تستمر سيطرة سيولة المضاربين في شكل لافت على حركة أسواق المنطقة. فيما لا تزال محدودية سيولة الاستثمار المؤسسي وتراجع الوعي الاستثماري وعدم الاهتمام بالأخطار، من أسباب تفضيل نسبة مهمة من المستثمرين المضاربة، أي البيع والشراء في شكل سريع. في حين يظهر المستثمرون الأذكياء أصحاب القلوب القوية، الذين يتمتعون بوعي وحس استثماريين متميزين، قدرة على اقتناص الفرص الاستثمارية التي توفرها السوق حالياً، سواء على المديين المتوسط والطويل. وأثبتت الدراسات أن العائد الذي يحققه المستثمرون على المديين المتوسط والطويل، يتجاوز بنسبة كبيرة عائد المضاربة السريعة.
ونتج تراجع مستوى الثقة بالاستثمار في الأسواق، من عوامل منها النقص في السيولة في شكل أفضى إلى تدني أسعار أسهم عدد مهم من الشركات القيادية في السوق إلى ما دون مستواها العادل. ولا يُغفل في هذا الإطار الأخذ في الاعتبار خسارة مؤشرات الأسواق في هذه الفترة معظم مكاسبها التي حققتها في الأشهر الأولى من العام الحالي. في المقابل، يُلاحظ أن تقلّص الثقة أدى إلى انخفاض أسعار أسهم الشركات، التي وزعت أرباحاً على مساهميها هذه السنة، بنسبة تزيد عن معدل الأرباح الموزعة، بعكس ما كان يحصل في فترة انتعاش الأسواق.
ويحمل إطلاق عدد كبير من المستثمرين والمضاربين في المنطقة اصطلاح الأسهم الرخيصة على تلك التابعة لشركات تُتداول أسهمها بسعر يقل عن ثمنها الاسمي، نوعاً من التضليل للمستثمرين القليلي الخبرة، في ظل توافر مؤشرات يعتمد عليها المستثمرون لدى احتساب الأسعار العادلة والمنطقية لأسهم الشركات المدرجة. وبالتالي، معرفة الأسهم الرخيصه وتلك المبالَغ في سعرها، وفي مقدمها مضاعف الأسعار (وهو يُحتسب بقسمة سعر السهم في السوق على ربحيته). والمؤشر الثاني ريع السهم (يُحتسب بقسمة الأرباح الموزعة للسهم على سعر السهم في السوق مضروباً بمئة). والمؤشر الثالث، القيمة الدفترية للسهم مقسومة على سعر السهم في السوق، وهو ما يُطلق عليه التحليل الأساس. ويعتمد المضاربون في المقابل في قراراتهم الاستثمارية على التحليل الفني، أي حركة الأسهم اليومية من دون الالتفات إلى أساسات الاقتصاد وأداء القطاعات الاقتصادية والشركات، وبالتالي، لا تُعتبر الشركات المتداولة أسهمها بسعر نصف قيمتها الاسمية أو ربع قيمتها الاسمية رخيصة، في ظل المؤشرات التي ذكرناها.
وبعكس ذلك، تُعتبر شركات كثيرة رخيصة حتى لو كان سعرها في السوق خمسة أو ستة أضعاف قيمتها الاسمية، في ظل افتراض الكفاءة التي تتمتع بها السوق. إذ تساهم هذه الكفاءه في انعكاس كل المعلومات المتوافرة والتوقعات المستقبلية على أسعار أسهم الشركات المدرجة. وتُلاحظ محدودية شركات البحوث المتخصصة، سواء كانت مستقلة أو تابعة لشركات الوساطة، بحيث توفر لزبائنها المعلومات والدراسات عن الأسعار العادلة لأسهم الشركات المدرجة، وبالتالي معرفة الشركات الرخيصة وتلك المبالغ في سعرها، ما يساهم في ترشيد قرارات المستثمرين ويشجع الاستثمار الأجنبي على الدخول والاستثمار في السوق.
وشجع عدم توافر المعلومات والدراسات، شركات الوساطة على نصح زبائنها بالمضاربة من دون الاحتفاظ بأسهم الشركات المشتراة. بينما تصعب معرفة السعر العادل لعدد كبير من الشركات المتعثرة، لأنها لم تحقق أرباحاً أو توزعها على مساهميها. ومن مسؤولية الجهات الرقابية تشجيع تأسيس شركات بحوث ودراسات متخصصة، بحيث تؤمن للمستثمرين المعلومات المهمة عن مؤشرات أداء الشركات، ومصادر أرباحها ومؤشرات سيولتها وتوقعات أدائها.
نقلا عن الحياة