في وقت سابق من فبراير/شباط الماضي أعلنت "ستاندرد أند بورز جلوبال بلاتس" المسؤولة عن مؤشر مزيج "برنت" تعديل تركيبته للمرة الأولى خلال عقد من الزمن.....لكن ما السبب؟
تراجع الإنتاج في الحقل النفطي الشهير "برنت" في بحر الشمال أثار مخاوف تتعلق بنقص الإمدادات العينية من الخام المسؤول عن تسعير حوالي ثلثي الإنتاج العالمي، وهو ما يهدد سوق النفط الضخم بتلاعب يؤثر على تحرك أسعار هذه السلعة الاستراتيجية نتيجة تحكم "قلة" من التجار في كمياته الضعيفة ومن ثم فوضى لا نهاية لها.
هذا التعديل الذي ستجريه "بلاتس" وسيدخل حيز التنفيذ العام القادم وتحديدا في يناير/كانون الثاني سيضيف الخام النرويجي "ترول" إلى الأربعة البريطانية الموجودة بالفعل والمعروفة اختصارا "BFOE" وهي : برنت، أوزبرج، فورتيس، وايكوفيسك.
خام "ترول" سيضيف حوالي 200 ألف برميل يوميا للسلة الشهيرة يعني حوالي 20% من امدادات الخام الخاص بمزيج "برنت"، وبالطبع سيؤدي لتراجع المخاوف المتعلقة بالتلاعب في أسعاره بعد تراجع انتاج حقل "برنت".
والسؤال الذي يفرض نفسه ..هل سيحال "برنت" على المعاش؟ هل سيتقاعد فعلا؟
نعم سيحال كحقل إلى التقاعد بعد أربعة عقود تقريبا من الإمدادات، لكن كمزيج للتسعير في الأسواق، فإن التعديل الذي أدخلته "بلاتس" سيضمن استمراره في أداء دوره كمعيار مرجعي هام لسوق النفط.
والحديث عن "تقاعد" أو إحالة حقل "برنت" للمعاش لم يأت فجأة، حيث مهدت له "شل" التي تملكه منذ سنوات، وذلك بالتزامن مع تراجع إنتاجه، في الوقت الذي تحركت فيه الشركة لبيع أصول بقيمة 3.8 مليار دولار تقريبا في بحر الشمال لشركة بريطانية صغيرة كما نوهت في نهاية يناير/كانون الثاني للسيطرة على جبل ديونها الذي يناهز 80 مليار دولار.
هذا البيع للأصول يمثل أكثر من نصف القاعدة للإنتاجية لـ"شل" في بحر الشمال في ظل تحدي إرتفاع التكاليف، فيما يبقى لافتا للنظر إنتقال الملكية لشركة صغيرة هي "كرياسور" تسعى لإمتلاك المزيد من الأصول النفطية، وكأن واقع الحال يقر أن الشركات الضخمة أُنهكت بما فيه الكافية وحان وقت "الأشبال".
الإشكالية حاليا في كميات كبيرة من الفولاذ في هيئة أربع منصات يقدر وزنها بحوالي مئة طن في حاجة للتفكيك، وبالطبع فإن جماعات حماية البيئة تترصد تحركات شركات النفط في المنطقة وتواجهها.
فيما تبقى بعض الحقائق الهامة عن حقل "برنت" الشهير الواجب معرفتها كما ذكرتها "شل" حتى تكتمل دائرة الفائدة:
-تم اكتشاف الحقل عم 1971 وقدر عمره الإقتراضي بربع قرن على الأكثر، لكن الاستثمارات والتطويرالمستمرين ساهما في تجاوز تلك المدة.
-بدء الإنتاج في الحقل في النصف الثاني من السبعينات "1976" فيما أتت تسميته تبعا لما اعتادت "شل" بإطلاق أسماء الطيور على حقولها وخصته بإسم "برنت" وهو "إوز".
-في بداية الثمانينات بلغ إنتاجه أكثر من 400 ألف برميل من النفط المكافيء يوميا، قبل أن يبلغ ذروته عند 504 آلاف برميل يوما عام 1982.
-في بداية تسعينات القرن الماضي أمد الحقل المملكة المتحدة بحوالي 13% من احتياجاتها النفطية، و10% من امدادات الغاز.
-بحلول منتصف التسعينات تحركت "شل" بمشروع طموح لتحويل حقل "برنت" من التركيز على إنتاج النفط إلى الغاز بتكلفة 1.2 مليار جنيه استرليني.
-مع عام 2001، أثمرت جهود "شل" بإنتاج قياسي للحقل من الغاز بلغ 25.5 مليون متر مكعب يوميا، ليصل الإنتاج الكلي من النفط والغاز إلى 700 ألف برميل مكافيء يوميا (وربما كانت هذه بداية النهاية مع رفع كبير للإنتاج أدى لإستنزاف الحقل فيما كان ممكنا إطالة عمره الإفتراضي أكثر إذا لم يرفع الإنتاج بهذا التسارع).
-ساهم بجانب إمدادات النفط والغاز في مد ميزانية المملكة المتحدة بأكثر من 20 مليار جنيه استرليني على مدار سنوات تشغيله بما يعادل حوالي ثلثي ايراداته منذ بدء الإنتاج علم 1976.
-وكان لنجاح التخطيط والإلتزام الكبير بتطوير عمليات الحقل صداه الكبير بين عمليات النفط البريطانية في بحر الشمال، ليحمل اسم مزيج التسعير الشهير.
وتبقى الإشارة في النهاية-وهذا هو الدرس الحقيقي- إلى أهمية فهم معنى النضوب المتعلق بالموارد الطبيعية، فالنفط أو الغاز لم يختفيا تماما من الحقل الشهير، لكن تراجع كميات إنتاجه أجبرت الشركة الأنجلوهولندية على إعادة النظر اقتصاديا في جدوى العمليات الخاصة به.
هذا الوضع بمثابة "بروفة" لما ستتعرض له كل حقول النفط في العالم على اختلاف أعمارها الإنتاجية، فلن تشرق شمس الغد دون نفط ، لكن الإشكالية في إرتفاع تكلفة الإنتاج مع استنزاف سريع للإحتياطي ويعد هذا المحفز الأكبر لشركات الطاقة للبحث عن بدائل "متجددة" تساهم في تلبية جزء من الطلب قبل أن يتوسع نضوب آبار النفط التقليدي مع تسارع استهلاكها المفرط لتلبية الطلب العالمي المتزايد.
خاص_الفابيتا