولايات الامريكيه و على رأسها كاليفورنيا.

و يأتي قرار ألمانيا، مكان اختراع محرك الاحتراق الداخلي و أحد أكبر منتجي السيارات في العالم، بمنع بيع محرك الاحتراق الداخلي بحلول  2030م، دليلا قويا على هذا التوجه، لا سيما و أن ألمانيا هي الدوله المؤثره في الاتحاد الاوربي و اذا ما تبنت ألمانيا قراراً، فعادةً يتبعها الاتحاد الاوربي.

و لكن ما الذي دفع هذه الدول الى هذه القرارات؟ سنحاول الاجابه عن هذا السؤال كما يلي:

1. الملاحظ أن جميع هذه الدول من الدول المستورده للنفط و تعتمد عليه بشكل كبير و هي منذ وقت طويل تتطلع لخفض الاعتماد قدر الامكان على الطاقة المستورده و التي تشعر أنها محفوفه بالمخاطر، و زيادة الاعتماد على مصادر طاقة محليه.

2. هناك لوبيات بيئيه قويه في أكثر هذه الدول تسعى للحد من انبعاث الغازات على البيئه، و التي من مصادرها المؤثره محرك الاحتراق الداخلي.

3. أصبحت السيارات الكهربائيه منافسه من حيث التكلفه و الكفاءه.

4. كما أن تكلفة انتاج الكهرباء عن طريق الطاقة المتجدده مثل الطاقة الشمسيه و الرياح أصبحت اقتصادية و منافسه لتكلفة انتاج الكهرباء من النفط والغاز و المصادر الاخرى، و هذه الكهرباء ستكون المصدر الرئيس لبطاريات السيارات الكهربائيه. 

و ماذا يعني ذلك لمصدري النفط؟ يُشكل النقل عالميا حوالي 65% من استخدامات النفط، منها حوالي 50% للنقل البري و 15% للنقل الجوي و البحري، و 35% موزعه بين البتروكيماويات و انتاج الكهرباء و الاغراض الصناعيه و السكنيه. وبالتأكيد لن يختفي الطلب على النفط حتى بعد تحقيق هذه الدول لاهدافها الا أنه من المؤكد أن ينخفض الطلب تدريجيا على النفط، تبعا لتنفيذ هذه الدول و غيرها خططها حسب ما أعلن، و مع استمرار انخفاض تكلفة الكهرباء من الشمس و الرياح و انخفاض تكلفة بطاريات التخزين.

و يختلف النفط عن أكثر السلع، فالطلب عليه مستمر سواء ارتفع السعر أو انخفض، و كذلك الانتاج، حيث يحافظ المنتجون على مستوى الانتاج حتى في حال انخفاض سعر النفط و ذلك للحفاظ على حصصهم في السوق و لكون اعادة الانتاج بعد توقف طويل مكلف للغايه.

و هو على ذلك قليل المرونه من حيث الاسعار، كما نرى الان فوجود مليوني برميل من النفط الصخري لا يحتاجها السوق ، أدت الى الاسعار الحاليه.

و حسب هذه المعطيات و مع انخفاض الطلب المتوقع على النفط، فستتبعه الاسعار بالانخفاض. و كم يكون هذا الانخفاض و متى، هذا ما سيتضح في المستقبل.

و في الاسابيع الماضيه تابعت في الصحف و وسائل التواصل الاجتماعي المحليه ردات الفعل على قرارات الدول الاوروبيه و الاسيويه حول محرك الاحتراق الداخلي و كانت كالتالي:

1. هناك من يرجح أن كل هذا الحديث عن السيارات الكهربائيه و الطاقه المتجدده و حسب نظرية المؤامره هو لتزهيدنا في نفطنا لكي نبيعه بسعر بخس، و اذا كان قصدهم بذلك هو بيع النفط بشكل عام، فهو خاضع للعرض و الطلب و مرت عليه سنوات ارتفاع و سنوات انخفاض. و اذا كان المقصود هو طرح شركة ارامكو، فان مشاريع الطاقه المتجدده و السيارات الكهربائيه سبقت خبر الطرح بسنين طويله. و عموما في مثل هذا الطرح وغيره البائع يتوقع سعر أعلى و المشتري يرغب بسعر أقل و اذا لم يكن هناك تلاقي بين الحد الاقل للبائع و الحد الاعلى للمشتري فلن يكون هناك صفقه.

هذا على اعتبار أن كل ما يجري هو حديث فقط، و لكن الوضع على الارض واقع محسوس فهناك مئات المليارات من الدولارات التي صرفت و تُصرف لتطوير السيارات و بطاريات التخزين و على مشاريع الطاقة المتجدده الضخمه. فالصين مثلا تبني هذ السنه فقط 130 الف ميجاوات من الطاقه الشمسيه، و هو مايعادل ضعف الطاقه الفعليه لاستهلاك المملكه من الكهرباء، كما أعلنت ألمانيا عن انشاء أكبر محطة شحن كهربائي في العالم.

2. توقع البعض و منهم اقتصاديون أن يصل سعر البرميل خلال العقدين القادمين الى أسعار تتراوح بين 100 الى 300 دولار للبرميل، و لا أدري كيف تمت هذه التوقعات و على أي أساس، و لكن حسب بعض الاقتصاديين العالميين، فان الاقتصاد العالمي من الممكن أن يتحمل سعر نفط الى 90 دولار للبرميل و بعدها يبدأ في التباطؤ و اذا وصل السعر الى حدود 150 دولار فان الاقتصاد العالمي قد يتوقف و ذلك لكون النفط يدخل في كل احتياجات الانسان من نقل و أكل و لباس و غيره، و عند ارتفاع سعر النفط ترتفع تكلفة كل هذه المنتجات، و تتغير عندها اولويات المستهلكين و يبدأ الركود الاقتصادي. 

3. يرى بعض المطلعين في صناعة النفط أن السبب الرئيس للتحول نحو الطاقة المتجدده و السيارات الكهربائيه هو أن النفط أخذينضب في بعض الابار حول العالم، حيث بلغت هذه الابار أعلى مستويات انتاجها و بدأ انتاجها في الهبوط، و لم يتم اكتشاف احتياطيات كبيره مؤخراً، و أن الدول الصناعيه خشيت من أن يصل انتاج النفط الى حد لا يفي باحتياجاتها و أن ترتفع أسعار النفط بشكل كبير. و هذا سبب معقول. 

على أي حال فان قطار السيارات الكهربائيه و الطاقة المتجدده يسير و يتطور، و المستقبل فيه الكثير من المفاجآت و التحديات، و قد يزيد الطلب على النفط في المستقبل القريب الى أن تحقق الدول الصناعيه المعنيه أهدافها، و لكن علينا أن نتوقع الاسوأ و نأمل في الافضل. 

 
خاص_الفابيتا