نقطة ومن أول السطر يا "أوبك"!!

15/03/2017 1
خالد أبو شادي

تصر "أوبك" على وضعنا في مأزق أثناء محاولة رصد وفهم تحركها، فالمنوط بالمنظمة الدفاع عن حقوق كبار المنتجين، تماما كما هو منوط بوكالة الطاقة الدولية الدفاع عن مصالح كبار المستهلكين، لكن هذا لا يحدث دائما من جانب الأولى كما تفعل الثانية.

قبل يوم، صدر تقرير "أوبك" الشهري حاملا توقعات غير متفائلة لحركة الأسعار، وسأتجاوز هنا عما تحدثت وكالة "بلومبرج" بشأنه عن زيادة الإنتاج السعودي بحوالي 263 ألف برميل إلى أكثر قليلا من 10 ملايين برميل يوميا خلال فبراير/شباط وذلك اعتمادا على المصادر الرسمية المباشرة رغم تنويه "أوبك" في تقريرها إلى عدم استنادها لتلك المصادر بل "الثانوية" في وضع الأساس المرجعي لإتفاق خفض الإنتاج "شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016".

 لكن الإعلام الغربي له تصوراته وتوجهاته التي باتت لا تخفى على أحد، وهو ما اتضح أيضا في تحليل "فورين بوليسي" الصادر قبل يومين لسياسة المملكة النفطية.

وفي الوقت الذي أشارت فيه "المصادر الثانوية" إلى تواصل انخفاض إنتاج السعودي (حوالي 68 ألف برميل إلى 9.79 مليون برميل يوميا في فبراير/شباط بالمقارنة مع يناير/كانون الثاني، بينما تراجع إنتاج "أوبك" الإجمالي بأكثر من 139 ألف برميل يوميا إلى 31.95 مليون برميل في اليوم الواحد).

هذه الأرقام من المفترض أن تصب في صالح ثبات إن لم يكن دعم ارتفاع الأسعار، حيث أن انخفاض الإنتاج تجاوز المستوى المحدد عند 32.5 مليون برميل يوميا، بالمقارنة مع 33.64 مليون في أكتوبر/تشرين الأول 2016، لكن هذا لم يحدث للأسف (لا يحدثني أحدكم عن تأثير احتمالية رفع الفائدة المتوقع اليوم من قبل الفيدرالي فهذا محتسب مسبقا من كثرة تصريحات "يلين" وتلميحاتها وتقرير الوظائف الشهري الأخير ولا ننسى بأن هناك احتمالية لرفع ثاني وثالث ومن ثم ضغط على الأسعار نتيجة ارتفاع الدولار).

لكن لماذا لم يتحقق ثبات الأسعار ولا ارتفاعها؟؟  وهذا هو بيت القصيد

 هناك اختلاف كبير بين المصادر الرسمية والثانوية فيما يخص الإنتاج السعودي وهذه إشكالية ربما سببت إرباكا رغم أنه بفرض اعتماد المصادر الرسمية فقط فإن سقف انتاج السعودية حسب الإتفاق عند 10.058 مليون برميل وهي لم تتجاوزه، كما حملت توقعات التقرير الشهري للمنظمة تفاؤلا تجاه زيادة إنتاج الدول خارجها خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام الحالي، وتراجعا في الربع الرابع، بينما تتوقع إجمالا أن ينمو هذا الإنتاج إلى 57.74 مليون برميل يوميا في 2017، ارتفاعا من 57.34 مليون بوميل في 2016، وماذا في ذلك؟؟

ليس هناك أى مشكلة مع هذه التوقعات في حد ذاتها بغض النظر عن الإتفاق أو الاختلاف على مدى تأثير كمية الزيادة، لكن المشكلة تكمن في عدم اتساق تلك التوقعات وتحرك "أوبك" ذاتها، وكأن الأمين العام مثلا ليس على علم بها، وكذلك وزراء نفط "أوبك" أنفسهم.

حيث تبدو تصريحات "باركيندو" شديدة التأني إن لم يكن التردد وكأنها لا تقرأ جيدا تحرك السوق واتجاهه مع اصراره على الترو في تمديد إتفاق النفط الجاري، والذي أثبت انخفاض النفط عقب صدور تقرير "أوبك" يوم أمس الثلاثاء تجاوزه وطلب المزيد "ضمنيا".

وكأن كلمة premature “من المبكر أو من السابق لأوانه" صارت شعار المرحلة، حتى أن الكرملين استخدمها مؤخرا للتنويه بشأن تمديد إتفاق الخفض والتأكيد على ذات التوجه.

هذه هي الإشكالية التي تصدّرها "أوبك" لنا حاليا، عدم الإتساق بين تقاريرها وتحرك مسؤوليها، في الوقت الذي تفرض فيه توقعاتها هذه تحرك إستباقيا لتحقيق مصالح الأعضاء، لكن ربما يبدو "خلف الكواليس" أن حتى مجرد الإتفاق على تمديد اتفاق الخفض الحالي "1.2 مليون برميل يوميا" صعبا فيما سيكون أصعب-كما أتصور ويتصور الكثيرون حسب ظني- تبعات تواصل انخفاض الأسعار لمستويات أقل من الخمسين وربما الأربعين بل أقسى بمراحل كما بيّنت "عملياً" تجربة العامين الماضيين على الميزانيات الحكومية.

فما بالك إذا افترضنا الحاجة لإتفاق بخفض أعمق تجمع عليه "أوبك" أولا حتى تقنع كبار المنتجين خارجها بالإنضمام مجددا لـ"حظيرة تحقيق المصالح"؟، حيث بدا لي على الأقل أن دعم الأسعار تحت مستوى 30 دولارا أسهل "فنيا" و"أساسيا" من "دعم" ثباتها فوق الخمسين دولارا.

وإذا كان مبررا لدى البعض التقليل من أهمية النفط الصخري على المدى الطويل، فإن التوقعات في الوقت الحالي أى الأجل القصير لا تشير إلى إمكانية تهميش دوره كون هذا يضلل "القرار" وآليات اتخاذه ومن ثم تحركا متخبطا لا يخدم قضايا "أوبك" ومنتجيها.

فتوقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تشير إلى نمو الإنتاج الصخري في قادم الأيام ("أوبك" نفسها رفعت توقعاتها لإنتاجه)، وعلى سبيل المثال ترى أن منطقة حوض "برميان" التي تستحوذ على عدد كبير من منصات الحفر سيرتفع انتاجها 79 ألف برميل يوميا إلى 2.28 مليون برميل يوميا في أبريل/نيسان، فيما سيكون إجمالي المناطق السبعة الأكبر والأشهر التي يتابعها تقرير "الإنتاجية" عند 4.96 مليون برميل.

ووفقا لبيانات الإدارة ذاتها فقد بلغ الإنتاج الأمريكي 9.088 مليون برميل يوميا في الأسبوع المنتهي في الثالث من مارس/آذار الجاري، وهو ما يعني أن "4.96 مليون برميل المتوقعة تمثل أكثر من 54% من الإنتاج النفطي الأمريكي، فكيف يمكن إهمال تأثير النفط الصخري ولو في المنظور القريب كما أشرت؟!

وبالطبع هناك مؤثرات أخرى على حركة الأسعار، لكن يعنينا هنا تتبع تحرك "أوبك" التي من المفترض أن يكون دورها أكثر فاعلية مما هو عليه بالتوازي مع تحرك مسؤوليها تحقيقا للمصالح حتى لا تكون دائما (أول من يضحي وآخر من يحصد الثمار).

ليس عيبا أن تراجع المنظمة استراتيجيتها، ليس عيبا أن يكون هناك متحدثا اعلاميا محترفا بإسمها له خبرة وباع في المجال بدلا من "الضجيج" المتصاعد من هنا وهناك دون طحين، ليس عيبا أن تفعل ذلك لتحقيق مصالح أعضائها.

وإذا كان "طي صفحة" وبدء أخرى صعبا في الوقت الراهن رغم تصوري أن اكتتاب "أرامكو" ربما يغير وضع المنظمة.. فهل من الممكن وضع نقطة بحجم برميل نفط ونبدأ سطرا جديدا يا"أوبك"!!

خاص_الفابيتا