رغم أهمية الأرقام والمؤشرات التي تزخر بها رؤية المملكة 2030 والتي يعقد عليها كبير الأمل بأن تكون خريطة طريق تقودنا من عصر اقتصادي إلى آخر، إلا أن طريقنا لتحقيق هذا التحول لن يمر إلا من خلال بوابة واحدة (لا غير)، وهي تطوير أساليب وطرائق التعليم، فرغم ضخامة إنفاقنا على هذا القطاع خلال الـ 15 عاما الماضية، والتي وصلت إلى ما يزيد عن تريليوني ريال، والذي يزيد في متوسطه السنوي عن 125 ضعفا، مقارنة مع أول ميزانية سعودية صدرت عام 1934، إلا أن الدراسات تشير رغم ذلك إلى أن متوسط المساهمة البشرية للفرد السعودي في الاقتصاد لا تتجاوز ثلث نظيره في الاقتصاديات الناشئة، فماذا يمكن أن نقول عن هذه النسبة مقارنة بالاقتصاديات المتقدمة!
إذن ما فائدة هذه الأرقام الكبيرة التي نستعرضها صباح مساء عن الاستثمار في التعليم إذا كانت عائداتها على تعليم الفرد لا تشكل إلا نسبة متدنية تصل في أقصى معدلاتها إلى 21%.
أليس الاستثمار في تطوير أساليب وطرائق التعليم يؤدي إلى زيادة العائد من وراء هذه الاستثمارات الوطنية التي تصرف حاليا على التعليم، وفوق ذلك وهو الأهم رفع متوسط مساهمة الفرد في المنتج الاقتصادي والذي يشكل رأس الحربة في اقتصاديات الدول ورأسمال الأمم والشعوب في الوقت الحاضر!
لماذا نستمر إذن في تعداد المبالغ التي تصرف على التعليم ونضعها في المقدمة في أدبيات التنمية، ولا نسعى بنفس المقدار لاحتساب العائد الحقيقي المتحقق من وراء هذا الاستثمار؟
نقلا عن عكاظ
دعني لا اعدد الامثلة .... أمس فقط كنت أقوم بعمل تحديث بيانات في البنك وقابلت موظف سعودي خلوق أنهى العملية في دقائق قليلة وأمضيت هذه الدقائق في الحديث معه أثناء تعبئتي للنماذج المطلوبة .... الرجل حاصل على بكالوريوس وماجستير من أمريكا .... ويعمل موظف خدمة عملاء .... يناولني نموذج ويساعدني في تعبئته ثم يقوم بأخذ البيانات من النموذج ويكتبها على الكمبيوتر فقط .... ماجستير من امريكا وهذا عمله .... أنا حاصل على بكالوريوس من مصر وأعمل في مجالي .... هذا الرجل رضخ لهذه المهنة لإنه يبحث عن الأمان الوظيفي ولإنه بحث وبحث وبحث عن عمل يتناسب مع دراسته ومجالاته ولا حياة لمن تنادي .... ما يحدث في المملكة يجعلك تشعر أن الابتعاث مشتقة من العبث .... لماذا لا يتم ربط برامج الابتعاث باحتياجات السوق الحقيقية .... ولماذا لا يتم تجهيز هيئة خاصة بتوظيف المبتعثين في القطاع الخاص فور عودتهم فيما يناسب مجالاتهم .... هل تنفق المملكة ملايين الدولارات من أجل وظيفة خدمة عملاء قادر على تنفيذها خريج المدرسة التقنية بالرياض .... مشكلة التعليم ليست في قلة الانفاق ولكن في عشوائية العمل .... لابد من عمل مجلس أعلى للتوطين يكون رئيسه ذو سلطة مباشرة على كل من وزارة العمل ووزارة التعليم وبرنامج الابتعاث وذو اتصال مباشر بالغرف التجارية والصناعية وكبار الشركات والمستثمرين .... ويكون لهذا المجلس سلطة وضع سياسات الابتعاث والبرامج المعتمدة والاعداد المطلوبة لكل برنامج كل عام ... بل أعداد المقبولين في الجاماعت في الدراسات المختلفة .... ولي العهد أعلن ان البلد ستدخل في ثورة صناعية خدمية لوجيستية .... ولليوم تقبل الجامعات المئات والألوف في كليات كالخدمة الاجتماعية والأداب ... إلخ وكان الأولى تقليل اعدادهم وفقا للاحتياج وزيادة المقبولين في الكليات الفنية والتقنية والهندسية ... إلخ حتى لا يتحولوا غدا لطابور جديد من العاطلين برغم ملايين فرص العمل .... هل المجلس سيعمل على الربط بين احتياجات السوق واستثمارات المملكة المستقبلية في ابناءها ....
أحلم أن يأتي يوم يجلس فيه (X) أحد رجال الاعمال الكبار في المملكة في اجتماع مغلق مع رئيس المجلس الاعلى للتوطين ليوضح بشفافية شديدة اعداد الموظفين السعوديين والاجانب لديه وأكثر المهن الغير موطنة ليطلب منه رئيس المجلس رفع أعداد السعوديين لتسعين في المئة خلال أربعة سنوات مع حقه في وضع لائحة كاملة بالتخصصات المطلوبة بل ويختار الجامعات التي توفر أفضل تدريس وتدريب في كل مجال ويضع قائمة بالدورات الاضافية المطلوبة وفور خروجه يبدأ وضع خطة ابتعاث كاملة وخطة تدريب نشطة تعمل على تحقيق متطلبات المستثمر والسعودي والدولة خلال السنوات الاربع المتفق عليها .... نعم حينها سأكون من الخاسرين لعملهم .... لكن على الاقل سأخسره لمن هو أفضل مني .... ستدفعني الخسارة لتطوير نفسي ..... على الاقل سأخسر أنا الوظيفة ولكن لن تخسرني الشركة وتستبدلي بشخص غير مؤهل كل مؤهلاته في الحياة أن والداه سعوديان ( ولكم أن تتخيلوا الحنق في هذه اللحظة ) ..... سأخسر وظيفتي ولكن سيقوي ظهري كمسلم وكعربي بظهور عملاق قوي في العالم سيدافع يوما عني بالتأكيد من تكالب الأكلة على بلدان المسلمين .... حلم يراه البعض بعيد المنال .... وأنا اراه ممكن بشدة الآن .... وصعب جدا بعد عقد من الزمان .... ومستحيل تماما بعد ذلك .... فالمملكة في مرحلة تحول وخلال هذه المرحلة كل شيء متاح ....