محرك الاحتراق الداخلي هو أحد أهم الاختراعات في القرن العشرين و ساهم كثيرا في صنع الثوره الصناعيه الثانيه، و مكن الانسان من الانتقال السريع لكافة أغراضه الشخصيه و التجاريه. و كما هو معروف فان محرك الاحتراق الداخلي يعمل باحتراق الوقود مع الهواء داخل المحرك، و ينتج عن ذلك طاقه يحولها المحرك جزئيا الى جهد يقود الى حركة السياره.
و عادة يكون الوقود أحد مشتقات النفط، و عليه فمحرك الاحتراق الداخلي هو أكبر زبون للنفط.
و مؤخرا سمعنا عن عدد من الدول التي أعلنت نيتها التخلي عن محرك الاحتراق الداخلي، كليا أو جزئيا بحلول تواريخ تتراوح بين 2025 و 2050م، منها بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، الصين، الهند، النرويج، النمسا، اليابان، كوريا، هولندا و البرتغال، اضافة الى عدد من الولايات الامريكيه و على رأسها كاليفورنيا.
و يأتي قرار ألمانيا، مكان اختراع محرك الاحتراق الداخلي و أحد أكبر منتجي السيارات في العالم، بمنع بيع محرك الاحتراق الداخلي بحلول 2030م، دليلا قويا على هذا التوجه، لا سيما و أن ألمانيا هي الدوله المؤثره في الاتحاد الاوربي و اذا ما تبنت ألمانيا قراراً، فعادةً يتبعها الاتحاد الاوربي.
و لكن ما الذي دفع هذه الدول الى هذه القرارات؟ سنحاول الاجابه عن هذا السؤال كما يلي:
1. الملاحظ أن جميع هذه الدول من الدول المستورده للنفط و تعتمد عليه بشكل كبير و هي منذ وقت طويل تتطلع لخفض الاعتماد قدر الامكان على الطاقة المستورده و التي تشعر أنها محفوفه بالمخاطر، و زيادة الاعتماد على مصادر طاقة محليه.
2. هناك لوبيات بيئيه قويه في أكثر هذه الدول تسعى للحد من انبعاث الغازات على البيئه، و التي من مصادرها المؤثره محرك الاحتراق الداخلي.
3. أصبحت السيارات الكهربائيه منافسه من حيث التكلفه و الكفاءه.
4. كما أن تكلفة انتاج الكهرباء عن طريق الطاقة المتجدده مثل الطاقة الشمسيه و الرياح أصبحت اقتصادية و منافسه لتكلفة انتاج الكهرباء من النفط والغاز و المصادر الاخرى، و هذه الكهرباء ستكون المصدر الرئيس لبطاريات السيارات الكهربائيه.
و ماذا يعني ذلك لمصدري النفط؟ يُشكل النقل عالميا حوالي 65% من استخدامات النفط، منها حوالي 50% للنقل البري و 15% للنقل الجوي و البحري، و 35% موزعه بين البتروكيماويات و انتاج الكهرباء و الاغراض الصناعيه و السكنيه. وبالتأكيد لن يختفي الطلب على النفط حتى بعد تحقيق هذه الدول لاهدافها الا أنه من المؤكد أن ينخفض الطلب تدريجيا على النفط، تبعا لتنفيذ هذه الدول و غيرها خططها حسب ما أعلن، و مع استمرار انخفاض تكلفة الكهرباء من الشمس و الرياح و انخفاض تكلفة بطاريات التخزين.
و يختلف النفط عن أكثر السلع، فالطلب عليه مستمر سواء ارتفع السعر أو انخفض، و كذلك الانتاج، حيث يحافظ المنتجون على مستوى الانتاج حتى في حال انخفاض سعر النفط و ذلك للحفاظ على حصصهم في السوق و لكون اعادة الانتاج بعد توقف طويل مكلف للغايه.
و هو على ذلك قليل المرونه من حيث الاسعار، كما نرى الان فوجود مليوني برميل من النفط الصخري لا يحتاجها السوق ، أدت الى الاسعار الحاليه.
و حسب هذه المعطيات و مع انخفاض الطلب المتوقع على النفط، فستتبعه الاسعار بالانخفاض. و كم يكون هذا الانخفاض و متى، هذا ما سيتضح في المستقبل.
و في الاسابيع الماضيه تابعت في الصحف و وسائل التواصل الاجتماعي المحليه ردات الفعل على قرارات الدول الاوروبيه و الاسيويه حول محرك الاحتراق الداخلي و كانت كالتالي:
1. هناك من يرجح أن كل هذا الحديث عن السيارات الكهربائيه و الطاقه المتجدده و حسب نظرية المؤامره هو لتزهيدنا في نفطنا لكي نبيعه بسعر بخس، و اذا كان قصدهم بذلك هو بيع النفط بشكل عام، فهو خاضع للعرض و الطلب و مرت عليه سنوات ارتفاع و سنوات انخفاض. و اذا كان المقصود هو طرح شركة ارامكو، فان مشاريع الطاقه المتجدده و السيارات الكهربائيه سبقت خبر الطرح بسنين طويله. و عموما في مثل هذا الطرح وغيره البائع يتوقع سعر أعلى و المشتري يرغب بسعر أقل و اذا لم يكن هناك تلاقي بين الحد الاقل للبائع و الحد الاعلى للمشتري فلن يكون هناك صفقه.
هذا على اعتبار أن كل ما يجري هو حديث فقط، و لكن الوضع على الارض واقع محسوس فهناك مئات المليارات من الدولارات التي صرفت و تُصرف لتطوير السيارات و بطاريات التخزين و على مشاريع الطاقة المتجدده الضخمه. فالصين مثلا تبني هذ السنه فقط 130 الف ميجاوات من الطاقه الشمسيه، و هو مايعادل ضعف الطاقه الفعليه لاستهلاك المملكه من الكهرباء، كما أعلنت ألمانيا عن انشاء أكبر محطة شحن كهربائي في العالم.
2. توقع البعض و منهم اقتصاديون أن يصل سعر البرميل خلال العقدين القادمين الى أسعار تتراوح بين 100 الى 300 دولار للبرميل، و لا أدري كيف تمت هذه التوقعات و على أي أساس، و لكن حسب بعض الاقتصاديين العالميين، فان الاقتصاد العالمي من الممكن أن يتحمل سعر نفط الى 90 دولار للبرميل و بعدها يبدأ في التباطؤ و اذا وصل السعر الى حدود 150 دولار فان الاقتصاد العالمي قد يتوقف و ذلك لكون النفط يدخل في كل احتياجات الانسان من نقل و أكل و لباس و غيره، و عند ارتفاع سعر النفط ترتفع تكلفة كل هذه المنتجات، و تتغير عندها اولويات المستهلكين و يبدأ الركود الاقتصادي.
3. يرى بعض المطلعين في صناعة النفط أن السبب الرئيس للتحول نحو الطاقة المتجدده و السيارات الكهربائيه هو أن النفط أخذينضب في بعض الابار حول العالم، حيث بلغت هذه الابار أعلى مستويات انتاجها و بدأ انتاجها في الهبوط، و لم يتم اكتشاف احتياطيات كبيره مؤخراً، و أن الدول الصناعيه خشيت من أن يصل انتاج النفط الى حد لا يفي باحتياجاتها و أن ترتفع أسعار النفط بشكل كبير. و هذا سبب معقول.
على أي حال فان قطار السيارات الكهربائيه و الطاقة المتجدده يسير و يتطور، و المستقبل فيه الكثير من المفاجآت و التحديات، و قد يزيد الطلب على النفط في المستقبل القريب الى أن تحقق الدول الصناعيه المعنيه أهدافها، و لكن علينا أن نتوقع الاسوأ و نأمل في الافضل.
تعجبني الكتابة الواضحة و المباشرة خصوصا اذا كانت على شكل نقاط. الشيء المؤكد بالنسبة لي انه لا يوجد في العالم جهة مهما بلغت قدرتها ان تتحكم او حتى تتوقع مستقبل صناعة مثل الطاقة بشكل واضح بكل تنوعاتها و تعقيداتها.
محرك الاحتراق الداخلي لايستقبل إلا وقود بترول بينما البدائل الأخرى كالسيارات الكهربائية تتنوع مصادرها طاقة شمسية رياح..الخ هذه النقلة الضخمة ستجعل الاعتماد على البترول ثانوي في قطاع المركبات لحين تتطور التقنية ويلتحق البترول بالفحم؟!