تعتبر الشركات المساهمة العامة من أبرز وأهم أنواع شركات الأموال وأكثرها نشاطاً في الحياة الاقتصادية، وتلعب دوراً مهماً في تعزيز أداء الاقتصاد الوطني وحل مشكلة البطالة وتوظيف أموال مختلف شرائح المستثمرين، وبالتالي تعتبر في نظر الاقتصاديين والقانونين من أعظم الإنجازات التي ابتدعها الفكر القانوني والدول المتقدمة.
ومنذ فترة طويلة، حرصت دول كثيرة على حفظ حقوق كل شرائح المستثمرين أو المساهمين في هذه الشركات أو ما يطلق عليها الحقوق الأساسية، أي التي لا يجوز المساس بها. وتنقسم الحقوق إلى حقوق مالية أي الحق في الأرباح، وحقوق إدارية ومنها حضور اجتماعات الجمعيات العمومية السنوية، والحق في التصويت، وحق الرقابة على إدارة الشركة.
وحرصت الدول المتقدمة، من أجل استقطاب صغار المستثمرين، على حفظ حقوقهم وهم ما يطلق عليهم أقلية المساهمين، وهم حملة الأسهم الذين لا يملكون قوة تصويت مؤثرة، أي الذين يملكون نسبة تقل عن 50 في المئة من رأس المال، وبالتالي لا يملكون النسبة اللازمة للمساهمة في اتخاذ القرارات الاستراتيجية أو الاعتراض عليها.
وكثيراً ما تعاني الأقلية من المساهمين في العديد من دول المنطقة من تعسف الغالبية المسيطرة على حصة كبيرة من رأس المال، إضافة إلى أعضاء مجالس الإدارة في هذه الشركات، خصوصاً عند انعقاد الجمعيات العمومية التي يُتخذ خلال انعقادها العديد من القرارات المهمة والاستراتيجية. وتساهم حماية حقوق الأقلية في تشجيع تدفقات رؤوس الأموال واستقطاب الأموال المحلية والأجنبية لتوظيفها في الإصدارات الأولية للأسهم أو السندات أو الصكوك.
ووضعت الدول المتقدمة الحلول والآليات منذ فترة طويلة لتسوية النزاعات بين أقلية المساهمين من جهة وأعضاء مجالس الإدارة وغالبية المساهمين من جهة أخرى، عندما تكون هناك أسباب منطقية ومعقولة تؤكد أن حقوقهم انتهكت من الإدارة أو مجلس الإدارة.
وإحدى أقوى الوسائل القانونية المتاحة للأقلية هي إقامة دعوى ضد الإدارة أو أعضاء مجلس الإدارة والمتعارف عليها باسم دعوى التعسف بسبب أخطاء مرتكبة أو ناجمة عن إهمال أو غش أو تعسف في ممارسة الأعمال.
والجهات التي تلعب دور مهماً في إدارة الشركات المساهمة العامة هي مجالس الإدارة المنتخبة من الجمعية العمومية، والمساهمون. وعادة ما يتمتع مجلس الإدارة بصلاحيات وامتيازات كبيرة. والمستثمر أو المساهم في أي شركة يطمح عادةً إلى تحقيق عائد مجزٍ من استثماره يتناسب مع الأخطار المختلفة التي يتحملها من هذا الاستثمار.
وبسبب هذه الأخطار المحيطة بالاستثمار، يفترض وجود إدارة نزيهة وقوية ومتخصصة تحقق أهداف المساهمين وتعزز قيمة حقوقهم وتوفر للأقلية الحماية من إساءة استخدام السلطة أو إساءة توزيع الأموال أو صرفها في صورة غير قانونية من مديري الشركات أو أعضاء مجالس الإدارة، مثل المكافآت السنوية المبالغ بها والتي لا تتناسب مع الأرباح المحققة والعلاوات العالية والامتيازات المختلفة. وهذا حدث مع الكثير من الشركات المساهمة العامة في المنطقة وأدى إلى تعثر العديد منها.
والدول المتقدمة ومنذ فترة زمنية طويلة تجاوزت 20 سنة، نشرت مصطلح حوكمة الشركات نتيجة الانهيارات المالية لبعض الشركات العالمية الكبيرة وإفلاس هذه الشركات وضياع أموال المساهمين وفقدان العاملين وظائفهم. وساهم في هذه الإفلاسات الاستخدام السيئ للسلطات الإدارية التنفيذية من مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية وظهور الفساد والتزوير بهدف تحقيق مصالح ذاتية، إضافة إلى عدم كفاءة مجالس الإدارة نتيجة غياب الاستراتيجيات الإدارية وضعف الرقابة وانعدام الشفافية والإفصاح.
وقوانين الحوكمة وقوانين حماية أقلية المساهمين تفرض عدم استغلال الإدارة أموال المساهمين والتأكد من سعيها إلى تعزيز ربحية أسهم الشركة وقيمتها على المدى الطويل ووضع الآليات التي تمكن حملة الأسهم من فرض رقابة على الإدارة في شكل فاعل، علماً أن من أهم مبادئ حوكمة الشركات حماية حقوق المساهمين سواء كبارهم أو صغارهم إضافة إلى تقديم معاملة عادلة لكل شرائح المساهمين وحماية دور أصحاب المصالح والإفصاح والشفافية الكاملة وتحقيق مسؤوليات مجالس الإدارة.
نقلا عن الحياة