يبدو أن مصر تواجه امتحانات صعبة في رحلة الإصلاح الاقتصادي، إذ تمكّن الاقتصاد من أن يصبح جاذباً للأموال بعد تعويم سعر صرف الجنيه المصري في الربع الأخير من العام الماضي. وباتت لدى مصر احتياطات بالعملات الحرة تزيد عن 28.5 بليون دولار بموجب البيانات الرسمية مطلع نيسان (إبريل) الماضي، وهو أعلى مستوياتها منذ آذار (مارس) 2011 بعد إطاحة حكم الرئيس حسني مبارك.
جاءت هذه التدفقات من دون شك خلال الشهور الماضية نتيجة تحسن الثقة في نوايا الحكومة للإصلاح، وبعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي وافق على توفير تسهيلات تمويل بـ12 بليون دولار على مدى ثلاث سنوات. واستقدم مستثمرون كثر أموالاً لدعم أعمالهم ونشاطاتهم في قطاعات متنوعة.
كما وجد المواطنون المصريون العاملون في الخارج، في عملية التعويم وسيلة ناجعة لتسعير تحويلاتهم لذويهم بالجنيه المصري. ولاحظ التجار ورجال الأعمال أن إمكانات الحصول على العملات الحرة باتت أسهل، بحيث تحقق لهم القدرة على مواجهة التزامات دفع مطالبات الشركات والبنوك في الخارج في مقابل استيراد السلع أو الخدمات الأخرى.
لكن أهم مصادر التدفق لمصر، أي السياحة، لا تزال تشهد ركوداً، كما تراجع عدد السياح إلى مستويات متدنية خلال العام الماضي، ولم تُفد المعلومات بأعداد السياح خلال الربع الأول من هذه السنة.
ويبدو أن أوضاع السياحة في العالم لم تكن وردية ولو بدرجات متفاوتة في بلدان كثيرة خلال عام 2016، بموجب بيانات منظمة السياحة العالمية، ومصر بطبيعة الحال من أشد البلدان المتضررة.
لكن هناك بيانات مقلقة حول ما صدر رسمياً في شأن المديونية المصرية، إذ اتضح أن الدَين الخارجي يفوق 67 بليون دولار، مرتفعاً 16 بليوناً خلال العام الماضي. ولا بد من أن يزيد هذا الارتفاع في المديونية الخارجية أعباء خدمات الدَيْن على الاقتصاد المصري خلال السنوات المقبلة. وتتطلّب هذه الأعباء المتوقعة تحسناً في الأداء الاقتصادي، بما يرفع قيمة الصادرات والتدفقات الاستثمارية ومداخيل السياحة وقناة السويس، فضلاً عن الحد من الواردات السلعية وتعزيز قدرات الصناعات التحويلية والقطاع الزراعي لمواجهة الطلب الاستهلاكي المحلي.
أما الدَيْن الحكومي المحلي فبلغ أرقاماً مرتفعة، وهو يُقدّر بـ3 تريليونات جنيه مصري (أو ما يزيد عن 150 بليون دولار)، بما يعادل أكثر من 80 في المئة من الناتج المحلي. وازدادت إصدارات الحكومة لأدوات الدَيْن خلال العام الماضي، لمواجهة العجز في الموازنة العامة.
وغني عن البيان أن تقليص هذه الديون يتطلب إصلاحات هيكلية واسعة النطاق، وربما لن تكون مقبولة سياسياً أو اجتماعياً. وعلى رغم التعديلات على مخصصات دعم السلع والوقود، يظلّ مشوار التعديلات على الإنفاق الحكومي طويلاً. وتوجد برامج الحماية الاجتماعية التي أُعلن عنها ضمن الخطط الحكومية لعملية إصلاح السياسات المالية، والرامية إلى توفير الحد الأدنى الملائم لمعيشة أصحاب المداخيل المتدنية والمحدودة. ويستلزم مثل هذه البرامج توفير الموارد المالية من الضرائب المتنوعة ومن حصيلة أدوات الدَيْن.
لا بد لأي مراقب موضوعي أن يقرّ بالصعوبات غير العادية التي تواجه الحكومة المصرية لدى معالجتها الأوضاع الاقتــصادية، فهي تحاول الموازنة بين ضرورات إصلاح البنية الاقتصادية وتوفير العدالة الاجتماعية والمعيشة اللائقة للملايين من أبناء الشعب المصري.
ويشير البنك الدولي الى أن معدل البطالة ارتفع إلى 12.5 في المئة عام 2016 من 9 في المئة عام 2011، وفقاً للبيانات، إلا أن 28 في المئة من سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر، وتصل هذه النسبة إلى 60 في المئة في الصعيد.
تحسنت نوعية الحياة خلال العقود الماضية، لكن لا تزال توجد أهمية للارتقاء بالخدمات الصحية وتطوير أنظمة التعليم وتحسين أوضاع البنية التحتية والإسكان. ولا يزال معدل دخل الفرد السنوي يدور حول 3300 دولار، وهو منخفض إذا أخذنا في الاعتبار التطور في التوقعات الاستهلاكية في بلد مثل مصر، الذي أصبح منفتحاً على بقية بلدان العالم المجاورة والبعيدة. وغني عن البيان أن أي إصلاحات بنيوية أو في السياسات المالية والنقدية ستحظى برضى المؤسسات الدائنة والدول الصديقة والشقيقة، بما يعزز إمكانات نجاحها.
وتظل هناك أهمية للتوافق المجتمعي وتوفير الأمن والاستقرار السياسي. كما يجب تطوير البنية السياسية بما يدفع القوى الفاعلة إلى طرح برامج اقتصادية واقعية وقابلة للتطبيق، وفي هذا الصدد لم يتضح مثل هذه البرامج في شكل مقنع.
نقلا عن الحياة