لايختلف خبراء الاستثمار ودارسوا العلوم الماليّة والإداريّة أنّ الإندماجات بين الكيانات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل مجالات متقاربة مفيد لجميع الأطراف الداخلة فيه.
ولئن كانت الاندماجات حاجة في أوقات الرّخاء الاقتصادي فإنّها قد تصبح ضرورة في أوقات الصعوبات والتحولات الاقتصاديّة كما هو الحال في المرحلة الحاليّة.
يبقى السّؤال إذا: لماذا لا نرى إلّا عددا محدودا من الاندماجات في اقتصادنا السعودي وقليل من هذه الاندماجات يحالفه النّجاح؟ ماهي العوائق التي تحول دون ذلك؟
إنّ العقبة الرّئيسيّة التي تحول دون قيام الاندماجات تعلّمتها من وزير التجارة السابق الأستاذ عبدالله زينل جزاه الله خيرا حين تشرّفت بمقابلته قبل سنوات لأخذ مشورته وطلب دعمه في اندماج عدد من شركات المقاولات (وكنت أدير إحداها) لتكوين كيان قويّ على غرار شركتي سعودي أوجيه ومجموعة بن لادن آنذاك.
استقبلنا بحفاوة وشجّع الفكرة ووعد بتسخير إمكانات الوزارة لخدمتها وكان من ضمن حديث الوزير المانع ذكره لحوار دار بينه وبين ملّاك أحد المصانع الصّغيرة التي كان الوزير يدعوهم آنذاك للإندماج.
دعوة الوزير تلك لم تنجح بسبب نمط التّفكير التّقليدي لكثير من الملاك إذ يحكي الأستاذ زينل أن أحد الملّاك اعترض أحدهم قائلا بأنّ مكتبه حاليّا مطلّ على خطّ الإنتاج وأنّه يحضر كل صباح بحيث يراه جميع العاملين فيلتزموا بخطّة العمل!
وهذا الدّور (الحسّاس!) لن يقوم به أحد في حال الإندماج ؛ ردّ عليه الوزير باللّكنة الحجازيةّ الجميلة (وهي دي شغلتك!!).
هذه القصّة التي حكاها الوزير زينل تعكس العائق النفسي لدى ملاك المنشآت الصغيرة الذي يتمثل في جانبين الأوّل: الرّغبة الدّاخليّة بالاحتفاظ بالإدارة واحتكار اتخاذ القرارات في المنشأة بمعنى آخر رفض فكرة الفصل بين الملكيّة والإدارة! والجانب الثّاني عدم إدراك أهمية الاندماجات وفوائدها وأنها ربما تكون الخيار الحتمي لاستدامة المنشأة.
الصّناعات التّحويليّة من أكثر القطاعات تحريكا للدّورة الاقتصاديّة وخلقا لفرص العمل ومن ضمنها تلك الصناعات التي تعتمد على الحديد؛ وما أدراك ماالحديد؟ هذا المعدن الّذي سميت به سورة من القرآن ووصفه بأنّه المعدن الوحيد المنزل من السّماء وأن فيه بأسا شديدا ومنافع للنّاس.
يخضع الحديد شأنه شأن غيره من المعادن الأساسية لتقلبات الأسعار التي يصعب التنبؤ بمقدار أو توقيت حدوثها ويصحبها بطبيعة الحال تقلبّات شديدة في العرض والطّلب الأمر الّذي يمثّل عامل خطورة بالغ للصّناعات التّحويليّة المعتمدة عليه.
أدركت مجموعة من المستثمرين في المصانع المتوسطة التي تستثمر في الصناعات التحويلية للحديد هذه الصّعوبات التي تواجههم وتعرضهم جميعا لمخاطر مستقبلية فابتدأوا حوارا بينهم لتدارس فكرة أن يتحدّوا بدل أن يتنافسوا مع بعضهم البعض.
كان منطلق الفكرة أنّنا نشتري الموادّ الخام من نفس المصادر ونبيع في سوق واحد فنفقد جميعا فرصة الأولويّة في الحصول على الخام بالسّعر المناسب ونفقد فرصة بيع المنتج بهامش جيّد وبسبب محدودية الإمكانات لانستطيع اقتناص الفرص إذا أتيحت!.
لقيت الفكرة قبولا لدى ثلاث كيانات اثنان منها كيانات عائليّة والثّالث شراكة بين مستثمر سعودي ومهندس عربي وأخذوا يتداولون هذه الفكرة ونجحوا بعد توفيق الله في تطويرها حتّى تحوّلت إلى اتّحاد حقيقي في صورة شركة مساهمة مقفلة.
وبسبب قوّة مركزهم المالي والسوقي الجديد تم استقطاب مصنع جديد ليكون الطّرف الرّابع في الإندماج فتم الاستحواذ عليه عن طريق رفع رأس المال الّذي منح بموجبه الطّرف الرابع أسهما في الشّركة المساهمة الجديدة ممّا زاد الاتحاد قوة إلى قوّته ليكمل مؤسسوا الإندماج مسيرتهم التطويرية والتنظيميّة وتمكنوا من إدراج الشّركة في سوق الأسهم السّعوديّ "تداول" مطلع عام 2011 م.
تحقّق للمؤسسين للانداماج عدة مكاسب أولها توحيد جهودهم وتسخير إمكاناتهم المادية ومجموع خبراتهم التّراكميّة والسوقية في الحصول على الموادّ الخام بشروط منافسة وزادوا من قدرتهم على بيع منتجاتهم بهوامش جيدة.
وحيث أنّ ملكيّة المؤسسين أصبحت على شكل أسهم في الشّركة سهل على كل طرف إجراء المناقلات في الملكيّة للأسهم التي يمتلكها بشكل سلس ومن هنا تحقّق المكسب الثّاني لمؤسسي الإندماج في ترتيب شراكاتهم الخاصّة. فمن ذلك أن قدّر الله على الوفاة على بعض أطراف الإندماج فتمّ تقسيم أسهمه التي تركها لورثته بشكل سلس.
أمّا المكسب الثّالث للمؤسسين فقد تمثّل في الحصول على علاوة إصدار استحقّوها نظاما بعد نجاحهم في طرح الشّركة للتّداول في السوق الرّئيسي (تداول).
أمّا المكسب الرّابع فإنّه – والعلم عند الله – لو لم تقم هذه الاندماجات فإنّ فرصة استدامة الكيانات الثّلاثة – أو بعضها – في ظلّ المتغيّرات الاقتصادية والسّوقيّة تبدو ضعيفة.
بعد استعراض تجربة الاندماج والمكاسب التي تحقّقت للمؤسسين له؛ هل استمر الكيان الجديد في النجاح بعد طرح جزء من الأسهم للتداول؟ وماهي أبرز عوامل نجاح تجربة أسلاك ؟ سنتناول ذلك في الجزء الثّاني والأخير من المقال.
خاص_الفابيتا
نجاح اسلاك نجاح مقتصر على ( المؤسسين ) ولم يتعدى الى المساهمين حتى الان فسعر الاكتتاب كان 34 ريال سعودي في منتصف 2011 م ومن ذلك التاريخ الى اليوم وزع السهم كارباح 9 ريالات ومنحة ( سهم لكل 8 اسهم ) اي لو اكتتبت في 8 اسهم عند الطرح عام 2011 فالتكلفة 8*34 = 272 ريال سعر السهم اليوم بعد 6 سنوات = 22 ريال يعني قيمة استثماري = 22*9 اسهم = 198 ريال بالاضافة الى 72 ريال ارباح مستلمة فتصبح قيمة استثماري = 198 + 72 = 270 ريال اي انني كمستثمر خسران 2 ريال خلال 6 سنوات افعن اي نجاح تتحدث اخي الكريم ام انك تقيس النجاح على كمية الشركات الفاشلة والفاسدة في السوق السعودي وهذا قياس لا يصح مع الشكر والتقدير
مارأيك أن يكون النّقاش بعد قراءة الجزء الثّاني من المقال؟
قاتل الله العجلة لم انتبه لنهاية المقال ننتظر الجزء الثاني وشكرا على التنبيه اخي يوسف والعذر من الدكتور على استعجالي
"لايختلف خبراء الاستثمار ودارسوا العلوم الماليّة والإداريّة أنّ الإندماجات بين الكيانات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل مجالات متقاربة مفيد لجميع الأطراف الداخلة فيه." بل يختلفون يادكتور. بحسب دراسة جامعة هارفرد (٢٠١٤) ٧٠٪ من الاندماجات تفشل و ٩٠٪ من الاستحواذات كذلك. هي تمثل حل في حالات معينه لكن الارقام لا تشجع.
شكرا أخي العزيز على الملحوظة. ليس المقصود أنّ كلّ الإندماجات تنجح و تحقّق أهدافها و تفيد جميع الأطراف و إنّما المقصود هو التأكيد على فوائد الإندماجات (النّاجحة بطبيعة الحال) على أطراف الإندماج