بتاريخ 10/ 5/ 2017 (قبل عشرة أيام) نشرت صحيفة فايننشال تايمز اقتراحاً بعنوان يقول: يجب (MUST) أن تستوحي المملكة سياستها البترولية من السياسة النقدية التي يتبناها البنك الفدرالي عن طريق تخفيض إنتاجها وفي نفس الوقت تبيع البترول في السوق الآجلة.
الذين لديهم معرفة بسياسة البنوك المركزية سيكتشفون الخلط الذي وقع فيه كاتب الاقتراح فالبنوك المركزية تختلف من حيث العمل والوسائل والهدف عن العمل والوسائل والهدف للدول المنتجة للبترول.
السياسة النقدية للبنوك المركزية عملها خلق النقود (أداة وسيطة للتبادل) وهدفها تحديد سعر النقود (معدل الفائدة). بينما السياسة الإنتاجية للدول المنتجة للبترول عملها استخراج البترول (سلعة مطلوبة لذاتها) وهدفها تحديد سعر البترول (عدد وحدة النقود التي تبيع بها برميل البترول).
لكن ليس هذا هو مربط الفرس الوحيد بل الخطأ الفادح هو التناقض في الاقتراح الذي يدل أن مؤلف الاقتراح لا يدرك ديناميكية عمل الأسواق الآجلة (Futures Market).
يقول الاقتراح إن البنك الفدرالي أثناء الأزمة المالية انتقل من خفض الفائدة قصيرة المدى إلى الشراء المباشر للأوراق المالية طويلة المدى فانخفضت فائدة المدى الطويل. هذا الاستشهاد تحصيل حاصل ولا علاقة له بالموضوع لأنه من الطبيعي أن شراء أوراق مالية (سواء طويلة المدى أو قصيرة المدى) يعني زيادة عرض النقود وبالتالي سيؤدي إلى انخفاض الفائدة. وهذا الإجراء روتيني يستخدمه الفدرالي من يوم ليوم (قد يتكثف وقت الأزمات) للتحكم في سعر الفائدة وفقاً للحالة الاقتصادية.
لكن بالنسبة لدولة منتجة رئيسة للبترول إذا كانت تريد أن ترفع سعر البترول فمن الخطأ الفادح أن يُقترح عليها أن تقوم بعملية تحوط (Hedging وفقًا لنص الاقتراح) أي بيع البترول في السوق الآجل لأن هذا تأثيره واضح سيؤدي إلى انخفاض سعر البترول.
سنؤجل الحديث مؤقتاً عن كيف سيؤدي قيام المملكة بالدور الذي وصفه كاتب التقرير إلى انخفاض سعر البترول وليس ارتفاعه الى مقال زاوية الأحد القادم -ان شاء الله- ونكتفي الآن بسرد قصة قديمة توضح أن اقتراح أن تبيع المملكة البترول في السوق الآجل ليست جديداً.
قبل حوالي 25 سنة جاءت دعوة لوزارة المالية لحضور محاضرة في وزارة البترول عن السوق الآجل، وكان الغرض من المحاضرة شرح طريقة عمل السوق وإمكانية ان تستفيد منه الدول المنتجة للبترول. فكتبت أنا عرضاً حينذاك إلى وزير المالية عن المحاضرة وأوصيت بعدم جدوى السوق للدول المنتجة. لكن لم يرجع إليّ التقرير ولا أعرف هل تم رفعه للوزير أو أن التوصية لم تُعجب الوكيل فأحال التقرير للحفظ.
نقلا عن الرياض