يبرز في الوقت الحاضر موضوع الانتاجية كأحد المواضيع الهامة المرتبطة بتحسين كفاءة الاقتصاديات الوطنية وتعزيز معدلات نموها للتعويض عن تأثيرات تراجع الإنفاق الحكومي وهو المحرك الرئيسي لهذا النمو. لذلك يجري الحديث عن البحث عن أدوات فعالة لقياس الإنتاجية جنبا إلى جنب مع سبل رفع الكفاءة الإنتاجية للعامل والاقتصاد على حد سواء.
إن أي اقتصاد وطني أو أي مؤسسة سواء كانت حكومية أو غير حكومية لا يمكنها أن تقدم خدمات أو منتجات يرضى عنها العملاء من دون أن يكون هناك تحسين مستمر للإنتاجية من حيث النوعية والسعر، وهذا يعتمد في المقام الأول على مدخلات عملية الإنتاج، فالمخرجات هي نتاج المدخلات.
من جهة أخرى، وفيما يخص تحسين إنتاجية الفرد، علينا ألا نغفل عن خططنا في عملية الإنتاج وبالخصوص مسألة التنافسية، فالبقاء للأفضل من حيث الخدمات والمنتج والسعر، ومن يقدم الأفضل يبقَ على خريطة المنافسة، ومن يفقد هذه الميزة يتلاشَ أو يحصل على عدم رضا المستقبل للخدمة، سواء كان مواطنا أو عميلا في الوزارات أو الهيئات الحكومية الخدمية.
وتظهر العديد من الدراسات التي أجريت في مجال تحسين الإنتاجية بما لا يدع مجالاً للشك أنه بجانب الاهتمام بالإنسان وهو العنصر الأهم في عملية الإنتاج والعناصر الأخرى يجب توفير آليات وأدوات عملية من خلالها يتم قياس درجة التحسن في مستوى الإنتاجية كمّاً ونوعاً للتوصل إلى نتائج ملموسة يمكن البناء عليها في المستقبل. لذلك، توجه الدعوة للقطاعين الحكومي والخاص في دول مجلس التعاون الخليجي إلى مراجعة القيم والتشريعات المتعلقة بإنتاجية الفرد.
أما فيما يخص إنتاجية الاقتصاد، فبالامكان هنا قياسها من خلال قسمة الناتج المحلي الإجمالي على عدد العاملين لمعرفة إنتاجية العامل الواحد. وتظهر المؤشرات هنا أن المعدل السنوي في إنتاجية العمل في دول التعاون خلال السنوات العشر الماضية سجل زيادات كبيرة في أعداد الأيدي العاملة الأجنبية مما يؤدي إلى تذبذب واضح في معدلات إنتاجية العمل، بل يؤدي إلى انخفاضها لأن إنتاجية الاقتصاد لا ترتفع بشكل طردي مع زيادة أعداد العمالة الأجنبية.
وتبين بيانات مؤسسة الخليج للاستثمار أن دول التعاون حققت معدل نمو 5.1% سنويا خلال الخمس عشرة سنة الماضية، لكن ذلك لا يعكس زيادة في الإنتاجية، إذ ارتفع معدل الإنتاج بالساعة (مع احتساب قطاع النفط والغاز) منذ العام 2000 بنسبة ضئيلة بلغت 1% سنويا، وهذا أقل بكثير مما حققته الهند (4.9%) والصين (10.5%)، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية (1.4%) وأوروبا (1.5%).
كما أن التكلفة الاقتصادية للعمالة الأجنبية جدا مرتفعة في دول التعاون وهي تعادل نحو عشرة أضعاف التحويلات المالية لهذه العمالة، مما يبين بصورة جلية الكلف الاقتصادية الباهظة التي تتحملها الاقتصاديات الوطنية الخليجية جراء التضخم الكبير في الأيدي العاملة الأجنبية، وهذه الكلف آخذة بالتزايد، مما يستوجب تحليلها ودراستها بعناية مقابل المردودات الاقتصادية لهذه العمالة فهو مؤشر على انخفاض كفاءة تشغيل الموارد الاقتصادية.
وكما ذكرنا، فإن موضوع تحسين الإنتاجية مرتبط ارتباطا وثيقا أيضا بتحسين التنافسية. ويرى صندوق النقد الدولي أن مقاييس التنافسية المتعارف عليها لاقتصاديات الأسواق الصاعدة والاقتصاديات المتقدمة تكشف عن بعض الجوانب الهامة لتطوير القدرات التنافسية في دولنا الخليجية، حيث تعتبر نوعية البنية التحتية من العوامل المهمة في تطوير التنافسية. فعادة ما يكون مستوى التنافسية أعلى في البلدان التي تعتبر خدمات البنية التحتية فيها عالية الجودة. ويمكن أن يؤدي تحسين البنية التحتية، مثل الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات، إلى تحسين قدرة الشركات على الاتصال بالأسواق المحلية والأجنبية، مما يمكن أن يُحْدِث تأثيرا كبيرا على الإنتاجية والنمو.
ومن العوامل الرئيسية في زيادة الإنتاجية وبالتالي التنافسية رفع مستوى التعليم والتدريب. إن القدرة التنافسية تكون أعلى أيضا في البلدان ذات القوة العاملة المؤهلة. وبالتوسع في التعليم الثانوي وما بعد الثانوي وتحسين جودته، وكذلك التدريب المهني وأثناء العمل، يمكن رفع قدرة العمالة على أداء مهمات معقدة والتكيف بسرعة مع تحرك الشركات إلى أعلى سلسلة القيمة متجاوزة عمليات الإنتاج والمنتجات البسيطة.
كذلك تعتمد التنافسية على توافر رأس المال بشكل فوري. وتؤدي سهولة تدفق رأس المال إلى تيسير عمل الشركات، وقدرتها على التوسع، وانتقالها إلى عمليات إنتاجية أكثر تطورا. ومن المتطلبات الحيوية في هذا الخصوص وجود قطاع مصرفي سليم، وأسواق أوراق مالية تخضع لتنظيم جيد، وتوافر رأس المال المخاطر ومنتجات مالية أخرى.
كما يرى الصندوق أنه غالبا ما تزداد التنافسية حين يكون لدى العمالة حوافز لبذل قصارى جهدهم في العمل. ويمكن تعزيز مثل هذه الحوافز في دول المنطقة من خلال الإصلاحات التشريعية التي تسهل انتقال العمالة بين الوظائف في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتشجع إسناد المناصب لأصحاب الجدارة، وتسمح بمرونة الأجور مع الحفاظ على مستوى كاف من الحماية الاجتماعية.
كما ترتبط التنافسية ارتباطا وثيقا أيضا بعدة عوامل أخرى. ومن بينها الإصلاحات التي تيسر دخول الشركات إلى السوق وخروجها منه، وتعزز الهياكل التنظيمية والقانونية (بما في ذلك آليات الإعسار وحقوق الدائنين)، وتدعيم الحوكمة الرشيدة، وكلها يمكن أن تعود بنفع كبير على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
إن الاستجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه دول المنطقة تؤكد أن هناك رغبة كبيرة في التحول عن الوضع الراهن واعتماد سياسات اقتصادية جديدة. ومن شأن زيادة التنافسية مساعدة اقتصاديات هذه الدول على التحول نحو معدلات إنتاجية متعاظمة ومضاهية للدول المتقدمة.
نقلا عن اليوم