صرخات قطاع البتروكيماويات التحذيرية

11/05/2017 1
عبدالله بن عبدالرحمن الربدي

تملك صناعة البتروكيماويات في السعودية خبرات وتاريخ يتجاوز الان أربعون سنة استطاعت هذه الصناعة ان تتطور وتنمو لتجعل من نفسها أكبر مصدر بعد النفط، واستثمارات ضخمة وفتح وظائف مباشرة وغير مباشرة تتجاوز 180 الف وظيفة على اقل التقديرات، هذه الصناعة لم تخلق وتتطور لولا الله ثم توفر مادة اللقيم وبأسعار مدعومة وإرادة دولة للاستفادة من المواد الخام بدلا من تصديرها لتعود الينا من جديد بعد معالجتها وتصنيعها بأسعار مضاعفة محققة للدول التي حولتها وصنعتها الفائدة المضافة لهم، اليوم ورغم كل هذه الإنجازات وبناء الخبرات والقدرات مازال الشك يحوم حول قدرة القطاع على الاستجابة لرفع الدعم عنه سواء من ناحية اللقيم او الطاقة وهو ما يطرح تساؤلا عما كان يفعله القطاع ومسؤوليه كل هذه الفترة رغم علمهم بارتفاع أسعار اللقيم حسب ما هو مخطط له من فترة طويلة وهل هنالك تنسيق حقيقي ومتين بين الجهات الحكومية وبين القطاع الخاص حول الخطط المستقبلية ومساعدة القطاع ليرفع من قدراته تحت اشراف برامج حكومية ترعاها الحكومة وتدعمها للمساعدة كما تفعل جميع دول العالم لتقوية القطاعات المستهدفة واحتضانها والاشراف عليها لتسير حسب ما هو مخطط له بدل ضياع مليارات الريالات كاستثمارات وقروض في مشاريع تفتقد التوجيه والرعاية.

ان متابعة نتائج الشركات في قطاع البتروكيماويات داخل السوق السعودي كفيلة بملاحظة هوامش الربحية ومستوى التكاليف والتي الي هذا المستوى من التكاليف (اليوم) لم تتضرر بشكل كبير لكن من تصريحات بعض مسؤولي القطاع والتي كانت عبارة عن صرخات تحذير عن مستقبل القطاع وعدم قدرته على تجاوز تكاليف ارتفاع الطاقة او حسب ما ذكر ان تكاليف الطاقة تتجاوز ما هو مفروض على المصانع لدي دولة صناعية كبرى مثل الولايات المتحدة وهذا التصريح في الحقيقة ينذر (إذا كان دقيق) بما هو ابعد من اضعاف منافسة القطاع مستقبلا في الأسواق العالمية، الي غرابة ارتفاع أسعار الكهرباء او الطاقة بشكل اكبر من ما هو موجود في بلد يطبق الرأسمالية والأسواق الحرة؟ وأكرر اذا هذه المعلومة صحيحة فيجب ان تراجع سياسة التسعير من جديد، بسبب ان زيادة على ارتفاع التكاليف سواء من ارتفاع أسعار اللقيم او بسبب ارتفاع أسعار الطاقة فان وضع قطاع البتروكيماويات عالميا يمر بمرحلة صعبة من التنافسية وارتفاع العرض فمثلا في الولايات المتحدة وبسبب النفط والغاز الصخري أصبحت مادة اللقيم متوفرة وبكثرة هناك وهو ما ادي الي توسعات كبيرة في مشاريع البتروكيماويات وبالتالي زيادة كبيرة في العرض، نفس الحالة لدى الصين فلقد توسعت الصين في صناعة البتروكيماويات بشكل كبير ومتسارع وهي لديها خطة طموحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذه الصناعة قريبا، ولا ننسي ايران التي تملك احتياطيات ضخمة من الغاز، والتي متى ما عادت الي التوسع في هذه الصناعة فمعناه مزيد من العرض، اذا لا يبدو مستقبل القطاع وردي تماما، بل سيواجه تحديات كبيرة تستوجب الاستعداد من ناحية خفض التكاليف أولا والمحافظة على العملاء والأسواق ثانيا.

ان وجهة نظر الحكومة في القرارات الأخيرة انه لا يمكن الاعتماد وبشكل أبدى على مصادر الطاقة ا لرخيصة والمدعومة وهذا الذي سبب نهم الصناعة بشكل عام والاقتصاد على استهلاك مفرط للطاقة، وكما وضح وزير الطاقة والصناعة ان المملكة تستهلك من (نفط وغاز) ما يقارب خمسة ملاين برميل نفط مكافئ وهو بكل المقاييس عالي جدا وغير مرشد تماما، لكن على الجانب الاخر وبسبب كل ما تم ذكره في الأعلى من مشاكل، سوف تزيد معانة هذا القطاع وقد تضر بصناعة توظف عشرات الاف من الشباب اليوم وتحتها مليارات الريالات من الاستثمارات ولذلك وكما وضعت الحكومة في برنامج التوازن المالي دعما للقطاع الخاص وخصوصا للقطاعات ذات الاستخدام المكثف للطاقة ليتم رفع كفاءتها في استخدام الطاقة بدعم مباشر من الدولة، يجب اعداد برنامج خاص لقطاع البتروكيماويات يحمل كل مخاوف القطاع والاستماع لهم بشكل جيد ومحاولة رعايتهم في هذه الفترة حتى يتم رفع كفاءة القطاع وتماسك تكاليف الإنتاج لديه مع الاحتساب للتغيرات المستقبلية في أسعار المنتجات او حتى دعمهم للدخول في صناعات تحويلية ومتخصصة تحقق مزيدا من القيم المضافة وتبعدهم عن أسواق متشبعة، بكل تأكيد هنالك تنسيق بين القطاعات الحكومية والقطاع الخاص خصوصا البتروكيماويات لكن ومن الواضح انه غير كافي ولم ينجح في تهدئة القطاع او قيادته (بالإشراف والخطط المنسقة بينهما) الي تصور واضح ومطمئن عن مستقبله وجاهزيته لكل التغيرات العالمية التي سوف تحدث لهذا القطاع مستقبلا، واعتقد ان المسؤولية تقع على الجميع (القطاع الخاص والحكومة) في رفع جاهزيته وتنافسية الي مستوى التحدي القادم مستقبلا.