تقصير النخبة والتحدي الاقتصادي

31/07/2017 1
فواز حمد الفواز

في ظاهرة جديدة علينا بدا وكأن الشأن الاقتصادي أصبح مركزي في صنع القرار الوطني . هذا يسعدني كمهتم بهذا الشأن ولكن هناك ما يخيف على المستوى البشري. التوجه العام بدا أيضا وكأنه يعني أن التحدي ليس اقتصادي فقط بالرغم من دور الاقتصاد المحوري في التغيير وهذا أيضا توجه حميد . كليهما يواجه تحدي ومخاطرة بالفشل بسبب قصور في كفاءة النخبة التكنوقراطية خاصة والطاقات البشرية عموما. الطبقة التكنوقراطية عليها مسؤولية التنفيذ بتحويل توجهات وسياسية الحكومة إلى برامج عملية وتنفيذها، فهي الطبقة الوسيطة عمليا بين القيادة والفعاليات الاقتصادية سواء الأفراد أو الشركات.

الحاجة أصبحت ملحة في دقة اختيار الكفاءات وإعداد النخبة وقبول التغيير والاستعداد لتحمل نتائج الفرز والمنافسة وإعادة جدولة هيكل التكاليف مجتمعيا بما يناسب التحديات في خططنا وبرامجنا الاقتصاددية ركزنا على النماذج أحيانا والهياكل أكثر من الأبعاد المؤسساتية مثل المنافسة والإنتاجية وكفاءة الطاقات البشرية وسهولة التعامل والقضاء. في هذه الورقة سوف أركز على الطاقات البشرية. مرحليا تواجه المملكة تحدي مزدوج يظهر جليا في البعد البشري - تنموي - تعود القطاع الخاص على العمالة الرخيصة ممزوجة مع  حالة عالية من التستر تحت مسمى رجال أعمال و-  اقتصاديا - في ارتفاع تكاليف إدارة الحكومة بسبب توظيف المواطنيين في القطاع العام والدعم الذي يذهب جزء كبير منه للوافدين ( تشويه لهيكل الحوافز ) والغير محتاجين. أصبح البعض من رجال الأعمال متطفل وبعض البيروقراطيين يمارس الأعمال التجارية في خلط يعوق الجميع، يظهر ذلك جليا حين لا نفرق بين التاجر ورجل الأعمال القادر على تكوين المبادرات. الفعالية الاقتصادية في إدارة الموارد ليست على ما يرام وخاصة في الموارد البشرية.

الرابط المستدام بين التشخيص والحلول يمر من خلال جودة العنصر البشري وخاصة في الطبقات الإدارية العليا والوسطى. ولذلك سوف أفاتح الكل عن الادارة البشرية بمفهومها الشامل. سوف أقول لهم : هناك احتمال للنجاح لأن القيادة و العامة ترغب في النجاح ولكن لن يكون هناك نجاح إذا استمر التغاضي عن البعد البشري في إعادة تكوين النخبة أو التواصل مع العامة بأسلوب أكثر منطقية. إعادة صياغة الخطاب الاجتماعي ممثلا بالتوجه الاقتصادي ينطلق من خمسة مفاهيم ، إذا لم نتفق عليها لن نستطيع تأطير الحديث وبالتالي لن نستطيع تحديد توجه البوصلة وسوف نكرس العيوب والمخاطر.

أنطلق من خمسة مفاهيم ، الأول أن علم الاقتصاد التنموي يلاقي صعوبات في ايجاد الوصفات المناسبة العامة - التنظير والإجماع حول محأولة الاجابة على السؤال الأساس : لماذا تنجح بعض الشعوب و تفشل اخرى؟ والخاصة - في معرفتنا وقدرتنا على النفاذ العملي لحالتنا في المملكة وهذا يغذي تفاعليا عدم التنبه لكفاءة النخبة و لكنه أيضا يحمل فرص لمن يريد أن يهرب من المسألة تحت أعذار واهية وأحيأنا منمقة تصاغ وكأنها علمية – هناك نزعة اختيارية لتقليد الغرب دون تعمق لحالتنا . هذا المفهوم يتغذى على قدر من الجهل الاقتصادي بسبب تكريس الممارسات السابقة وأيضا بسبب قوة صوت قطاع خاص تعود على التستر والربح السهل في تواطئ مع جهاز بيروقراطي متطفل، هناك شراكة غير مقدسة بسبب ضعف الفعالية المجتمعية .

ثانيا، أن علم الاقتصاد في ناحية جوهرية منه هو علم الإشارات. الرسائل تصلنا عن طريق الإشارات، هناك رسائل ضمنية وأخرى صريحة وأخرى غامضة ولكل منها دور مهم في المعادلة الاجتماعية. الكل يلتقط الإشارات بطريقة رسمية أو غير رسمية أو ما بينهما. يتصرف الجميع بناء على ما اختزلوه من الرسائل وليس ما يروق للمسؤول أو المتلقي .

الناس تحكم على الأمور قياسا على تجاربها القريبة تاريخيا ومصالحها الخاصة وقدر الطمأنينة حول مستقبلها وهذه في العقود القليلة الماضية تميزت بقدر مؤثر من الفوضى الاقتصادية في ميدأن الحوافز في إدارة الأفراد . ثالثا، هناك ضعف واضح في كوادر النخبة الحالية ومحدودية القدرة على الفرز المجتمعي في ظل التحدي العلمي و المعرفي و التجريبي. تكاثر حملة الدكتوراة والماجستير من أقسام وجامعات من الدرجة الثالثة والرابعة وأحيأنا أقل من الغرب وأسلوب معوج لجزء منهم  أصبح واضحا للجميع فبينما تبعث الدول الطامحة طلاب لدراسات العلوم و الهندسة نبعث بطلاب أغلبهم لدراسات التعليم والقانون والدراسات الإدارية والاجتماعية في تهرب واضح عن الدقة وطبيعة التحدي. رابعا ، قبول السياق الجغرافي والتاريخي كما هو وليس التشبث بنظرة فوقية أو مثالية بعيدة عن الوقائع على الأرض في الميدأن البشري ، أقصد بالسياق أن المملكة تعيش في اقليم له خصائص عامة تشترك فيها مع دول المنطقة و خصائص أخرى متميزة إيجابا أو سلبا خاصة للمملكة. المسيرة الناجحة تعتمد على المرونة و التبصر فيما يناسبنا.

 هناك دول محورية في المنطقة تحقق أكثر منا في ميدان العلوم ونشر الأبحاث ولذلك لابد من المقارنة حيث أن المعايير الحقيقية لا تخضع لأهوائنا ، تجربة المملكة  بدأت مميزة وواعدة (سبق وأن حققت المملكة قفزات في الخمسينات والسبعينات ولكنها كما ذكر سمو ولي العهد تأخرت كثيرا في الثلاثة عقود الماضية) ولكنها اليوم تعاني وتحتاج هيكلة بشرية مختلفة نوعيا وبسرعة ، كذلك يدخل تحت عنوان السياق الإصرار على أن حالة المملكة كدولة نامية مصدر دخلها الأول تحت تهديد مما يتطلب تسريع في برامج التحديث عامة والاقتصادية خاصة . ننجح أو نفشل بقدر تمكننا من استغلال الظروف الخارجية والداخلية.

الوقوف على معرفة وتقييم النخبة مدخل أساس للتمكين و المسؤولية و المسائلة التي قد لا ترحم . خامسا ، هناك تعثر إداري في تسخير الجهاز الحكومي لخدمة قطاع الأعمال الذي سوف يكون ماكنة النمو للمستقبل مصحوبا بقلة استثمارات الحكومة داخليا و خاصة في الصناعة وهذا يقود إلى إعاقة تطور القوى البشرية و أيضا يغذي تفاعليا عدم تطور النخبة وإعاقة الحراك الاقتصادي والاجتماعي .

ما يجمع هذه المفاهيم هو حجم التحدي وعدم قدرة نخبتنا التكنوقراطية على تكوين سياسات متماسكة أو على التحليل والفرز والمرونة والثقة في التجريب والتعامل مع الحقائق بكفاءة لمواجهة التحديات في ظل ما تحصل عليه من مكاسب لا تتناسب مع مساهماتها.

جاءت في بالي هذه المفاهيم كمتابع لحجم التحدي الاقتصادي والتنموي وعدم اهتمامنا بالبعد البشري من خلال تجربتي في القطاعين العام و الخاص واستماعي للكثير من أعضاء النخبة في القطاعين على مدى عقدين على الأقل، وقرائاتي لتجارب دول مختلفة ومتابعة أدبيات ما يكتب في هذا الشأن ككتاب لماذا تفشل الأمم والذي سبق وأن نشرت مراجعة له ، وعن ما ذكر لي أحد الحكماء السعوديين في فترة سابقة أن العربي في جوهر نشاطه تاجر وكأن لسأن حاله يقول لا تبحث عن تعمقه في الصناعه أو تبحره في العلم. للحق لا يقصد حكما استقصائيا أو استشرافا محبطا. أنما يقصد واقعية في الطرح ولكن ببوصلة تشير نحو التراكم الرأسمالي ماديا ومعرفيا وهذه تتطلب صبر وعمل دؤوب ونسج علمي وبناء طاقات بشرية لم نعهده خاصة في ظل نخبة تغلب عليها نزعة " تجارية "transactional في تصرفاتها. تصرفات تنطلق من تعليم في جزء مؤثر منه ملفق ونفعي وأحيانا شبه مزور حيث يسعى الكثير منهم للتعليم كصفقة تجارية وليس رغبة تعليمية ولكن للحق أيضا هناك محاولة للتكيف مع نموذج مصروفات الحكومة مما يعطي الكثير فرصة تبدو منطقية على المستوى الشخصي ولكنها في تنافي مع المصلحة الجمعية. من خصال البيئة أن الفرد قد ينجح ولكنه لا يساهم في تطوير المجتمع.

الرغبة في التكيف مع الوظيفة العامة دون مطالبة في الأداء مفهومة في منظومة يغلب عليها طابع مالي ولكن حين يكون التعليم قليل سوف يكون مشغولا بحماية نفسه وليس التفكير بعيدا عن مصالحة الضيقة ولذلك تجد القليل الذي يبدي رغبة في الاستقالة بالرغم من الأداء الفاضح أحيانا ، لن تجد من يستقيل بسبب اختلاف في الرؤية أو معقولية البرنامج من عدمها أو عدم استعداده المهني للوظيفة أو بسبب أخطاءه. الرابط بين ما تتحدث عنه المعارف المتخصصة  وقول حكيمنا غياب جودة الفكر في نخبة تكنوقراطية غلب عليها التفكير التجاري. أحد أسباب ضعف هيكل سوق العمل انفتاح الحكومة على سياسة تعليم عالي وجامعي وفني دون مسائلة اقتصادية وإدارية ، ولذلك تجد كل الهياكل التنفيذية والتنظيمية موجودة لدينا لكن دون رتابة أو جماعية في الأداء - منظومة الفكر التنموي لا تجمعهم بسبب ضعف المرجعيات التعليمية والمعرفية . لذلك كان هناك هجمة على الاستشاريين ولكن هؤلاء أيضاً ينقصهم الكثير عدى أن من يتواصلون معه في أحيانا كثيرة غير مؤهل و لذلك تستمر العلاقة النفعية دون تحقيق اختراقات فكرية أو الوصول إلى سياسات دقيقة عملية.

لعل التغييرات الحثيثة في كوادر النخبة في العامين الماضيين كشفت جزء من المستور وهذا في نظري من أهم الأنجازات التي لا تذكر غالبا وتسجل لسمو ولي العهد شجاعته في التخلص السريع لمن أثبت قصور واضح. مخاطر الاهمال المريح كبيره مثل ما حدث في مصر والجزائر حيث تتكون نخبة غير قادرة وصغيرة وأحيأنا فاسدة همها الأول أن تعيد تكوين نفسها بينما الضحية تكون البلاد برمتها. تجربة المملكة تنموينا وفي دور القيادة في التجديد والتحديث منذ عصر المؤسس مختلف نوعيا والدلائل تشير إلى قدرة قيادة المملكة وخاصة حين  تكون شابه على التغيير الحقيقي لأن حسها الوطني عالي ومصلحتها بعيدة المدى كما عبرت عنها الإرادة السياسية المتمثلة بالرؤية وخطوات التحول الوطني . أحد العلامات الفارقة في التوجهات الجديدة أنها تركزعلى الأطر العامة والأرقام دون دقة في التفاصيل والتي من أهمها النواحي البشرية.

يظهر ذلك جليا في عيوب ملازمة ؛ نسوق عدة أمثلة جزئية ولكنها مجتمعة قاتلة منها تجربة المملكة في شراء أسهم أوبر حيث النخبة لم تعد لعملية تمحيص تكفي لتقليل المخاطر وتعظيم مصالح المملكة أو شراء بعض الأسهم الداخلية دون مبرر اقتصادي، أو عدم الحرص على قياس الإنتاجية، أو حين يقود بعض الجامعات ممن لم تقرأ سيرهم الذاتية  بحرص و دقة و يمتد ذلك للشركات الحكومية كما حدث مع شركة المياه الوطنية أثناء أزمة الفوترة أو عدم تمكن مركز الملك عبدالله للأبحاث البترولية من تحقيق أهدافه بالرغم من الدعم المالي الكبير وإشراف ارامكو عليه، أو إدارتنا لقطاع المقاولات وتذبذبها الغير مريح، أو الإهمال المريح لبعض وكلاء السيارات، أو التردد في تطبيق رسوم الأراضي و هيكلة الدعم إلى حد تغيير التصرفات الاقتصادية، أو تردد وزارة الإسكان في التوصل إلى سياسة واضحة أو برنامج التوازن الاقتصادي وتأطير الاستثمار وطنيا للاستفادة من شراء السلاح أو غياب مر كز فكري على درجة من الاستقلال والجودة أو تكبير حجم القطاع العام والحديث عن التخصيص في نفس الوقت أو دور هيئة السوق المالية في سياسة طرح أغلبها للتخارج في اتجاه معاكس لتجميع رؤوس الأموال للاستثمار أو التدخل لتعزيز الحوكمة وكأن الشكليات أهم من التعميق الاقتصادي، حتى الشركات الخاصة لم تسلم بسبب سيطرة الجهاز الحكومي وبالتالي حالة الضعف العام .الأداء العام لن يكون جيد إذا كأن أداء الأجزاء ناقص أو سلبي.

في النواحي البشرية أحيانا التفاصيل أهم من الصورة الكبيرة. البشر أهم من الهياكل والأموال ولكن تركيزنا على البشر جاء من ناحية نفعية وانتفاعية وليس إنتاجية. تقول الآية الكريمة في الأجير " القوي الأمين " ، ذكرت القوي قبل الأمين وقرنت بين الصفتين فلم تقل القوي و الأمين . و يقول شرشل في تفسير سر نجاحه أن وظف أشخاص على قدر من الكفاءة ودعهم يعملون، أتذكر في هذا الصدد الاستماع المباشر لحديث لي كوأن يو السنغافوري في منتدى الرياض الاقتصادي قبل عدة سنوات حين قال أنه يتطلب في أعضاء النخبة المعرفة والقدرة على الوقوف على أقدامهم والتجربة.

أعتقد أن قراءة متأنية لجزء مؤثر من النخبة التكنوقراطية لدينا سوف تطيح بهم وهذا يمتد بوضوح للحياة الاكاديمية بما في ذلك بعض مسؤولي الجامعات. ثم إشكالية أخرى في الطاقم التكنوقراطي أنه مرتفع التكاليف وفي تزايد بينما التقدم بطيء في ما يقدمونه خاصة في ظل الضغوطات المالية العامة في الوقت الذي استعانت المملكة باستشاريين لأعمال أحيأنا غير واضحة المعالم، فحين نصبح من أكبر الأسواق للاستشاريين دون مردود فالسبب يعود لأعضاء النخبة التي توظفهم وتتعامل معهم يوميا . لابد أن نبدأ بقراءة متأنية للسيرة الذاتيه لكل مرشح  وكل استشاري ونرفع السقف على من يجد في نفسه الرغبة لطبقة النخبة. مجرد مراجعة دقيقة لمؤهلاتهم و تجاربهم سوف تصل الرسالة المرجوة برفع المستوى العام أسرع مما نتصور. لابد للأفكار والمعالجات أن تكون أصيلة وواقعية و مطبوخة داخليا. دون ذلك تضعف أسس المسائلة وتقل فرص تراكم المعرفة لذلك تجد النقاش مكرر دون اختراق فكري أو عملي.

أنجزت قيادة المملكة الكثير سياسيا خارجيا وداخليا و لكن لابد من التركيز على إدارة التحدي الاقتصادي داخليا من منطلق إدارة البشر. استرتيجية المملكة تقوم على تحريك القوى الاقتصادية بفعالية ولكن ينقصها سياسة بشرية واضحة وخاصة في إعداد الطبقة التكنوقراطية . لكيسنجر نصيحة في هذا الشأن تنطبق على المملكة حيث يقول على أعضاء النخبة أن يكونوا معدين وجاهزين قبل الوصول إلى المهام القيادية لأن بعد وصولهم لن يكون هناك فرصة للتعليم والتجهيز . ليس الهدف أن نغير الأسماء ولكن أن نغير الأداء وهذا لن يحدث دون منافسة شريفة وأن نبتعد عن المفاضلة الخادعة بين الرغبة في البقاء و الكفاءة.

ليس الهدف أيضاً أن تكون الطبقة التكنوقراطيه ضيقة وصغيرة ولكن الضغط على جميع الشرائح للارتقاء وهذا يبدأ في التكوين عند اختيار القيادات الإدارية العليا. إذا لم نبدأ بالنخبة التكنوقراطية فسوف تكون القدوه ذات مصداقيه ضعيفة وبالتالي تكون الإشارات مشوشة. لعله من الملاحظ أن من أعراض النخبة الضعيفة لوم المواطن  خاصة في تعليمه في تجاوز لا يخلو عن المكابرة. أحد أساليب التهرب أن إصلاح التعليم لابد أن يبدأ من المراحل الأولى (كلمة حق يراد بها باطل)، فهي إما دعوة مبطنة للتأجيل المستمر أو دعوة لغير الممكن على الأقل في السنوات القليلة القادمة لأن الهرم الإداري ليس من الكفاءة لتصليح نفسه، والضغط لابد أن يبدأ من أعلى لكي تصل الرسالة تباعا ، في مرحلة لاحقة لابد من التعامل مع قضايا تعليمية متعددة.

منهجيا علينا أن نبدأ بقصر قبول الجامعات على أفضل 40-45 % من خريجي الثانوية العامة و البعثات على أفضل 10-15% وقصر المعاهد الفنية على 50-70% من البقية ( لإعطاء التعليم الفني أهمية حقيقية واجتماعية ممكن أن يعطى أفضل 40% من خريجي المعاهد الفنية أولوية لقبول الكليات العسكرية والأمنية خاصة في ظل عدم الرغبة للتجنيد الإجباري ) . من يذهب للتعليم الجامعي الخاص لابد أن يخضع لاختبار أعلى الجامعات الحكومية لقبول شهادته. أحد المشاهد المحزنة استستهال إعطاء شهادات طب وطب الأسنان والقانون والمحاسبة في الجامعات الخاصة لمن لا يستطيع القبول في جامعات حكومية أغلبها متواضع المطالبة والمنافسة في تعاون حزين لإضعاف الضعيف .

الكثير من الذين تعودو على الحياة الرخوة وحتى التعليم الضعيف سوف يجد هذه شروط غير مألوفة أو حتى مجحفة وسوف يساعده أعضاء نخبة جزء مؤثر منها شبه مزيف وصلت إلى الادارة العليا دون تمحيص حقيقي أحيانا ولكن لابد من الصراحة ومواجهة الواقع إذا نحن صادقين في التحديث. وسوف يساعده أيضا نظرة سطحية للتعليم بعيدة عن الاستحقاقات الاقتصادية ومناداة أكثر سطحية للعدالة على حساب الفعالية استمرارا لتقليد ما حدث في بعض دول المنطقة أو تشويه لما يحدث في الدول الغربية. لابد أن نبدا بقراءة متأنية وصادقة للسيرة الذاتية لكل مرشح ونرفع السقف على من يجد في نفسه الرغبة لطبقة النخبة . جميع المجتمعات الجادة تطالب النخبة باختبارات للوقوف على معرفتهم عن الجهاز الحكومي ومعارفهم الفنية.

تجربة المملكة  بدأت مختلفة ولابد أن تستمر بالنجاح ولكن لابد من التعامل مع طبقه تكنوقراطية عيوبها أصبحت جلية وأحيانا وصلت للتندر. في سبيل الاستقصاء والتثبت ليس صعب أن  نراجع ونفحص آخر  500-1000 شخص حصلو على شهادات عليا في القانون والاقتصاد وإدارة الأعمال والتعليم وأحيانا العلوم المادية من أمريكا وبريطانيا للوقوف على الجامعات والأقسام والنهج ومقارنة ذلك بأقرانهم من تركيا وكوريا حيث أنهما من دول مجموعة العشرين الاقتصادية، بل حتى الهندسة لم تسلم من طلاب في أقل الجامعات والأقسام، فاختبار رياضيات أساسي لجزء كبير من هؤلاء سوف يرشدنا للكثير. أحد مظاهر الحقبة الحالية أن النخبة تستفيد دون عمل يذكر بينما يغرر بالكثير لنيل تعليم سطحي في الداخل والخارج . قلب محاولة التغير البشري مركزية المعرفة والعلم وليس التوزيع المادي تحت مسمى نموذج عدالة خادع.

هناك حاجة لبعض الإشارات التي بعضها بسيطه كأن نلغي لقب دكتور في الوظائف العامة ونلغي التميز الإداري للشهادات العليا في التوظيف على الأقل في السنوات الأولى . ونراجع الشهادات والتخصصات بدقة ونسال عن تجارب من تعامل مع المرشح  تعليميا وعمليا . علينا إبراز دور التراخيص المهنية العالمية في كل تخصص لكشف المتواضع تعليميا وتسهيل الارتباط عالميا، علينا أيضاً تقديم دور المهندسين من أقسام وجامعات جيدة وليس من حصل على شهادات اجتماعية وإنسانية يصعب تقييمها. تقوم الكثير من الدول بالمطالبة باجتياز اختبار شامل لمن يرغب بوظيفة حكومية عليا بما في ذلك اللغة العربية، عرف أخذت به الصين قبل 2000 عام وتطور في الغرب لاحقا. لابد للنظر للبعثات على أنها استثمار في الوطن ولذلك لابد من مراجعة جادة بما في ذلك الملحقيات التعليمية.

لابد من القول أن الاستكانة على عنصر بشري ضعيف الأداء تعبير عن خيار خاطئ بين الفعالية والراحة المجتمعية ومجازفة خطيرة، بدأنا ندفع فاتورة عالية بسبب سياسة الإهمال المريح . لابد من الصراحة في أن هناك موجة تفكير سلبي في المجتمع وبغض النظر عن منطقيتها من عدمه إلا أن ضعف الفرز المبني على الجدارة لابد أن يكون أحد المسببات، فالكثير من الناس مأزوم بالمقارنة مع الآخرين ولكن معايير المقارنة ضعيفة ولذلك تستمىر المقارنة السلبية والغير منطقية مما يقود إلى تغذية النظرة السلبية . بل أن النظرة السلبية بدأت وكأن ليس لها علاقة مع الوفرة المادية في الطبقات المتعلمة بل لعلني أقول أن التعليم الناقص يجد بيئة صالحة للتذمر ، هذه التناقضات مردها عدم الفرز المجتمعي بما يتناسب مع الإنتاجية والجدارة .

مصادر القوة والأمن والأمان اليوم في الاقتصاد الإنتاجي والمنافسة العلمية والقدرات التنظيمية . هذه العناصر مترادفة و تعمل في دائرة واحدة. إما أن تقود إلى حالة سلبية أو إيجابية ، ولكنها في حالنا اليوم تتطلب سلسلة اجراءات عملية لكسر الدائرة السلبية. عدم التحرك ضد الجهل والتجهيل ( الجاهل يكرس نفسه ويصبح مؤسسة مع الوقت، فالملفق يتوقع تزكية من شبه المزور تحت مسمى التسامح وأحيانا الأريحية وأحيانا الخوف من الأفضل ). عدم الكفاءة أكبر خطر يواجه المملكة وأكبر من أي خصم خارجي محتمل.

التأهيل الأكاديمي الناقص جعل الكثير من أعضاء النخبة على قدر من المعرفة إلى حد الحصول على الوظيفة ولكن ليس من الكفاءة والتأهيل لما يمكنه من القيام بدوره العملي. المحاولات الاقتصادية سوف تستمر ناقصة وقد تفشل دون مسعى نشط نحو تفعيل المؤسسة البشرية لعل التخصيص أحد الضحايا المرتقبين ولكن التكلفة العامة أكبر بكثير.

التوزيع الطبيعي للبشر لدينا لا يختلف عن المجتمعات الأخرى المتقدمة وغير المتقدمة ، كما أن لدينا تجارب وكفاءات أثبتت قدرات فائقه ولكن الإدارة البشرية في مركز ثقلها تآكلت تدريجيا إلى أن وصلنا إلى مستوى جديد من عدم القدرة ليس في البشر ولكن في التقييم والفرز والاستعداد لقرارات غير اعتيادية ، كما أن هناك مخلصين ومخلصات في كل ميادين الحياة ولكن التشويه العام يسقط هؤلاء النجوم وقد يلجؤون للهجرة أو الدخول في صراع سلبي مع مجتمعهم . في توجه صحي تهدف المملكة لتشجيع المبادرين والشركات الصغيرة وهذه تقوم في الأساس على القدرات البشرية وبالتالي تتطلب رفع الكفاءات البشرية من خلال المنافسة وتعظيم دور المعرفة و تعميقها وليس توسع أفقي استهلاكي تعبر عنه المحلات التجارية أو التوسع في التوظيف بمن ليس كفؤ . الحراك الاقتصادي يقوده النمو وماكنة النمو الانتاجية، ومكونات الإنتاجية هي المعرفة والقدرات البشرية والتنظيمية. المراهنة على الإبداع والتفوق و المنافسة العالمية تحدث حين نتغلب على أنفسنا في إحداث منافسة داخلية قوامها الجدارة .

تحقيق الرؤية وبرامج التحول الوطني والتعويل على التخصيص لن تحقق أهدافها في ظل نخبة تكنوقراطية ذات كفاءة محدودة ومكلفة بسبب تحصيل علمي غير مقنن والمنافسة على وظائف حكومية لا تطالب بالكثير . حين نسكت على أشباه المزورين والملفقين ونتوقع اختراقات تنموية فإننا نراهن على السراب والخيال بينما الحكومة تدفع لهؤلاء في الغالب بما لا يستحقونه والكثير منهم يعي ذلك تماماً. ما كان مناسبا للماضي لم يعد مناسبا منذ ثلاثة عقود على الأقل.

الاستمرار على الوضع الحالي يحمل مخاطر مؤثرة. لابد من هجمة إعلامية و معلوماتية  للتعريف بالحاجة لدعم المنافسة التعليمية والمهنية . ثم أخذ قرارت شجاعة قادرة على إعادة التأهيل ورص الصفوف بما يناسب التحديات . الجميع له مصلحة ولن يكون هناك خاسرين من رفع الكفاءة والمنافسة بين الكل ، الكل يخضع للتوزيع الطبيعي في القدرات والمواهب لذلك كلنا مستفيدين من الجدارة و المنافسة الصحية .

نحن اليوم أصبحنا في تنافس سلبي ولكن ممكن قلب المنافسة نحو الإيجابية. الإرادة السياسية متمثلة في ما يدعو له مرارا سمو ولي العهد واضحة ولكن قصور الكوادر القادرة على التنفيذ ايضا أحد سمات الحقبة. المسألة ليست تشاؤم أو تفاؤل و لكن قراءة موضوعية للحالة والرغبة لتفعيل الطاقات البشرية والصراحة في التعامل مع العيوب الواضحة قبل فوات الأوان. هناك علاقة بين الهيكل التعليمي وتوزيع الطلاب فيه وبين سوق العمل (الإنتاجية و دور المواطن) و الحالة الاقتصادية. ما يجمعها سياسيا هو القدرة على تحريك أدوار البشر وتحفيزهم ولكن البداية لابد أن تكون في التعليم الجامعي وخاصة العالي ، الأمل ألا يستمر مسلسل استغلال الحكومة .

لدينا قيادة طموحة ولدينا تجربة ولدينا مشاهد وأمثلة طيبة وهناك طاقات كامنة ولدينا مال ولكن أيضا لدينا نخبة تكنوقراطية ليست كفؤ في غالبها وحان الوقت لمسائلتها . ما أدعو له خطوات جزئية ولكنها مجتمعة كفيلة بتحقيق اختراق جماعي لمؤسسة تعاني من الإهمال. الأحرى أن يتبنى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية مشروع "بشري" مستقل كأحد المشاريع المؤسساتية. تحديدا يفضل تعيين "امبراطور" للشؤون البشرية مرجعيته الإدارية رئيس المجلس ويكون له دور مباشر على وزارة التعليم والعمل والتعليم الفني والخاص والتدريب والبعثات والمركز الوطني للقياس لكل ما يخص رفع مستوى الجودة والفرز والمسائلة.

خاص_الفابيتا