تُعدُّ المقولة الشهيرة «العقد شريعة المتعاقدين» مبدأ أساسيًّا بالقوانين المدنية والدولية؛ ولذلك فإن طرفَيْ التعاقد ملزمان بتنفيذ بنوده، وعدم الإخلال بها.. ولكن لا بد من إيضاح كامل لكل طرف، ما له وما عليه. وهذه المهمة قد تصاب في أحيان كثيرة بخلل نتيجة جهل طرف بأهمية معرفة تفاصيل العقود والالتزامات فيها. لكن لتحقيق مبدأ نفي الجهالة لا بد من تنظيم، يتيح التأكد من وضوح بنود العقد للجميع، وخصوصًا لمن لا يمتلكون القدرة على ذلك، أو لحاجتهم الماسة التي تجعلهم لا ينظرون لما عليهم من واجبات، وما يحمله العقد من شروط.. فتفكيرهم ينصبُّ في تحقيق هدفهم من التعاقد فقط.
لعل من أبرز الأمثلة على ذلك ما نقرؤه ونسمعه بين فترة وأخرى عن شكوى يتقدم بها عملاء لبنوك أو مؤسسات تمويل عن جهلهم بأحد شروط العقد، أو عدم معرفتهم بأن تغييرًا سيطرأ على طبيعة العقد في حال تغيرت بعض العوامل، مثل أسعار الفائدة في عقود واتفاقيات التمويل؛ فترتفع الأقساط عند رفع أسعار الفائدة وفق طبيعة أحد أنواع التمويل (عقود الإجارة). فجهل العميل المقترض لا يعفيه من مسؤولية التزامه ببنود العقد؛ فهو قد قام بالموافقة، ووضع توقيعه على العقد؛ وأصبح ملتزمًا به مؤكدًا أنه على معرفة بما يحويه العقد.. لكن هل ذلك ينهي الجدل حول هذه الإشكالية؟
إن الحل يكمن في أن يلتزم الطرف الممول (البنوك ومؤسسات التمويل) بتوضيح بنود العقد بصيغة مفهومة، وبحجم خط طباعة مناسب، إضافة إلى أن يقوم الموظف بشرح مفصَّل لطبيعة بنود العقد، وما هي المتغيرات التي قد تحدث عليه، وأن يكون العميل قد اطلع وتعرف تمامًا على ما سيلتزم به، وكذلك ما له من حقوق تحميه من الطرف الممول في حال أخلَّ بالتزامه. كما يجب وضع بعض البنود التي يطرأ عليها تغيُّر، مثلما يرتبط بسعر الفائدة في عقود الإجارة، وما تحدثه من تغيير بالأقساط، وذلك في وثيقة منفصلة للإيضاح، وليس بكونها عقدًا آخر، إنما للتأكيد أنه قرأ واطلع على كل بند بالعقد، وأقر بذلك، أو أن يكون التأكد من معرفة العميل بكل البنود من خلال مروره على موظف آخر بمرتبة أعلى من الموظف الذي يقدم الخدمة بالجهة الممولة؛ لكي يتم فعليًّا التوثق من أن العميل قبل توقيع العقد قد عرف ما له وما عليه من خلال صيغة إجرائية تضعها الجهات الممولة.
معرفة العميل المقترض بشروط عقد التمويل تعدُّ أمرًا أساسيًّا لتجنب الخلافات بين الطرفَين المتعاقدَين، وتحمي كل الأطراف، وتقضي على الجهل بالبنود التي تُعد هي الأهم بالعقود، والتي يترتب عليها التزامات متغيرة، وخصوصًا في الأقساط. وهذا دور لا بد من للممولين من التحقق من أن العميل اطلع وعرف كل ما جاء بالعقد بآلية إدارية وإجرائية أكثر وضوحًا ودقة؛ حتى لا تتكرر القضايا الخلافية في تلك العقود، وتهز الثقة بالمنشآت التمويلية التجارية بسبب غياب إجراء من السهل تنفيذه بأدوات بسيطة، تختلف عن القائمة حاليًا، التي أثبتت عدم نجاحها؛ بدليل تكرار القضايا والشكاوى حول الجهل بطبيعة بنود العقد المتغيرة.
نقلا عن الجزيرة