نمو وحجم اقتصاد أي بلد يعتمد أساساً على إنتاجيته واستمرارية تطور الإنتاج، وما يعزز ذلك هو فكر القيادة لاستثمار الموارد بالشكل الأمثل.. مرت المملكة بفترة صعبة من هبوط لأسعار البترول دون 30 دولاراً في فبراير 2016، وأصبح الميزان التجاري سالباً في فبراير لأول مرة منذ أكثر من عقد، وبقي متوسط أسعار البترول ضعيفاً عند 39 دولاراً خلال النصف الأول، الأصعب من ذلك كان دراسة خطة التحول التي كان يراها الكثير من المراقبين في الخارج أشبه بالحلم واللاواقع، ودخل مستقبل الاقتصاد السعودي منطقة الغموض.
بالنسبة لأسواق البترول كان العام صعباً ويشوبه التشاؤم، وفي مؤتمر البترول خلال فبراير 2016 المنعقد في لندن، توقع رئيس BP أن تعبئ تخمة العرض العالمي كل مخازن النفط، وأضاف متهكماً: وكذلك حمامات السباحة في الأندية.
وفي النصف الثاني حدثت تغيرات سلبية على صعيد الطلب والاستهلاك، وكان واضحاً أن معدلات النمو لا تصيب التوقعات، ووسط ذلك كانت المملكة تعمل على تحسين بيئة الترشيد وتنظيم الموارد دون العبث في أساسيات السوق البترولية للاستفادة على المدى القصير.
مع الترشيد المالي السعودي حدث أيضاً تحفظ في الإنفاق وتأخر دفاع مستحقات القطاع الخاص، وانعكس بارتفاع مخصصات البنوك، بالإضافة لشح السيولة بين المصارف، والحقيقة كنت أتمنى ألا يحدث ذلك، لكن ما حدث حدث، واليوم وضع نظام 60 يوماً لتفادي ذلك مستقبلاً.
في النصف الثاني بدأت علامات الترهّل الاقتصادي تتضح من ارتفاع نسبة العاطلين وانخفاض التضخم حتى أصبح سلبياً، وأيضاً معدلات نمو M3 (عرض النقود بمعناه الأشمل) بلغت 1% فقط على أساس سنوي.
بصراحة كانت الأجواء غير مريحة، وفي نهاية العام عقد سمو ولي ولي العهد اجتماعات مع عدة فئات في المجتمع ذات اهتمامات مختلفة، فنّد في هذه الاجتماعات الكثير من المعلومات المغلوطة حول تكاليف الحرب في اليمن والعلاقات الدولية، وواجه تساؤلات الحاضرين لوحده حول مختلف الشؤون.. والحقيقة لا أنسى شيئين طرحهما:
الأول: عندما أجاب على بعض التساؤلات بأن ربط الأرقام والإحصائيات يجب أن يكون متماسكاً بالمنطق، بمعنى حفظ الإحصائيات بذاتها لا يعني أنك اقتصادي، لكن لا يمكن أن تكون اقتصادياً إذا لم تفهم لغة الأرقام مثل من يحفظ التاريخ ولم يفهم السياسة، لكن دهاقنة السياسة يستشهدون بالتواريخ.
الثاني: عندما سئل: هل الصراعات الخارجية تشغل عن الإصلاح الداخلي؟ فأجاب أن الإصلاح الداخلي هو تكامل، وأن أعداءنا ليسوا أفراداً، بل أيديولوجيا تخترق قنوات التواصل وتجند الشباب، ولو رحل قائد أي تنظيم سوف يأتي غيره، لكن إذا ضعفت الأيديولوجيا العدوانية ضعف العدو.
خرجت متفائلاً، وأدركت أن الأسوأ أصبح خلفنا، وثبت نجاح خطة الترشيد وتوجه صندوق الاستثمارات للداخل، وبدأت أنشطة الترفيه تظهر بشكل جريء، وإن كانت أسعار البترول أقلقتني مؤخراً (شهر مارس)، لكن أغلب الأبحاث ترجح أن أسعار هذا العام تقارب ما توقعته الميزانية.. أتوقع خطوات الإصلاح القادمة أسرع وأجرأ، وتبقى أسعار البترول للسنوات القادمة مؤثراً سلبياً أو دافعاً إيجابياً إذا تماشت مع أسعار الدخل المستهدف، رغم أن الأسعار المرسومة في الخطة متحفظة ومنطقية.
نقلا عن الرياض