يعتبر توفير المزيد من الشفافية حول الاحتياطيات والتدفقات النقدية، بالإضافة إلى تخفيض ضريبة الدخل، من العوامل الرئيسية في جذب المستثمرين الأجانب إلى طرح شركة الزيت العربية السعودية «أرامكو» للاكتتاب العام، وذلك بحسب المحللين والمستثمرين. ويرجح أن يتم المضي قدماً بهذه الخطوة بدعم من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مع أن الحكومة قد تعاني لتأمين القيمة التي اقترحها، والتي تبلغ تريليوني دولار.
اكتشف الذهب الأسود لأول مرة في السعودية في شهر مارس من عام 1938 في الدمّام في البئر رقم 7 في الصحراء قرب المقر الرئيسي الحالي لشركة النفط الحكومية على الخليج العربي.
وتبحث المملكة الآن عن دفق جديد بعد مرور ثمانية عقود على اكتشاف الدفق الأول – ولكن هذه المرة عبر التودد للمستثمرين الأجانب لشراء أسهم «أرامكو». ويقوم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمناصرة هذه الخطوة لبيع أسهم من الشركة بنهاية العام المقبل، والذي قد يقارب ما مقداره %5 من أسهم الشركة، بحسب ما قاله للتلفزيون الرسمي السعودي في شهر مايو الماضي.
وتقوم المملكة العربية السعودية التي تعد أكبر مصدري النفط في العالم بمغازلة المستثمرين لتحقيق توجهاتها في تنويع الاقتصاد، عبر بناء صناعات جديدة لتوفير المزيد من فرص العمل، وسيكون بيع جزء من أرامكو هو الركيزة التي ستستند إليها تلك الإصلاحات. ولكن لاجتذاب تلك الأموال يجب على المملكة أن تبين أنها قادرة على فعل ما هو أكثر من مجرد بيع النفط الخام. ويعطي قرار الملك سلمان بترفيع الأمير محمد لولاية عهد المملكة، في شهر يونيو، بعد أن كان ولي ولي العهد دفعة قوية لمخططات الإصلاح الاقتصادي التي يقودها الأمير الشاب.
قال أوليفيه جاكوب المدير الإداري لشركة بتروماتريكس وهي شركة استشارية في مجال الطاقة مقرها مدينة زوغ في سويسرا: «تتمحور المملكة العربية السعودية حول النفط، إذ إنه ما زال موردها الأساسي» وأضاف: «يجب أن ينجح هذا البيع لجزء من أرامكو» إن كانت المملكة ستحصل على السيولة التي تحتاجها لتنويع الاقتصاد بحسب جاكوب.
تتمحور أهم التساؤلات المتعلّقة بهذا الطرح العام الأولي المنتظر حول قيمة أرامكو وكمية النفط التي تملكها. تقوم المملكة حالياً بإجراء أول تدقيق مستقل عن احتياطيات النفط التي يقدر حجمها بنحو 260 مليار برميل. ولا تزال أرامكو تنظر في المكان والزمان اللذين ستطرح فيهما أسهمها، حيث إن تفاصيل كهذه ستحدد ما إذا كان المستثمرون سيقبلون على الشراء أم سيحجمون عنه عند طرح الشركة في السوق.
إن حققت أرامكو المبلغ المُستهدف الذي وضعه ولي العهد للاكتتاب العام، فستصبح بذلك أكبر شركة في العالم سابقة مثيلاتها بأشواط – أي ثلاثة أضعاف حجم شركة أبل تقريباً، وستة أضعاف حجم شركة إكسون موبيل. إلا أن محللين يرون أن أرامكو لن تحقق حتى خُمس المبلغ. إذ إن بيع خمسة في المئة من شركة تقدر بتريليوني دولار سيحصد نحو 100 مليار دولار، وهو رقم يبلغ أضعاف ما حصده موقع التسوق الإلكتروني الصيني علي بابا، والذي بلغ 25 مليار دولار، في أكبر طرح عام أولي في العالم سنة 2014.
إصلاحات ملحة
أخذت الحاجة لإصلاح الاقتصاد طابعاً ملحاً عندما هوى سعر نفط برنت من 100 دولار وسطياً للبرميل بين 2010 و2014 إلى أقل من نصف ذلك المبلغ. وليست السعودية الدولة العربية النفطية الوحيدة التي تقوم بتخفيص الإنفاق الحكومي عبر تقليص الدعم وتأخير المشاريع والسحب من الاحتياطيات لتغطية العجز، على الرغم من قيادتها لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) نحو خفض إنتاج النفط الخام لضبط الفائض العالمي ورفع الأسعار مجدداً.
تهدف الحكومة للوصول إلى ميزانية متوازنة بحلول عام 2020، وتقدّر عجز هذه السنة بـ 7.7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهو انخفاض عن نسبة العام الفائت التي بلغت 11.5 في المئة. وقد عدل صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو السعودي إلى 0.4 في المئة وهو انخفاض عن النسبة السابقة التي وضعها في يناير والتي بلغت 2 في المئة. وفي الوقت الحالي فقد قامت المملكة باستهلاك حوالي 241 مليار دولار من الاحتياطيات المالية منذ أغسطس 2014، عندما رفع الدخل الهائل القادم من النفط مخزون النقد إلى 746 مليار دولار محطماً كل الأرقام السابقة.
عائدات على المدى الطويل
في ظل الأسواق المضطربة، يجب على أرامكو أن تتحلى بالشفافية لتضمن للمستثمرين حصولهم على عوائد على المدى الطويل. ويعني ذلك نشر ثلاث معلومات مهمة، بحسب نيل بيفيريدج، وهو محلل لدى سانفورد سي بيرنستاين آند كو، يقيم في هونغ كونغ ويغطي شركات النفط والغاز الطبيعي. سيتوجب على أرامكو تقديم تقارير عن أدائها المالي، كما سيكون عليها الإفصاح عن حجم احتياطياتها من النفط والغاز وتقديم تصور واضح عما يمكن للمستثمرين أن يتوقعوه كعائدٍ لاستثماراتهم.
قالت الشركة إنها ستطرح تقاريرها المالية لعام 2017، بما فيها بيانات تدقيق الاحتياطي، قبل الاكتتاب العام. وفي شهر فبراير أفاد وزير الطاقة خالد الفالح بأن المراجعة المستقلة لاحتياطيات النفط السعودي «مطمئنة جداً»، في حين قال الرئيس التنفيذي لأرامكو أمين الناصر في يناير إن طرح الأسهم قد يتم خلال النصف الثاني من العام المقبل.
وتتنافس البورصات حول العالم للحصول على شرف استضافة الاكتتاب العام لأرامكو. فقد قامت البورصات في كل من هونغ كونغ وسنغافورة وطوكيو بمغازلة السعوديين، وقام الملك سلمان بن عبدالعزيز بزيارة لآسيا في فبراير ومارس. وعرضت الصين شراء حصة في أرامكو عبر صندوقها السيادي للاستثمارات وأكبر شركة للطاقة لديها، بحسب ما قاله أشخاص مطلعون في مارس. كما قدمت سنغافورة عرضاً مشابهاً بحسب ما قاله أشخاص مطلعون على تلك المحادثات في فبراير، وقد طلبت جميع المصادر عدم الكشف عنها لأن تلك المحادثات جرت على نطاق خاص، في حين رفضت الشركات ذات العلاقة التعليق.
وبحسب ما قاله أمين الناصر لبلومبرغ في يناير: في حين يعتبر الإدراج في آسيا أحد الخيارات، يمكن لأرامكو أيضاً أن تبيع أسهمها في نيويورك أو لندن في نفس وقت الإدراج الأساسي في الرياض، مقر بورصة تداول السعودية.
مخاوف تتعلق بالضريبة
من دون توفير المزيد من الوضوح لن يكون لدى المستثمرين الكم الكافي من المعلومات التي يمكنهم أن يستندوا إليها في تقييمهم للشركة. في مارس قدّر محللون لدى سانفورد سي بيرنستاين آند كو بأن الاكتتاب العام سيضع القيمة السوقية لأرامكو بين 1 ــ 1.5 تريليون دولار، في حين قدرته شركة رايستاد إنرجي إيه إس بمبلغ 1.4 تريليون دولار، بافتراض سعرٍ طويل الأمد للنفط يبلغ 75 دولاراً للبرميل.
قال رافاييل أوبيرتي، وهو محلل في قسم أبحاث الأسواق لدى فيتش غروب: «إن السيناريو الأكثر احتمالاً هو أن يتم الاكتتاب العام بالفعل ولكن أن تكون عائداته أقل بكثير من توقعات الحكومة»، وأضاف: «إن مقدار الشفافية حول الاحتياطيات والإدارة سيكون عاملاً حاسماً في جذب اهتمام المستثمرين وبالتالي رفع تقييم الشركة».
وتعد الضرائب إضافة إلى مشاركة الحكومة في عمليات اتخاذ القرار في الشركات من الأسباب التي تدفع بشركات النفط الحكومية إلى التداول بأسعار مخفضة مقارنة بنظيراتها المملوكة من قبل القطاع الخاص، بحسب ما قاله بيفيريدج. حيث تدفع أرامكو حالياً 20 في المئة من إيراداتها كرسوم امتياز إضافة إلى ضريبة على الدخل تبلغ %85. وبحسب الخطط التي جرى وضعها في مارس قامت الحكومة بتخفيض نسبة ضريبة الدخل للشركة إلى %50 بتأثير رجعي اعتباراً من 1 يناير من العام الحالي.
ويأتي هذا التخفيض استجابة لأحد المتطلبات التي وضعها المحللون من أجل الاكتتاب العام. في بدايات شهر مارس. قال محمد الحاج، وهو مختص باستراتيجيات الأصول لدى إي إف جي هيرمس هولدنغ: «يجب على الحكومة السعودية تخفيض النسبة لتصبح أكثر شبهاً بمثيلتها لدى شركات النفط والغاز المدرجة» وأضاف: «إن نسبة تتراوح بين 40 و50 في المئة ستكون أكثر شبهاً بنسب الضرائب المفروضة عادةً على منتجي النفط والغاز في العالم».
وفي حين سيكون النفط العامل الرئيسي الذي ستعتمد عليه أرامكو للحصول على تقييم جيد لها، فإن وزير الطاقة الفالح يقول إن أرامكو، وهي الشركة التي ترأسها قبل انضمامه للوزارة، تحصد الأموال لتصبح أحد أكبر المكررين وصانعي الكيماويات إضافة إلى البحث في استخدام الغاز الطبيعي لمد النهضة الصناعية للملكة بالطاقة.
وقال بيتر سالزبري، زميل في البحث لدى المعهد الملكي للشؤون الدولية « تشاتام هاوس»: «لطالما اعتبر الحصول على منافع من النفط والغاز حقاً مكتسباً بالولادة لدى الكثير من السعوديين»، مضيفاً: «أشارت القيادة في السعودية بأنها على استعداد للقيام بتغييرات جذرية. ووضع الأمير محمد بن سلمان سلسلة من الرهانات الاستراتيجية، يعتمد نجاح هذ المخطط على نجاحها جميعاً».ِِ
نقلا عن جريدة القبس