المسؤولية الإجتماعية.. مسؤولية من؟

25/04/2017 0
صالح على الصبي

تبدو الإجابة على هذا السؤال بديهية، ويسوق لها بأن تكون كذلك عن طريق إتهام القطاع الخاص بالإنتهازية ومطالبات لتحميله بمسؤولية أكبر لدعم المجتمع نظراً لأهدافه الربحية!

ففي الوقت الذي تسعى فيه خطط التحول الوطني، لزيادة فاعلية القطاع الخاص ومشاركته بشكل فعال في خلق الفرص الوظيفية وبناء مناشط إقتصادية مستدامة ومتكاملة تضمن الكفاية للمجتمع بشكل عام في الخدمات، تركز هذه الخطط من جانب آخر على أن يتحمل القطاع جزأً أكبر من فاتورة الإصلاح الإقتصادي عن طريق رفع أسعار الطاقة، أو خفض الدعم في بعض الحالات، ورفع رسوم الخدمات الحكومية وتكلفة العمالة ورفع أو فرض بعض الضرائب التنظيمية مما يزيد من الحمل التشغيلي للقطاع الخاص، ولعل آثار هذه الإجراءات بدأت بالظهور بشكل جلي في نتائج العام المالي 2016م وتفاوتت القطاعات في درجات تأثرها بحسب علاقتها بالإنفاق الحكومي وطبيعة منتجاتها وأثر هذه الخطط على أعمالها. 

غير أنه في ظل كل هذه التحولات الإقتصادية المستمرة، والآثار الواضحة على ربحية القطاع الخاص نتيجة لتطبيق الأنظمة والإجراءات الجديدة لا يزال يتردد سؤال كبير عن دور القطاع الخاص المأمول في قيامه بالمسؤولية المجتمعية خصوصاً في ظل عدم وجود أنظمة واضحة تعرف وتحدد نوع المسؤولية المتوقعة من القطاع مع تباين الشركات الكبير في استشعارها لهذه المسؤولية؛ يضاف إلى ذلك وجود عزوف واضح عن النشر والبحث والدراسة المتخصصة لقياس فعالية نظم الإفصاح الحالية في توضيح المشاركة الإجتماعية للشركات بشكل عام  والشركات العامة المتداولة بشكل خاص، وتطويرها بشكل مستمر بحيث تعطي للمستثمرين فرصة لتوجيه مجالس الإدارات. كل هذا يؤدي إلى أن يتعرض القطاع الخاص لكثير من الإنتقادات العنيفة، تصل أحياناً لوصف القطاع الخاص أو رجال الأعمال بصفات الإنتهازية والأنانية دون أدنى اعتبار لمفهوم الشركات وحدودها وإلتزاماتها النظامية.

ولعلنا نبدأ بأن نبسط مفهوم المسؤولية المجتمعية، حيث لا يوجد اتفاق على تعريف واحد ولكن باختصارِ يمكن فهمها بأنها إلتزام منشآت القطاع الخاص للعمل مع موظفيها والمجتمع بشكل عام لتحسين مستوى المعيشة والرفاهية بأسلوب يخدم القطاع والمجتمع في آن واحد، مع مراعاة الإعتبارات الإجتماعية والبيئية والأخلاقية والحفاظ على الموارد الوطنية. ولعلنا نلحظ أن إلتزام القطاع الخاص مرتبطٌ بشكل رئيسي بدور فعال للمجتمع والجهات التنظيمية للحصول على نتائج إيجابية لهذه الشراكة المجتمعية.

فالشركات بالأساس كيان ربحي، كما نص عليه نظام الشركات، يتقاطع مع المجتمع في شتى مناحي الحياة الاقتصادية حيث بشكل عام تقوم العلاقة بين الأفراد والشركات على منفعة متبادلة. كما أن ملكية هذا الكيان لا تخلوا أن تكون لجهات اعتبارية (حكومية وأهلية) أو لأفراد من المجتمع تشملهم جميع التحولات الإقتصادية.

وهي في نفس الوقت، تقع تحت طائلة الأنظمة والقوانين المحددة لقدراتها وتعاطيها مع المستثمرين أو الموظفين أو المجتمع بشكل عام.

ونظراً لوجود قصور تنظيمي واضح في تعريف وتنظيم المسؤولية الإجتماعية فإنه وبحسب إطلاعي فيما يخص الشركات المتداولة لا يوجد تنظيم أو لائحة مستقلة تعنى بالمسؤولية الاجتماعية للشركات، كما لا يوجد نص نظامي يرتب إشادة أو عقوبة على مخالفة مبادئ المسؤولية الاجتماعية بإستثناء ما ورد على استحياء كمادة إسترشادية في لائحة حوكمة الشركات الصادرة مؤخراً في 2017م، أو ما ذكر من مناقشة مجلس الشورى لمقترح مشروع نظام الهيئة الوطنية للمسؤولية الاجتماعية خلال في إحدى جلساته خلال الربع الثاني من عام 2016م. ونتيجةً لهذا القصور فإن هناك خلطاً كبيراً بين المسؤولية الإجتماعية والعلاقات العامة لدى العديد من الشركات!

ومع هذا القصور التنظيمي، لا تكاد تخلو أي شركة من الشركات المتداولة أو حتى غير المتداولة من جانب مسؤولية اجتماعية لعملائها ومجتمعها نظراً للركائز الدينية والإجتماعية المترسخة. لكنها تتفاوت في اهتمامها وجديتها في التعامل مع هذه المسؤولية بشكل كبير، وهي في الغالب لا تكاد تتجاوز دعم بعض الجمعيات الخيرية، والذي مع أهميته لا يشكل إلا جزءً بسيطا من مفهوم المسؤولية الإجتماعية. ولهذا ورغم توافر العديد من الشركات القادرة على إنشاء  وتشغيل برامج هادفة ذات أثر إيجابي على البيئة والرفاهية وتمكين فئات المجتمع المختلفة في أماكن نشاطها فإنك لا تكاد تجد إلا عدد محدود من برامج المسؤولية الاجتماعية ذات الأثر والصدى الجيد خلال السنوات الأخيرة.

ولا بد من التأكيد أنه ليس باستطاعة الشركات وحدها تحديد البرامج المطلوبة اجتماعياً،  بل لا بد من عمل مشترك بين المجتمع والقطاعين العام والخاص لكونهم المؤثرين والمتأثرين بالبرامج. مما يعني بالضرورة العمل على تفعيل الخطط الهادفة لتفعيل دور القطاع الخاص كشريك حقيق ودافع للتمنية الوطنية عن طريق التشريع أولاً ومن ثم التخطيط والتنفيذ لبرامج تنموية تكاملية مع خطط التحول الوطني.

ومن المؤسف أن الزخم الإعلامي المتركز في النقد، يغفل البحث عن الجهود الحالية المبذولة في دعم المسؤولية الإجتماعية وإبرازها ولا تكاد تجد جهةٌ متخصصة في دعم الجهود وتوحيد المبادرات الإجتماعية أو حتى سرد الإحتياجات والفرص المتاحة فضلاً عن تقييم ما يتم نشره سنوياً في التقارير السنوية لجميع الشركات المتداولة من جهود المسؤولية الإجتماعية.

ولعلي أن ألفت نظر المهتمين، إلى الدراسة الوحيدة التي اطلعت عليها في هذا المجال (على هذا الرابط) والمنشورة في عام 2016م لفحص جودة الإفصاح عن المسؤولية الإجتماعية في التقارير السنوية لعام 2008م وخلصت إلى وجود قصور في جودة الإفصاح ربما يكون ناتجاً عن لنقص الوعي بأهمية و فائدة المسؤولية الإجتماعية.

وختاماً، المسؤولية الاجتماعية لا تتعلق بحجم رأس المال ولا التكلفة، وإنما بالصرف على برامج ومشاريع اجتماعية مستدامة تلبي الاحتياجات المجتمعية وأكاد أن أجزم أن إبراز البرامج الفاعلة للمسؤولية الإجتماعية للشركات، كفيل بدفع فئة من المستثمرين لإضافة المسؤولية الإجتماعية كجزء من منظومة اختيار الإستثمارات أو ما يعرف بالإستثمار المسؤول إجتماعياًSocially Responsible Investing (SRI)، كما حدث تاريخياً في السوق السعودية من ناحية توجه الشركات لخيارات الإقتراض والتمويل المتوافقة مع المعايير الشرعية نظراً لإقبال فئة من المستثمرين الأفراد والصناديق على الشركات الملتزمة بتلك المعايير.

خاص_الفابيتا