التنويع من خلال تعظيم القيمة المضافة

08/08/2017 0
د. حسن العالي

يرتبط نجاح برامج الإصلاح الاقتصادي التي تنفذها دول التعاون في الوقت الحاضر تنفيذا للرؤى الاقتصادية الطويلة الأجل بقدرة هذه البرامج على توليد أنشطة تخلق قيمة مضافة عالية للاقتصاد. فقطاعات مثل الإنشاءات والتجارة والمقاولات سوف تظل قطاعات مهمة ولكنها لا تخلق قيمة مضافة عالية للاقتصاد لأنها تظل تتعامل في السلسلة الأولية من الإنتاج، كما أن الوظائف التي تولدها تذهب في الغالب للعمالة الأجنبية.

لذلك، فإن موضوع القيمة المضافة يعتبر من المواضيع الهامة والحساسة اقتصاديا خصوصا في ظل المعطيات الاقتصادية الخليجية الراهنة، حيث يصح القول ان دول المجلس تشهد برامج إنفاق ضخمة، لكن بحكم طبيعة الأنشطة السائدة مثل التطوير العقاري والإنشاءات والتجارة وغيرها فإن قسما كبيرا من هذا الانفاق يذهب للخارج سواء لكون الجزء الأكبر من المواد المستخدمة في هذه الأنشطة هو مستورد من الخارج أو بحكم المنفذين للمشروعات هم من الشركات الخارجية أو بحكم ان القسم الأكبر من العمالة المنفذة هم من العمالة الأجنبية التي تحول أموالها للخارج.

ويعتبر الكثير من الاقتصاديين ان الصناعة من الأنشطة الاقتصادية الرئيسية المولدة للقيمة المضافة العالية وتمثل إحدى الركائز الأساسية لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية سواء في الدول المتقدمة أو النامية لدرجة أنها أصبحت مؤشرًا لقياس التقدم الاقتصادي.

فالصناعة تلعب دورًا كبيرًا في توفير فرص العمل والحد من مشكلات البطالة، هذا بالإضافة إلى دورها في تنمية الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وتقليل الاعتماد على الاستيراد ودعم القدرات التصديرية للبلاد.

وقد دخل الكثير من الصناعات الحديثة التي تولد قيمة مضافة عالية للاقتصاد مثل الصناعات التكنولوجية وصناعات البيئة والصناعات المعرفية وصناعات العلوم والمعرفة وغيرها. كذلك الحال بالنسبة للقطاع الزراعي، حيث إن النهوض بالتصنيع الزراعي له أثر مضاعف على العديد من القطاعات الأخرى، حيث يساهم في الارتقاء بالزراعة ورفع القيمة المضافة من المحاصيل الزراعية وتقليل الفاقد منها، كما يؤدي إلى الحفاظ على صحة وسلامة المواطن من خلال توفير منتجات غذائية آمنة وصحية، بالإضافة لحماية البيئة وإعادة تدوير المخلفات الزراعية، فضلًا عن أن التصنيع الزراعي بطبيعته صناعة كثيفة العمالة تساهم في خلق التخصص الإنتاجي وزيادة الصادرات.

وفيما يخص دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة في دعم القيمة المضافة، إن الاهتمام بتعظيم فرص هذه المشروعات ودورها الاقتصادي يسهم في بناء سياسات واضحة لتمكين مؤسسات إدارة الموارد الطبيعية والخام والتحويلية سواء أكانت حكومية أو أهلية من الحفاظ على قاعدة الموارد الطبيعية.

كذلك حوكمة الموارد الطبيعية والخام عن طريق إدارتها بصورة حسنة واستخدامها بطريقة رشيدة في إطار مجموعة السياسات والعمليات التنظيمية المؤثرة على فئات واسعة من العمالة. كما يعد دور هذه المشروعات الذي يعتمد على وحدات إنتاجية صغيرة منتشرة على رقعة واسعة من الصناعات واحدًا من بين المداخل الرئيسية لتحسين أحوال فئات عريضة من المجتمع وتقوية أوضاع الطبقة الوسطى حيث يتمكن المنتج الصغير والمتوسط من الحصول على قيمة مضافة من إنتاجية محدودة إذا ما كان ضمن سلسلة متكاملة من الصناعات التي يرعاها المجتمع وتدعمها الدولة. ومما لا شك فيه ان قطاع الخدمات يعتبر من القطاعات الرئيسية المولدة للقيمة المضافة العالية وينطوي على آفاق واعدة وفرص منوعة للمساهمة في تنويع مصادر الدخل الوطني في دول مجلس التعاون الخليجي.

وأحد هذه الأنشطة التجارة الإلكترونية التي تشهد في الوقت الحاضر نموا سريعا بفضل ما توفره شبكة المعلومات الدولية من وسائل حديثة في التعاملات التجارية والتي ساهمت في التفاعل بين القطاع التجاري وجمهور المستهلكين. وقد أصدرت العديد من دول المجلس تشريعات خاصة بالتجارة الالكترونية لتكون من أوائل الدول في المنطقة التي تطبق قانونا ينظم التجارة الالكترونية.

ويمكن القول إن دول المجلس حققت نجاحا كبيرا في مجال التجارة الإلكترونية على الصعيد الحكومي كمواقع هيئة الحكومة الإلكترونية التي تتصدر المراكز الأولى إقليميا وعربيا من حيث التطور إلى جانب مؤسسات القطاع الخاص والتي شهدت تحول العديد من الشركات فيها إلى تقديم خدماتها إلكترونيا.

وتوضح الإحصائيات ان حجم التجارة الالكترونية على مستوى العالم سينمو إلى 8 تريليونات دولار بنهاية 2016، لكن حصيلة الشرق الأوسط لا تتجاوز 2 في المائة من التنامي العالمي. لذلك، فإن هناك إمكانات قوية في دول المجلس للاستفادة من هذه السوق وتحويل هذه الدول إلى مراكز للتسوق الالكتروني عبر استضافة بوابات شهيرة ومعروفة للتسوق وكذلك توفير العناصر والتشريعات المطلوبة والتجهيزات المناسبة للتجارة الالكترونية.

ومن الأنشطة المهمة في قطاع الخدمات، الصحة والتعليم اللذان يعتبران رافدين مهمين للاقتصاد الوطني في ظل سياسة جذب الاستثمارات التي ساعدت في استقطاب مشروعات صحية سياحية وتعليمية كبرى لاسيما في مجال السياحة العلاجية والجامعات المرموقة والتي من شأنها تحويل دول المجلس تدريجيا إلى مقصد سياحي ومراكز تعليمية إقليمية.

ان قطاعات الخدمات التعليمية والصحية باتت تلعب دورا حيويا ومهما في استقطاب الاستثمارات العالمية، ومما يميز قدرات دول المجلس في هذا المجال، خبرتها الطويلة جدا بهذه القطاعات والتي تعود إلى بدايات القرن الماضي مما راكم عندها الكثير من الخبرات والإمكانيات التي يمكن الاستفادة منها.

وأخيرا، نأتي لقطاع السياحة الذي نرى انه لم يتم استثماره بالوجه الأكمل بعد بالرغم من أن دول المجلس تتوافر فيها بنية سياحية جيدة من أراض خضراء ومرافق متطورة ومجمعات تسوق ومتنزهات إلى جانب المعالم الأثرية والتاريخية المتعددة والاماكن الدينية المقدسة، كل ذلك يترافق مع خدمات سياحية حديثة، تتمثل في مجموعة من الفنادق العالمية والمنتجعات البحرية وشبكة مواصلات وغيرها من التسهيلات.

 

نقلا عن اليوم