قد يتخيل لمن يقرأ النصف الاول من العنوان اننا نتحدث عن كرة القدم, وللقارىء العذر في ذلك فالبرازيل معروفة عالميا بكرة القدم والقهوة والكرنفالات.
ولكن مالايعرفه الكثيرين هو ان البرازيل حالياً تعتبر اهم مُصنِّع للطائرات المتوسطه وتتنافس شركتها العملاقة امبراير مع بومبارديه الكندية على لقب ثالث اكبر مصنع لطائرات خلف ايرباص وبوينغ.
كيف يمكن لدولة ليس لها تاريخ في الصناعات المتطوره ان تقتحم نادي مصنعي الطائرات وتصبح احد اهم لاعبيه؟ وماهو الدور الذي لعبتة الحكومة في ذلك؟ إن من المهم جدا لصناع القرار في الدول النامية والتي تتحدث كثيرا عن الانتقال للاقتصاد المعرفي ان تدرس كيف تمكنت دول مشابهه لها كالبرازيل والارجنتين من انشاء كيانات اقتصاديه مستدامة تصدر منتجات تقنية للعالم الاول.
قصة البرازيل مع صناعة الطائرات بدئت منذ اربعينيات القرن الماضي وخصوصا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
في البداية انشذت الحكومة وزارة الطيران ثم اتبعت ذلك بأنشاء معهد ابحاث متخصص في تصميم الطائرات ومعهد لاعداد مهندسين متخصصين في علوم الطيران وتم الاستعانة بمجموعه كبيره من المختصين والمهندسين الالمان ولكن كل هذه الجهود لم تنجح في انتاج ما يبرر الاموال التي صرفت لذلك.
فتر حماس الحكومه بعد هذا الفشل ولكن الدعم لم يتوقف حتى تمكن معهد تصميم الطائرات من تصميم واختبار محرك لطائرات نقل صغيره قد تستخدم لاستبدال طائرات قديمة للقوات الجويه البرازيلية.
بعد نجاح هذة التجربة وبدعم من القوات الجوية عاد حماس الحكومة وعرضت على القطاع الخاص ان يحصل على تصاميم الطائره مجانا وان تقوم بطلب ٨٠ طائرة ولكن القطاع الخاص لم يتفاعل ابدا لمشروع يعتمد بشكل كبير على الحكومه كزبون وخصوصا في ظل وجود فرص استثماريه اخرى ذات عائد مرتفع وخطوره منخفظه - يذكرني هذا الوضع بحال قطاع البتروكيماويات السعودي الذي لازال منحصر بشكل كبير على المواد الاولية كالبولي ايثلين والبولي بروبلين-.
في ظل احجام الشركات الخاصة عن الاستثمار وبسبب تخوفها من تكرار التجارب السابقة الفاشلة قامت الحكومة في عام ١٩٦٩ بأنشاء شركة متخصصه في صناعة الطائرات واعطتها هامش من الاستقلاليه في اتخاذ القرارات ووضع السياسات التي تكفل لها العمل كشركة ربحية بعيدا عن البيروقراطيه الحكوميه.
كانت حكومة البرازيل تعي بآن الشركة الوليده لن تصمد في وجة نظيراتها الاجنبية وخصوصا الامريكية مثل سسنا وبايبر لذلك قررت ان تقدم لها مجموعة من التسهيلات المالية والاعفائات الجمركيه والضريبيه وانشأت برنامج يسمح للشركات ان تستثمر نسبه ١٪ من التزاماتها الضريبيه على شكل اسهم في امبراير ثم اغرت احدى الشركات الامريكيه المتقدمة تقنيا - بايبر - بأن تقيم شراكة مع امبراير في البرازيل مقابل ان تقوم الحكومه باغلاق سوق البرازيل الكبير امام المنافسين الاخرين برفع رسوم الجمارك من ٧٪ الى ٥٠٪.
كذلك قامت القوات الجوية بدعم امبراير عن طريق وضع شروط في عقودها مع مصنعي الطائرات العسكرية الايطاليين بأن يتم تجميع الطائرات في البرازيل وان تكون امبراير شريكا محليا.
ساهمت هذا الدعم في صقل مهارات المهندسين البرازيليين وزيادة الطلب على منتجات الشركة.
بالاضافة الى ماقامت به الحكومه، تمكنت ادارة امبراير والتي كان يقودها طيار وقائد سابق في سلاح الجو البرازيلي هو اوزيريس سيلفا من انشاء شركة ديناميكيه يتميز موظفيها بالتفاني والحافز الذاتي للتعلم.
كان معدل الاعمار في امبراير ٢٨ سنه فقط وكانت الشركة تدفع لموظفيها الشباب رواتب اعلى من ماتقدمة الشركات العالميه ذات الحضور القوي في البرازيل كجنرال موتور وفولكس واجن.
وبدلا من الاعتماد على الغير انشأت الشركة وحدة داخلية تتابع بدقة كل مايحدث من تطورات في مجال صناعة الطائرات واستراتيجيات المنافسين.
وهنا مسألة مهمه جدا وهي ان الانتقال للاقتصاد المعرفي لايمكن ان يحدث بدون وضع انظمة حوافز جديدة تكافيء من يعمل بجد والاستثمار في بناء القدرات الداخلية بدلا من الاستعانة بالشركات الاستشاريه بشكل مستمر.
اما كيف استطاعت امبراير لاحقا اقناع العالم بمنتجاتها بالرغم من وجود القوى التقليدية في صناعة الطائرات كالولايات المتحدة وفرنسا فلهذة قصة جميلة سنستطرق لها في الجزء الثاني من هذا المقال.
شكرًا جزيلا بصراحة مقال رائع جداً وصورة من صور النجاح التي يمكن التعلم منها
موضوع جميل جدا كنت مستغرب من هذه الطائره البرازيليه D90 ولكن الاصرار هو النجاح شكرا مره اخرى وبانتظار الجزء الثاني