عرف العالم الطاقة الشمسية وطاقة الرياح واستفاد منها بصور مختلفه على مر العصور، وان كان بصور محدوده حتى وقتنا الحاضر.
وتمنح الشمس طاقة لامحدوده للكره الارضيه، حيث تكفي ساعه واحده من طاقة الشمس لتوفير الطاقة اللازمه لكل سكان الارض لمدة سنه، على افتراض ان بالامكان تحويل هذه الطاقة بشكل فعال الى كهرباء مثلا.
صاحب النهضه العلمية في القرن الماضي اكتشاف خلية السيليكون الالكترونية والمستخدمه في الحواسب الالية وكافة الاجهزه الالكترونية. والخلية الشمسية هي شقيقه للخلية الالكترونية مع فارق أن نقاوة السيليكون في الخلية الالكترونيه أعلى منه في الخلية الشمسية.
تم استخدام الخلايا الشمسية في انتاج الطاقة الشمسية بشكل محدود الى أن حدث حظر النفط في عام 1973 م ، حيث أقامت الولايات المتحده عددا من مشاريع الطاقة الشمسية القائمه على المرايا العاكسة والمركزه لطاقة الشمس، بالاضافة الى الخلايا الشمسية.
ومن ثم انحسرت استخدامات الطاقة الشمسية بسبب توفر النفط و الغاز ومصادر أخرى بأسعار منافسه مقارنة بالطاقة الشمسيه مرتفعة التكلفه. وفي العقود الماضيه ارتفعت الاصوات المطالبه بالمحافظه على البيئه وحماية كوكب الارض من ظاهرة الانحباس الحراري وارتفاع حرارة الكوكب، مما زاد من الطلب على الطاقة المتجدده مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، الا ان هذه المصادر الى ذلك الوقت مازالت عالية التكلفة لانتاج الكهرباء مقارنة بالمصادر الاحفورية (النفط والفحم والغاز)، حيث يقاس ذلك بتكلفة الكيلو وات ساعه. ففي حين كانت المصادر الاحفورية تعطي تكلفه في حدود 10-15 سنت، كانت الطاقة الشمسية تعطي تقريبا ضعف التكلفة.
الا أن ما حدث في عالم الطاقة المتجدده في العشرين سنة الاخيره، يعتبر بحق نقله نوعية في الكفاءة وخفض التكلفه، حيث زادت كفاءة الخلايا الشمسية الى حوالي 20% (كفاءة تحويل الطاقة الشمسية الى طاقة كهريائية) من 6% في الخمسينيات الماضية، كما انخفضت تكلفة الوات الواحد الرأسمالية من 100 دولار للوات في عام 1976م الى حوالي دولار للوات في 2017م.
وهذا بالتالي خفض سعر انتاج الكيلو وات ساعه بالطاقة الشمسية الى حوالي 5 سنتات امريكية. وهنا تصبح الطاقة الشمسية ومثلها طاقة الرياح منافسة للمصادر الغير متجدده، مما جعل خيار الطاقة المتجدده يصبح خيار اقتصادي بحت بعد أن كان خيارا مبنيا على اعتبارات بيئية أو سياسية.
وماذا يعني كل هذا للنفط واستخداماته؟ لو نظرنا الى انتاج الطاقة الكهربائية فقط فقد لا يكون التأثير كبيرا، حيث أن المستخدم من النفط في انتاج الطاقة الكهربائية هو في حدود 7% ، الا أن المغيرات الاخرى هي التي قد تغير مستقبل النفط.
اذا نظرنا الى الاستخدام الرئيسي للنفط فهو في مجال النقل وبالذات النقل البري والذي يشكل أكثر من 50% من استخدامات النفط، وهناك النقل الجوي والبحري واللذان يشكلان حوالي 15%. ولكن التغييرات الكبيره تحدث الان في مجال النقل البري، والتي سنستعرضها ونحاول معرفة تأثيرها على معدل استهلاك النفط في السنوات القادمة.
حيث طرأت تغيرات متسارعه على صعيد النقل البري و الطاقة المتجدده كما يلي:
1.السياره الكهربائيه : حيث يقوم كل مصنعي السيارات تقرييا بانتاج أو العمل على انتاج سياره كهربائيه تعمل 100% على محرك يعمل بالكهرباء والتي توفرها مجموعه من البطاريات. ويتميز المحرك الكهربائي بأنه أكثر كفاءه (90%) من محرك الاحتراق الداخلي (20%). كما أنه المحرك الكهربائي أسرع في الوصول الى سرعات عاليه، اضافة الى أن السياره الكهربائيه عموما تتطلب صيانة أقل بكثير من السيارات الحاليه وذلك لكون القطع المتحركه في السيارات الكهربائيه حوالي 20 قطعه مقارنة ب 2000 قطعه في السيارات الحاليه. ويظل سعر السياره الكهربائيه أعلى من مثيلاتها من السيارات الحاليه، وكذلك مدى السياره الكهربائيه أقل (320 كم) ، الا أنه من المتوقع أن يتم التغلب على هذه التحديات في المستقبل القريب.
ومن المتوقع أن تصل نسبة السيارات الكهربائيه في العالم حوالي 20% في 2030 وحوالي 35% في عام 2040. علما أن عدد السيارات الحالي في العالم حوالي مليار سياره و يتم بيع حوالي 80 مليون سياره جديده سنويا.
2.السيارات ذاتية الحركه: هناك توجه قوي تتصدر القيام به دول صناعيه كبرى في مقدمتها ألمانيا والصين، تدعمه شركات تقنية وشركات سيارات لاستخدام السيارات ذاتية الحركه (بدون سائق)، حيث تعتمد السياره على نظام ارشاد وتوجية متطور يمكن السياره من الوصول الى الموقع المحدد وتفادي الحوادث بشكل أفضل بكثير من السائق البشري.
ويقوم الراكب بطلب السياره عن طريق الانترنت و تقوم السياره بتوصيله و الذهاب الى الراكب التالي و هكذا أغلب اليوم، وبهذا تعمل السياره 90% من الوقت بدل أن تكون واقفه 90% من الوقت. و سينتج عن ذلك انخفاض الحاجه لدى الكثيرين لامتلاك سياره و بالتالي انخفاض عدد السيارات الجديده. ولن يقتصر الامر على الركاب بل سيشمل نقل البضائع ايضا.
3.الطاقة المتجدده الرخيصه: و قد سبق الحديث عنها سابقا.
ومع المتغيرات الثلاثة السابقه ، والتي تشكل ما يعرف بالحقبه الصناعيه الثالثه، من المتوقع أن يقل الطلب على النفط، بالاحلال التدريجي للسيارات الكهربائيه محل السيارات العامله بمشتقات النفط وبخفض عدد السيارات وزيادة عدد السيارات ذاتية الحركه، وكذلك شحن بطاريات السيارات الكهربائيه عن طريق الطاقة المتجدده الرخيصه.
والسؤال ليس ما اذا كان الطلب على النفط سينخفض أم لا ولكن السؤال متى سيتم ذلك وماهو حجم الانخفاض. ليس من السهل الجواب على هذا السؤال و لكن من المفيد استعراض التالي:
كان معدل الاستهلاك اليومي للعالم في عام 2015، 95 مليون برميل. وتختلف التوقعات لنمو الطلب على النفط من مصدر لاخر، الا أن أغلب المصادر تتوقع نموا طفيفا قد يرفع الاستهلاك اليومي في المستقبل القريب الى 100 مليون برميل، حصة مجموعة اوبك منها حوالي 39 مليون برميل.
ولايزال النفط يشكل أكثر من 32% من مصادر الطاقة العالمية، كما تشكل الطاقة الاحفوريه (الفحم والغاز والنفط) أكثر من 80% من مصادر الطاقة في العالم. وأما الطاقة المتجدده فهي في حدود 10% من مصادر الطاقه العالمية منها حوالي 3% طاقة شمسيه وطاقة رياح، الا أنها تنمو بشكل كبير (41% في السنوات الاخيره).
وقد وصلت مساهمة الطاقه الشمسيه والرياح حوالي 30% من انتاج الكهرباء في ألمانيا و 42% في الدانمرك و10% في كاليفورنيا. و هذا النوع من الطاقه المتقطعه له عدد من المشاكل حيث لا يمكن الاعتماد عليها 100% من الوقت، فالشمس تطلع وتغيب والرياح تأتي وتروح.
ومادامت نسبة هذه الطاقة صغيره يمكن التعامل معها الى درجه معقوله بوجود الشبكات الحاليه و لكن الوضع سيختلف لو ارتفعت هذه النسبه. وعليه فهناك حاجه لشبكات كهرباء ذكيه تستطيع توزيع الطاقه الكهربائيه حسب مصادرها وحسب الحاجه لها. ويتطلب ذلك استثمارات كبيره لاعداد شبكات الكهرباء لهذا النوع من الطاقه، وبشكل أساسي في تخزين الكهرباء في حال وجود فائض من الطاقه الشمسية والرياح الى أن يطلبها المستهلكون.
الا أن بطاريات التخزين الحاليه لا تزال مرتفعة السعر (حوالي 350 دولار للكيلو وات ساعه) والتكلفه المستهدفه والاقتصادية هي أقل من 100دولار للكيلو وات ساعه ، وللمقارنه فان تكلفة بطارية التخزين بسعر 64 دولار للكيلو وات ساعه تعادل نفط بسعر 55 دولار للبرميل. ويجري العمل حول العالم بشكل محموم على تطوير بطاريات التخزين وخفض التكلفه، ومن المتوقع أن تصل تكلفة هذه البطاريات الى 100 دولار للكيلو وات ساعه خلال سبع الى عشر سنوات. وبطاريات التخزين موجوده الان وبدأ استخدامها في المنازل وبعض الشبكات الصغيره، والخطوه القادمه هي الاستخدام في شبكات الكهرباء الكبيره. اضافة الى العمل على وسائل تخزين أخرى للطاقه.
مما سبق يتبين أن هناك تغيير مستقبلي كبير متوقع في نمط النقل البري خلال 15-20 سنه القادمه قد يقود الى الاستغناء عن 10-15% من الطلب على النفط، وهذا بالتالي سيقود الى انخفاض حاد في أسعار النفط، بناء على توازنات العرض والطلب. ومن الان الى ذلك الوقت ستتعرض أسعار النفط الى التأرجح، وربما يفقد النفط مركزيته في عالم الطاقه.
ولكن ما اللذي يمكن عمله لتخفيف هذه التأثيرات؟ رؤية 2030 تهدف بشكل رئيس الى خفض الاعتماد على النفط وتتضمن العديد من الاجراءات نحو ذلك، وان كان لي بعض الاقتراحات ضمن خبرتي وتخصصي فهي كالتالي:
1.حوالي 10% من النفط يستخدم في انتاج البتروكيماويات، خصوصا من احدى مشتقات النفط وهي النافثا، الا أن هناك تقنيات لانتاج الكيماويات من النفط مباشرة وبدون خطوة المصافي، وهي مشاريع ضخمه تتطلب استثمارات كبيره وتوفر طاقات كبيره من البتروكيماويات للاسواق العالميه. والطاقه الاقتصاديه لمثل هذه المشاريع هي في حدود 350-400 الف برميل نفط يوميا.
2.هناك العديد من الفرص الاستثمارية الواعده في مجال التعدين التي لم تستغل الى الان.
3.زيادة الكفاءه في انتاج واستخدام الطاقة، فكل طاقة يتم توفيرها هي طاقة لانحتاجها.
4.ذكر تقرير هيئة تنظيم الكهرباء والانتاج المزدوج (اكرا) ان الحمل الكهربائي في وقت الذروه في عام 2015 بلغ 62 الف ميجاوات. وتعاني المملكه من الزياده السنويه للذروه، ومن المعلوم أن الطاقة المعده للذروه تعمل فتره محدوده في السنه مع ارتفاع درجات الحراره في الصيف، وتبقى أغلب الوقت بدون عمل. ومن الممكن استخدام الطاقه الشمسية لتغطية الكهرباء اللازمه وقت الذروه وبالتالي الحد من الاستثمار اللازم للتعامل مع الذروه.
5.مواكبة الحقبه الصناعيه الثالثه، والتي ستعطي ميزات كبيره في مجال النقل والاتصالات، وايجاد اقتصاديات جديده.
6.على صعيد الاستثمار الخارجي، هناك عدد من المجالات الواعده التي يمكن الاستثمار فيها ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
•بطاريات التخزين
•السيارات الكهربائيه
•انترنت الاشياء
•الطاقه الشمسية
•تقنيات الطاقه وتحلية المياه
•تقنيات التعدين والكيماويات
والتركيز على مايمكن الاستفاده منه في اقامة صناعات في المملكه.