تحديات الصناعة النفطية وتطلعات الشباب

02/08/2017 0
م. ماجد عايد السويلم

تواجه الصناعة النفطية كغيرها من الصناعات التي ترتكز على الموارد الطبيعية العديد من التحديات كتذبذب الأسعار نتيجة لعوامل اقتصادية وجيوسياسية وضعف مواكبة التكنولوجيا للصناعة وغيرها. هذه التحديات معروفة لدى العاملين في الصناعة النفطية لكن هناك تحدٍ يرتبط بالعنصر البشري وتم تجاهله لفترة طويلة وبرزت آثاره مع انهيار الأسعار النفطي. في هذا المقال، سأتحدث عن الفجوة العمرية والمعرفية والتي برزت في العامين الماضيين وبإيجاز عن تلك التي ستتكرر مستقبلًا ما لم يتم الاستعداد لها.

في دراسة نُشِرت في مجلة التكنولوجيا النفطية Journal of Petroleum Technology بتاريخ 29 يونيو، تمت مقارنة أعداد مهندسي البترول وتصنيفهم حسب أعمارهم في عامي 2006 و2016 وخلصت الدراسة إلى أن هناك فجوة عمرية كبيرة تتراوح بين الـ 15– 20 سنة بين جيلين: جيل القدامى الذين تتجاوز أعمارهم 45 سنة وجيل الشباب ممن هم دون الـ 35 سنة.

برزت هذه الفجوة بعد انهيار أسعار النفط في 2015، والتي انهارت معها أحلام الكثيرين من العاملين في الصناعة النفطية، حيث قامت معظم الشركات بتسريح العديد من موظفيها من ذوي الخبرات الطويلة كما حدث مع شركة شل الهولندية والتي قامت بتسريح 12,500 موظف حتى هذه اللحظة. بل ان موجة التسريح طالت الشركات النفطية الحكومية والتي تتميز بالأمان الوظيفي مقارنة بنظيراتها في القطاع الخاص حيث قامت شركة أدنوك الاماراتية، على سبيل المثال، بتسريح ما لا يقل عن 2,000 موظف من العمل معظمهم من قدامى العاملين في 2016.

كما شهدت الصناعة النفطية أيضًا نزوحًا كبيرًا من المهندسين القدامى في 2016 حيث فَضّل بعضهم التقاعد المبكر أو العمل في القطاع الخاص خصوصًا في مجال الاستشارات الهندسية والادارية.

تسببت هذه الموجة من تسريح الموظفين القدامى أو تقاعدهم او الانصراف للعمل في مجالات أخرى بنتيجتين: اتساع الفجوة المعرفية بين جيل القدامى والشباب وهيمنة جيل الشباب على الصناعة النفطية. اتساع الفجوة المعرفية هو أبرز التحديات التي تمر بها الصناعة النفطية في الوقت الراهن. تشير الدراسة إلى أن تقليص هذه الفجوة يتطلب 3 – 5 سنين من التدريب المتواصل على العمل لاكتسابها ناهيك عن التكاليف المالية العالية لهذه البرامج.

استبقت العديد من الشركات حدوث هذه الفجوة المعرفية خصوصًا تلك العاملة في منطقة الخليج العربي بالاستثمار في برامج ومراكز تدريب متكاملة بهدف تمكين الشباب من تولي زمام الأمور الإدارية والتقنية. أحد أبرز هذه الاستثمارات هو قيام شركة أرامكو السعودية بتأسيس مركز التطوير المهني للتنقيب والإنتاج (Upstream Development Center) في 2008 واعتمادها على الخبراء السابقين لنقل المعرفة وتدريب الشباب باستخدام أمثلة حية وتطبيقات عملية.

ساهمت موجة نزوح العاملين القدامى في هيمنة الشباب (بين الـ 25 – 34 سنة) على القطاع النفطي في 2016. هيمنة الشباب ليست بالتحدي كما هو الحال مع الفجوة المعرفية بل هي فرصة ذهبية فالصناعة النفطية في أمس الحاجة للتجديد وهي التي لم تتعافى كليًا من آثار انهيار الأسعار.

ماذا عن جيل النشأ ممن هم دون الـ 25 سنة؟ ركزت دراسة جمعية مهندسي البترول على العاملين حاليًا في الصناعة النفطية لكنها لم تتطرق إلى من هم دون الـ 25 سنة خصوصًا طلبة الثانوية ممن لهم نظرة مغايرة عن القطاع النفطي.

في استفتاء أجرته شركة الاستشارات ارنست أند يونغ الاستشارية على 1,200 طالب تتراوح أعمارهم بين الـ 16 – 19 سنة في أمريكا، أبدى 62٪ من المشاركين عدم رغبتهم في الانضمام للصناعة النفطية لعدة أسباب منها تقلبات أسعار النفط وتأثيرها على الأمان الوظيفي وشح الوظائف المعروضة بسبب تدني أسعار النفط الحالية. ترى شريحة كبيرة من هؤلاء أن انتاج النفط ضار بالبيئة ويفضلون التخصص في مجالات الطاقة المتجددة على التخصص في الصناعة النفطية. قد لا تنطبق هذه الدراسة على دول الخليج لكني لمست في حديثي وتواصلي مع طلبة في المرحلة الإعدادية والثانوية الميول ذاتها في كل من المملكة والامارات والكويت.

التحدي الأبرز للحفاظ على استدامة هذه الصناعة وعدم تكرار الفجوة المعرفية والعمرية هو استقطاب هذه الفئة من المجتمع خصوصًا في منطقة الخليج العربي عبر برامج استثمارية وتوعوية وتعليمية على كافة الأصعدة. فكيف يمكن جذب هذه الشريحة للعمل في الصناعة النفطية مستقبلًا في حين أن عدد الجامعات التي يدرس فيها تخصص هندسة البترول أو أحد فروعه في دول مجلس التعاون الخليجي يبلغ الـ 9 بينما بريطانيا تمتلك العدد ذاته من الجامعات التي يدرس فيها ذات التخصص؟!

إيجاد الحلول المناسبة لاستقطاب النشأ ليس بالأمر السهل بل يحتاج إلى جهود وتكاتف من عدة جهات بهدف زيادة الوعي ونشر الثقافة النفطية عند هذه الشريحة وغيرها وهذا ما سأتطرق إليه في مقالي القادم بإذن الله.

خاص_الفابيتا