كتبت قبل شهرين عن التحركات الجدية والسريعة لتنمية الاستثمار في الطاقة المتجددة في المملكة بناءا على دراسات واستشارات تحاكي تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال دون النظر الى التجارب والتطبيقات المحلية مما خلق فجوة بين مراكز التشريع والتمويل في البلاد وبين مراكز الهندسة والتركيب والتشغيل والاستشارات الوطنية وهي الأقرب لتحديد ما يناسب ظروف المجتمع وتطلعاته مع الظروف الاقتصادية التي أدت الى انكماش اقتصادي حاد صاحبه غياب الدعم التشريعي والمالي.
وقرأنا ما نشرته جريدة الاقتصادية البارحة عن توافد 30 خبير صيني في الطاقة الشمسية الى مملكة المغرب، حتى وان كانت الصين اكبر دول العالم في تصدير الواح الطاقة الشمسية، ولكن هذه الزيارة تهدف إلى دراسة تطبيقات الطاقة الشمسية المناسبة لجغرافية تلك البلاد.
وخلال زياراتي الميدانية لمؤسساتنا الوطنية في المملكة علمت بان جهة حكومية كلفت بروفسور ياباني متخصص لتطوير مواصفات لشرائح والواح الطاقة الشمسية الضوئية حيث قام هذا الخبير بمقابلة عدة جهات حكومية واكاديمية ومراكز بحثية مشهورة في بلادنا ثم طلب مقابلة مسؤولي المؤسسات المحلية التي تعمل في ميدان تطبيقات الطاقة الشمسية وبعد ايام علمنا تأكيده ان المعلومات والخبرات التي استقاها من اهل الخبرة الميدانية كانت هي الاهم والافضل لتحديد الموصفات المناسبة لظروف المملكة الطبيعية والاقتصادية، وهذا يؤكد ما ذكرناه سابقا ان مؤسساتنا الوطنية لديها المعرفة المهنية know-how والتي بنيت بأيد وطنية خلال السبع سنوات الماضية!
والحاقا لما سبق التحدث عنه أن الخبرة المتراكمة محليا في تطبيقات الطاقة الشمسية خلال السنوات الماضية هي أصول وطنية وتحتاج الى التطوير والحماية العاجلة، وهذا يؤكد ما ذكرناه سابقا بشأن حاجتنا الماسة للاهتمام بالمؤسسات والشركات الوطنية الصغيرة والمتوسطة والتي تعاني هذه الايام من اهمال حقيقي، وتفتقر إلى الاستفادة القصوى من امكاناتها الذاتية للوصول الى ما تصبو اليه قيادتنا الرشيدة في 2030.
قبل حوالي ثلاث سنوات كان عدد المؤسسات والشركات الخاصة بالطاقة الشمسية لا تتعدي اصابع اليد الواحدة ومع كثرة التصريحات الواعدة بدعم برامج الطاقة المتجددة وصل عدد المؤسسات والشركات الصغيرة الى حوالي 30 مؤسسة صغيرة وحالها الان يشبه الاسماك الصغيرة التي خرجت تبحث عن الطعام الموعود فلم تجد الا فتافيت لا تسمن ولا تغني من جوع فتحولت الى هياكل شبه ميته لا حراك لها. وفي الجهة المقابلة هل سنرى دعم لامحدود للشركات الكبرى والتي سوف تعتمد على الشركات العالمية؟! اذا اين ما نسمعه عن توطين هذه الصناعة والبرنامج الوطني للطاقة المتجددة؟!
عصا المركزية والبيروقراطية لن تتوقف عن وأد مؤسساتنا الصغيرة والمتوسطة التي تبذل الجهود الكبيرة في التأسيس والتطوير وبعد سنوات كسب الخبرة والمهارة نهملها حتى تموت! ولا اقول هذا من فراغ لان هناك أمثلة حقيقية لكثير من العوائق التي تتعرض لها بعض المؤسسات والشركات المحلية الصغيرة والمتوسطة والتي لا أحبذ الخوض في تفاصيلها الآن، ولكنها دليل على تساقط الاسماك الصغيرة والمتوسطة واحدة تلو اخرى، وسيأتي دور الهوامير والحيتان في السقوط بعدها، مما قد يثير عدة تساؤلات مهمة في مرحلة التصحيح الاقتصادي والشفافية التي نعيشها حاليا:
• ماذا تم منذ النداء الاول قبل شهرين والثاني قبل شهر؟!
• لماذا لا تطبق برامج الدعم من البنوك والصناديق الحكومية في المكان والكم المناسب؟
• أين حماية المستهلك لدعم التنافس في توفير الطاقة البديلة ومكافحة احتكار الطاقة؟!
• أين برامج تشجيع الاستفادة من المتجددة للمنازل والمدارس والمباني الحكومية؟!
• أين دعوات مجلس الشورى لاستخدام الطاقة الشمسية في اضاءة جميع شوارع المملكة؟
• أين مراعاة الجمارك ووزارة المالية لتشجيع استيراد اجهزة الطاقة الشمسية مع تسهيلات جمركية طالما أننا لم نبدأ بعد بتصنيع ألواح الطاقة الشمسية محليا؟!
• أين انظمة حماية المنشآت الصغيرة والمتوسطة من السكتات المالية القاتلة؟
• هل آن الاوان لأن نعرض مؤسساتنا الوطنية الصغيرة والمتوسطة ذات الخبرة الميدانية للبيع حفاظا على حياتها ومكتسباتها العملية؟! ام هل نتركها لتستثمر في الدول المجاورة؟!
واختم بالسؤال الأهم:
أين دعم صندوق التنمية الصناعي للمصانع المحلية المتخصصة في أنظمة الطاقة المتجددة وزيادة سوقها التنافسي مما يدعم الاقتصاد الوطني؟! وماذا قدم صندوق التنمية الصناعي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الوطنية؟!
يوجد لدينا عدد كبير من الجهات التمولية للقطاع الصناعي والتجاري لا نستطيع حصرها: (صندوق التنمية الصناعي، صندوق المئويه، التسليف، هيئة المدن الصناعي، برنامج واعد، برنامج اكتفاء).
ولو جمعنا الميزانيات التمويليه لتلك الجهات فسوف تتعدى مئات المليارات!! لكن لو سألنا عن عدد الموظفين السعوديون الذي نتج عن تلك البرامج لكان الجواب مخجل جدا لأن الاعداد متواضعه جدا؟!!
اذا كيف بكل تلك البرامج التمويليه والاراضي المجانيه والخدمات المدعومه والثروات الطبيعيه المتوفره، مالا يقابله من عدد وظائف للمواطنين تليق بتلك الاموال المصروفه؟! اذا من لا يستطيع توفير هذه النسبه سواء مستثمر وطني او اجنبي فلا حاجة لنا به ولا بمنتجه؟!
وكما يعرف الجميع وخاصة الاقتصاديون ان بقاء وكثرة ونمو مؤسساتنا الصغيرة والمتوسطة امر حيوي لبقاء الشركات والمنظمات الكبرى والبنوك والتي للأسف الشديد لا نرى انها تقوم بما يجب لانها تنتظر الامر الصريح بهذا من قبل الجهات التشريعية المختصة، والا فإنها لن تحرك ساكنا حتى لو كان خطر الانهيار على الابواب، وهذه دعوة صادقة لتظافر جهود كبار المسؤولين وتفعيل الصلاحيات الموكلة اليهم بالنزول الى الميدان لتحويل البرامج المبدعة التي تتزين بها كتيبات البنوك وصناديق الدعم الى واقع ملموس يؤدي دوره الفعال لإحياء وتنمية اسماكنا الصغيرة والمتوسطة والتي ستقوم مسرورة بإطعام حيتان اقتصادنا الوطني حتى تزيد وتنمو هي ايضا!!
خاص_الفابيتا