يبدو لأول وهلة أن بلادنا لا توجد بها بطالة على وجه الإطلاق، خاصة أن الوافدين يشكلون 33% من السكان بما يعادل 10.4 ملايين نسمة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن لدينا إدمانا على العمالة الأجنبية الرخيصة جدا التي نستقدمها من الدول النامية، خاصة أن الشركات لديها حذر من توظيف المواطن لأنه أكثر كلفة وأقل إنتاجا للقيام بما يقوم به العامل الهندي أو الإندونيسي أو الباكستاني، وفقا لوجهة نظر بعض الشركات.
ومن المفارقات الموجودة في بلادنا أن المواطنين يشكلون 26.3% (3.06 ملايين) من العاملين في البلاد «حكومي وخاص» ويشكل الوافدين 73.7% أي ما يقدر بـ(8.58 ملايين) من إجمالي قوة العمل التي تقدر بـ(11.64 مليونا) وفقا للهيئة العامة للإحصاء في عام 2016، ولمكافحة هذه الظاهرة، شهدت السنوات الأخيرة سن تشريعات حكومية تلزم جميع الشركات الكبيرة بتوظيف 30% لديها من المواطنين فيما عرف بـ «السعودة»، بينما كان هذا الأمر قد ساهم في خفض عدد العاملين الغربيين الذين يتقاضون أجورا مرتفعة، لم يتغير الأمر كثيرا في الوظائف الأدنى، حيث ما زالت وظائف كثيرة حكرا على العمالة الوافدة.
ويرجع عدم نجاح الإجراءات التي قامت بها الحكومة لسعودة الوظائف إلى ضعف الأجور في القطاع الخاص، إلى جانب وصمة العار الاجتماعية التي تحيط بالعمل في بعض الوظائف، الأمر الذي يفرض على العديد من الشباب رفض العمل في بعض الوظائف التي يعتبرها وضيعة ومهينة مثل العمل اليدوي، خلاف أن الكثير من المواطنين يتطلعون إلى الوظائف الحكومية كأسهل الحلول وأضمنها، حيث يحصلون من خلالها على راتب جيد وحياة مستقرة مطمئنة، خلاف بعض المزايا الأخرى مثل القبول السريع من الكثير من الأسر حين التقدم لخطبة بناتهم كصفة اطمئنان منهم لمسار حياة بناتهم المستقبلية.
إلا أن القطاع العام غير قادر على التعامل مع تدفق الخريجين الجدد، وبالتالي فإن الدولة لم تعد قادرة على ضمان فرص العمل لجميع مواطنيها في الحكومة.
نحن أمام إنذار حقيقي يتطلب التفكير وإيجاد حلول خارج الصندوق، خاصة أن تغير ثقافة المجتمع للعمل في بعض الوظائف قد يحتاج لوقت، خلاف أن القطاع الخاص يعطي رواتب قليلة لا يقبل عليها المواطنون، فلماذا لا نلجأ إلى تشجيع المشروعات الصناعية الصغيرة والمتناهية الصغر، ويصبح الشباب بدلا من باحث عن فرصة عمل، إلى صاحب عمل، خاصة إذا علمت أن معظم الدول المتقدمة قامت نهضتها على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولكن الأهم على الدولة أن توفر للشباب التدريب الكافي، وتحدد المشاريع الصناعية الصغيرة التي في حاجة إليها البلاد، وهي تقوم بالدراسات وعمل الخطط الاستراتيجية للتنفيذ ومسار وكيفية الأداء تحت إشرافها المباشر إلى أن يصل للإنتاج المطلوب، ولا تقوم بالأخطاء التي استمرت لعقود بهدر لمئات الملايين من بيت مال المسلمين، وذلك بمسميات عديدة من الصناديق المدعومة وإعطاء الأموال لشباب صغير السن والفهم والإدراك، وجاهل بحقائق الأمور وبيئة السوق المحلي، ومن ثم مسميات لمشاريع وهمية وبدراسات كاذبة لا يكون نتاجها إلا الفشل وتحميل شبابنا الديون والهم والمشاكل؛ وبالتالي خراب اقتصاد الوطن.
يجب أن تكون هناك روابط بين المشروعات ذات الأحجام المختلفة بعضها بعضا بما يحسن من القدرة التسويقية لهذه المشروعات، ويوفر لها إمكانات تسويق منتجاتها بشكل أسهل؛ بعد الإشراف الحكومي الكامل على تأسيسها. وهنا نتساءل: هل المشروعات الصغيرة أو متناهية الصغر مهمة في ظل الركود الحالي الذي يخرج عشرات المشروعات الكبيرة والمتوسطة من السوق كل يوم ويسحق المشروعات الصغيرة؟ الإجابة ببساطة نعم، فلك أن تعلم أن النهضة اليابانية قامت بالأساس على الصناعات الصغيرة بعد خروجها من الحرب العالمية منهارة تماما، وتوفر هذه المشروعات فرص عمل بشكل كبير مما يؤدي إلى الحد من الطلب المتزايد على الوظائف الحكومية، خلاف أنها تعتبر نقطة تحول للانتقال للصناعات الأكثر تطورا، وبالتالي تحقيق النهضة المنشودة.
إن الدول المتقدمة أدركت أهمية الصناعات الصغيرة منذ سنوات كثيرة، فالصناعات الصغيرة اليابانية تستوعب حوالي 84% من العمالة اليابانية الصناعية، وتساهم بحوالي 52% من إجمالي قيمة الإنتاج الصناعي الياباني، وفي إيطاليا مليونان و300 ألف مشروع فردي صغير، وفي الولايات المتحدة الأمريكية وفرت الصناعات الصغيرة والمتوسطة خلال الفترة من 1992 وحتى عام 1998 أكثر من 15 مليون فرصة عمل، مما خفف من حدة البطالة وآثارها السيئة، وتستوعب 70% من قوة العمل الأمريكية. وفي دراسة عن دول الاتحاد الأوروبي في عام 1998، تبين أن الصناعات الصغيرة والمتوسطة توفر حوالي 70% من فرص العمل بدول الاتحاد الأوروبي. وأخيرا ليس هدفي من الكتابة النقد، بل تسليط الضوء على بعض السلبيات والمشاركة في إيجاد حلول لها، ومن خلال تجارب الدول المتقدمة وأؤكد أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي سلاح القضاء على البطالة، وطريق الوصول إلى النهضة الصناعية التي نحلم بها.
نقلا عن مكة
مقال أعجبني وأنصح بقراءته. حلول البطالة تكمن في منبع التحدي: المستوى التعليمي للعاطلين ومقدرتهم على العمل في وظائف تناسب قدراتهم، و (((ايجاد تلك الفرص المناسبه))).
البطالة لدينا بطالة الباحثون عن (وظائف) لا عن عمل. مثال بسيط أمامك هل ترى كل هذه الدكاكين والمحلات التى تملأ شوارعنا هل تعلم أنها كلها ملك لسعوديين والسؤال هو هل رأيت أحدا منهم جالسا فى دكانه يزاول نشاطه ؟ المثال الآخر هذه معاهد التدريب المهنى التى أنشأتها الدولة منذ أكثر من 60 عام بالله عليك أين ذهب خريجوها؟ وأخيرا هل تعاملت مع أى مهنى أو فنى أو تقنى سعودى؟ أى بطالة هذه التى نتحدث عنها ! ؟؟