نستكمل اليوم قراءة تقرير الهيئة العامة للإحصاء عن سوق العمل في السعودية. تقول هيئة الإحصاء إن عدد الباحثين عن عمل بلغ مليون فرد، ويمثل الإناث أكثر من 700 ألف، بنسبة 80 في المئة.
تبقى هذه الأرقام إلى حد ما ليست دقيقة، فمصادر جمع المعلومات لهيئة الإحصاء هي جهات حكومية، وقد لا تكون المعلومات دقيقة وواضحة، إذ لا يمكن الاعتماد على بيانات وزارة العمل ولا الخدمة المدنية ولا حتى مؤسسات التأمينات الاجتماعية وصندوق الموارد البشرية ومركز المعلومات الوطني، لربما كانت الأسماء مكررة، والكثير من الموظفين الحكوميين يتم تعيينهم من دون الرجوع للخدمة المدنية، وكذلك بعض المؤسسات والشركات توظف العديد من السعوديين من دون أن تضمهم للتأمينات أو الموارد البشرية.
أعتقد أن عدد الباحثين عن العمل أكثر من الرقم المعلن، نظراً إلى عدم وجود إحصاءات صحيحة لدى الجهات المختصة. كنا نأمل من هيئة الإحصاء أن تحدد لنا أكثر المناطق أو المدن التي تنتشر فيها نسبة البطالة وعدد الباحثين عن العمل، وأي المناطق التي يرتفع فيها عدد الباحثات عن العمل من الإناث، لأن مثل هذه التفاصيل تساعد صناع القرار على اتخاذ تدابير وأيضاً قوة سوق العمل وتوجيهها إلى مناطق أخرى، وأيضاً نوعية الوظائف التي يبحث عنها هؤلاء السعوديين، وأكثر الوظائف طلباً، وأقل الوظائف التي لا يقبل عليها السعوديون. لعل الإحصاءات القادمة نجدها أكثر توضيحاً وتدقيقاً.
أظهر التقرير أن أعلى نسبة للسعوديين الباحثين عن عمل بالنسبة إلى الذكور كانت فئة 17 – 26 عاماً، وبالنسبة إلى الإناث سجلت أعمار 27 – 36 عاماً الأكثر بحثاً عن عمل، وهذا الرقم يحتاج إلى المزيد من التدقيق، وخصوصاً الباحثات عن العمل في هذه المرحلة من العمر، سن 36 عاماً بالنسبة إلى الإناث هي مرحلة استقرار، ربما يكون عامل الطلاق وعدم الاستقرار الأسري، أو مشكلات عائلية أو الانفصال، سبباً رئيساً في أن تتجه المرأة للبحث عن عمل، فأعتقد أننا في حاجة إلى معرفة تفاصيل أكثر، وهل هن مطلقات أم أرامل، وكم نسبتهن من إجمالي عدد الباحثات عن عمل.
من اللافت في التقرير، أن الباحثين عن العمل من الفئة العمرية 57 – 66 عاماً بالنسبة إلى الذكور منخفض جداً، إذ إن عددهم فقط 167 فرداً، بينما الرقم مهول جداً لدى الإناث في المرحلة العمرية نفسها، إذ يصل عدد الباحثات عن العمل إلى نحو 3500، فلماذا هذا الرقم الشاسع لدى سيدات كبيرات في السن؟ وهذا يجعلنا نفكر بعمق هل يعقل أن تفقد المرأة الأمان حينما تصبح كبيرة في السن ولا تجد من يساندها، هذا الموضوع يحتاج من الشؤون الاجتماعية أن تجيب عليه، وما هو برنامج مساعدة من تبلغ سن متقدمة في عمرها، لعلنا هنا نعيد إلى الجهات المختصة ضرورة تمكين المرأة للعمل في البقالات والأكشاك بدلاً من الوافدين، وهذه التجربة موجودة في الكثير من الدول.
الشيء نفسه في الفئة العمرية من 47 – 56 عاماً، فالباحثون عن العمل من الذكور أكثر من ألفي فرد، بينما في السن نفسها عدد الباحثات عن العمل يبلغ 28 ألفاً. عليكم أن تتخيلوا وأن تكتشفوا الخلل.
مازلت أقول إن الجمعيات الخيرية وبرنامج دعم الأسر المنتجة يسير ببطء شديد، كما أن وجوده تحت مظلة الجمعيات الخيرية، يفسد مشروع الأسر المنتجة، فهو مشروع استثماري بكل مكوناته، وليس مشروعاً خيرياً حتى نراهم فقط في المناسبات الموسمية. مشروع الأسر المنتجة نريده أن يكبر ويتوسع ويتحول إلى شركة، ومن ثم إلى شركة عائلية. بوضعها الحالي الأسر المنتجة ستكون ضيف شرف في المناسبات والاحتفالات.
أعتقد أن وزارة العمل تستطيع أن توفر أكثر من 200 ألف فرصة عمل للفئة العمرية من 47 – 66، سواءً ذكور أم إناث، من خلال عملهم في البقالات والأكشاك، وتحوي جميع المتقاعدين وكبار السن، وتحميهم من الذل والمهانة، وهذا العمل لا يحتاج إلى جهد بدني، ويحقق لهم دخلاً إضافياً، أو تؤسس لعمل مشروع تجاري عائلي.
من المؤشرات المهمة التي نشرها التقرير، تدني المشاركة الاقتصادية للمرأة، وهي مشاركة ضعيفة جداً، ويتطلب المزيد من التحرك والبحث عن أسباب هذا التدني، فالاختلالات التي يعيشها الاقتصاد السعودي تعود بالدرجة الأولى إلى تدني مشاركة المرأة، فمن غير المعقول أن يكون نصيبها 23 في المئة مقابل 80 في المئة للرجل، فهذا خلل واضح، وسوق العمل تهدر الطاقات والإمكانات الإنتاجية الكبيرة الموجودة لدى النساء. إذا راجعت أول التقرير إلى نهايته، فستجد أن المرأة طاقة غير مستغلة في الاقتصاد السعودي، وهذا ناتج من أسباب عدة، منها غياب بيئة العمل الآمنة في موقع العمل، وعدم وجود وسائل نقل تضمن لها سلامتها، وعدم وجود حوافز مشجعة، وهضم حقوقها الوظيفية، وهنا يتطلب من فريق رؤية 2030 أن تعيد حساباتها في ما يجعل إسهامها في الاقتصاد السعودي أكثر فاعلية، فمن غير المعقول أن ندخل 2020 – 2030 بمستوى هزيل وضعيف لمشاركة المرأة الاقتصادية.
من الفواجع التي ذكرها تقرير هيئة الإحصاء عن سوق العمل، أن معدل البطالة لدى الجامعيين كان الأعلى، وشكل نسبة 17 في المئة، يليهم حملة الشهادة الثانوية، في الحقيقة إن سوق العمل السعودية في حاجة إلى خريجي الجامعات في التخصصات العلمية وليست النظرية، وهذا يتطلب قراراً جريئاً بأن تغلق الجامعات بعضاً من أقسامها وكلياتها التي يتحول خريجوها إلى رقم جديد في سوق العاطلين، كما أننا في حاجة إلى مهن وحرف وإنما ليس بالطريقة الحالية، لم نحصد من الكليات والمعاهد ما يغطي حاجة السوق، في المقابل نحتاج إلى المزيد من التدريب والتأهيل، وأيضاً فتح المزيد من مجالات العمل للسعوديين، مع تذليل العقبات والصعوبات لرواد الأعمال والمقبلين للعمل الخاص، ولا تضغط على القطاع الخاص، حتى لا يهرب إلى مناخات أكثر أماناً. كل ما نحتاجه هو المزيد من التوازن والصدقية والعدل والمساواة في التعامل مع الجميع.
نقلا عن الحياة