قطار الشمال...انجاز تاريخي وفشل تسويقي!

16/03/2017 4
عبدالله الشبيب

شهد يوم الأحد السادس والعشرين من شهر فبراير حدث تاريخي مهم في تاريخ المملكة العربية السعودية وهو انطلاق قطار الشمال للركاب في مرحلتة الاولى من الرياض الى القصيم مروراً بالمجمعه. هذا المشروع الضخم باكتمال تشغيله بعد عدة شهور سيمتد الى حائل والجوف والقريات ولأول مرة سيربط 6 مدن ووسط المملكه بشمالها وشمال غربها وسيختصر رحلة بطول 1242 كم الى 6 ساعات و12 دقيقه (باستثناء فترات التوقف) وسيقدم خيار آمن وعملي لسكان مدن شمال المملكة التي تعاني من عدم توفر رحلات طيران كافية على مدار العام.

هذا القطار سيوفر فرص عمل كبيرة ويساهم إذا ما تم احسان استغلاله في زيادة التجارة البينية وزيادة الفعاليات الاجتماعية بين المناطق التي يمر بها ويقلل الضغوط على الطرق السريعة ونسب الحوادث ويقدم وسيلة نقل عملية وممتعة خصوصاً إذا ماتم ربطها بوسائل مواصلات تسهل الانتقال من والى المحطات نفسها داخل المدن كالباصات وسيارات الاجرة ومكاتب تأجير السيارات. 

أؤمن بإن اهم ثروة للإنسان هي الوقت والوقت الممكن توفيرة اثناء رحلة القطار ممكن استغلالة في القراءة الحرة وانجاز الأعمال او الاسترخاء. هذا يعني كذلك أن أصحاب المهن التي لا تتطلب تواجد مستمر في مدن أخرى وطلاب الجامعات وخصوصاً الدراسات العليا سيكون بإمكانهم الذهاب للمحاضرات والعودة لمنازلهم في مدنهم بدون الحاجة للانتقال وتغيير مكان العيش او قيادة السيارة.

بذلت شركة "سار" المسؤولة عن بناء وتشغيل القطار جهود كبيرة لإنجاز المشروع بإتقان عالي وتم بناء المحطات بمواصفات عالمية يلاحظها المسافر بسرعة وأبسط مثال على ذلك الاهتمام بأدق التفاصيل كتدوير النفايات ووضع حاويات مخصصة للمواد البلاستيكية والسوائل وغيرها. كذلك من الناحية الفنية القطار تصل سرعته الى 200 كم في الساعة ويختصر المسافة بالمقارنة مع السيارة أو حتى الطائرة إذا ما تم احتساب فترات الانتظار قبل الرحلات وشارك ببنائه كبريات الشركات العالمية المتخصصة. هذا العمل الرائع صاحبة فشل تسويقي حاد قد يؤدي لعدم الاستفادة من المشروع إذا لم يتم تصحيح هذا الخلل بشكل سريع.

لكن ما يدعو للاستغراب الشديد هو التغطية المتواضعة لهذا الحدث المهم على جميع الأصعدة بل إن بعض من قام بتغطية الحدث او تم الاستعانة بهم أساء للمشروع وقدم مقارنات مغلوطة ومجحفة في حق مشروع وطني لازال الكثير لا يعرف عنه شيء. هل يعقل أن هذا المشروع العملاق يتم افتتاحة الرسمي بدون تغطية اعلامية كبيرة يشارك بها أحد الوزراء او مسؤولي الدولة الكبار حفظهم الله! 

كل ما ذكرت من بعض مميزات القطار وفوائده المرجوة لن تجدها في أي حملة تسويقية حالياً حيث لم تطلق حملة تعريفية في جميع انحاء المملكة او على الاقل في المدن التي يمر بها القطار ولا يظهر ان الشركة تعاقدت مع وكالة تسويقية تقوم بهذا العمل المهم جداً وتحدد من يجب ان يقوم بالظهور الاعلامي من المسؤولين عن القطار وتدربهم على مواجهة الاعلام والظهور المكثف واستخدام قنوات التسويق ووسائل الاعلام المحترفة بدلاً من الاعتماد الكامل على مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي. بمعنى اخر الشركة المالكة لا تذكر لك فوائد هذا القطار ولا يبدوا أنها تعرف قيمته الحقيقية.

أكاد أجزم أن من يقوم بادارة شركة سار غير مدركين لأهمية علم التسويق في انجاح المنتج ويظهر هذا بشكل جلي من خلال الأرتجال الكبير المصاحب لبدأ تشغيل القطار بشكل رسمي وعدم وجود خطة اعلامية وتسويقية واضحة أدت لأنتشار معلومات مغلوطة وتذمر كبير من الأسعار وإطلاق احكام مسبقة على جدوى هذا المشروع الجبار.

تكمن هنا أهمية بناء الانطباع (Perception) لدى الشريحة المستهدفة بدلاً من ترك وسائل التواصل الاجتماعي من غير المختصين تشكل هذا الانطباع وتصور منتجك بشكل لايعكس ماتريد ايصاله. فكما هو معروف في التسويق إذا لم تشرح للزبون فوائد المنتج الملموسة وغير الملوسة وتخاطب حواسه لن يلتفت الزبون لمنتجك مهما بلغت جودتة والتاريخ مليء بالأمثلة لمنتجات رائعة فشلت بشكل حاد بسبب إهمال الجوانب التسويقية بجميع أركانها المهمة كالسعر والمكان والمنتج الحسي والغير حسي والاعلانات او العروض الترويجية.

فمن ناحية السعر ونقاط البيع، الأسعار لم يتم الإعلان عنها وأماكن شرائها (موقع الشركة الالكتروني فقط) الا قبل الافتتاح بعدة اسابيع ولا تفرق بين من يذهب باستمرار (بشكل يومي او تكرار عالي) او يذهب للنزهة او المتقاعدين او الأطفال. من غير المنطقي أن توضع الأسعار بهذا الشكل الموحد لشرائح مختلفة من المسافرين. الشرائح المستهدفة يجب تحديدها وتقديم الاسعار المناسبة لها وفقاً لمعادلات معينة تراعي أن نجاح القطارات يقاس بأعداد المسافرين وبحجم النشاط الاقتصادي والتطور المدني الذي تساهم في تفعيله وليس بالضرورة العائد المادي للقطار نفسه.

كذلك يظهر ضعف العمل التسويقي بغياب اي حملات تعريفية (Branding) وهي خطوة تسبق تسويق المنتج ولا يتم خلالها التطرق للاسعار وأنما يتم فقط تعريف الناس بالمنتج (القطار) وتشجيع الناس على استخدامه وتهيئتهم على تغيير نمط حياتهم وبناء حالة من الشغف والترقب من خلال فعاليات ومواد ترويجية وحملات اعلانية وظهور اعلامي يتناسب مع الحدث. ماهو ملاحظ ان كل الجهود في هذا المجال كانت محصورة في ظهور اعلامي من وقت لآخر على شكل مقابلات مع الدكتور رميح الرميح رئيس شركة سار السابق ورئيس هيئة النقل حالياً وهذة المقابلات وان كانت ثرية بالمعلومات إلا انها محدودة الاثر لإقتصارها على شريحة معينة من المشاهدين في قنوات او برامج تعنى بالاقتصاد والاعمال ولا تخاطب كافة الشرائح المستهدفة. 

لازال الوقت مبكراً فالقطار لم يفتتح بأكملة بعد وجدواة لا خلاف عليها لذلك ارجو ان يعمل القائمين على القطار وبشكل سريع على وضع استراتيجية تسويقية (وليست اعلانية فقط) تعرف المجتمع بهذا القطار وتقوم بتحديد كل شريحة مستهدفة من المسافرين وتقدم مايناسبهم من باقات وتذاكر تشجعهم على الاستخدام المتكرر وان يتم التحكم فيما يخرج من تصريحات او رسائل للإعلام وعدم الارتجال في اطلاقها خصوصاً مع وجود نزعة لدى الكثيرين للتقليل من أهمية مثل هذه المشاريع الرائدة والانتقاص من جدواها.

خاص_الفابيتا