تحديات خفض البطالة في السعودية

09/01/2017 4
د. عبدالله بن ربيعان

في الدول المتقدمة، يسلك تدخل الحكومة في الاقتصاد الاتجاه المعاكس لحالة السوق أو الدورة الاقتصادية. فإذا دخل الاقتصاد موجة انتعاش وبدأت أرقام التضخم ترتفع، تدخلت الحكومة من طريق السياستين المالية والنقدية لتهدئة الوضع، أما إذا بدأ الركود يضرب السوق وارتفعت البطالة، فتتدخل السياسات التوسعية لتجنّب أزمتي الركود والبطالة.

في السعودية ودول الخليج، لا تجري الأمور على هذا المنحى، فالوضع الاقتصادي معتمد على مورد واحد ويسير في اتجاه واحد. فإن انتعش سعر النفط زاد الإنفاق الحكومي وتحرك القطاع الخاص وفاضت السيولة وارتفع التضخم، وإذا تراجع انكمش الإنفاق والأسعار وزادت البطالة وساءت حال القطاع الخاص لأنه هش ومعتمد على إنفاق الحكومة ودعمها ومشترياتها.

تؤكد نظرة الى الوضع الاقتصادي في المملكة حالياً، دخول الاقتصاد مرحلة ركود كبير. فالنمو العام بنهاية عام 2016 حقق 1.6 في المئة في مقابل متوسط نمو عالمي مقداره 3.1 في المئة، كما جاء نمو القطاع الخاص ضئيلاً ونسبته 0.11 في المئة، وفقاً لبيان الموازنة الصادر عن وزارة المال.

وفي ظل ما ذكر عن ضعف النمو الاقتصادي، يكون التحدي الكبير في السعودية اليوم، والذي يضع وزارة العمل في وضع لا تحسد عليه، هو طريقة الحد من البطالة في البلد. فرقم البطالة اليوم يسجل 12.1 في المئة وفقاً لآخر بيان لهيئة الإحصاءات العامة للربع الثالث من 2016، وهو رقم يفوق معدل البطالة الطبيعي (بين 1 و3 في المئة) بأضعاف.

تضاف إلى ارتفاع معدل البطالة صعوبات أخرى تفاقمها، مثل تزايد أعداد الخريجين من الفئة العمرية الباحثة عن عمل، وتركز البطالة في العنصر النسائي وتوقف الحكومة عن التوظيف نتيجة التضخم في جهازها، وكذلك توقف نمو القطاع الخاص نتيجة ضعف نموه المشار إليه، ما يعني صعوبة خلق فرص عمل في السوق.

بالطبع، لا تملك وزارة العمل رفاهية الوقت لانتظار الحلول الطويلة الأجل مثل تحسّن التعليم وتوجيه الشباب للتخصصات التي تطلبها السوق، ولا انتظار نمو قد يطول أجله في القطاع الخاص ليخلق فرص عمل. فللأسف، كل تأخير ولو ليوم واحد من جانبها يفاقم المشكلة ويصعب حلولها ويرفع كلفة الحلول.

وحتى مع بدء عمل هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في السعودية، فهي لن تستوعب أكثر من 1 أو 2 في المئة من العاطلين من العمل اليوم، ولن تخلق هذه المنشآت وظائف قبل أن تبدأ نشاطها وتقف على قدميها، ما يتطلب 3 إلى 5 سنوات بافتراض نجاحها، على رغم أن الأوضاع في السوق اليوم ورفع كلفة الطاقة واليد العاملة وزيادة الرسوم على الأعمال، تنبئ بأن قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة تنتظره سنتان عاصفتان حتى يتأقلم مع التكاليف الجديدة.

بالنسبة الى البطالة ووزارة العمل، واضح أن برنامج الوزارة المسمى «نطاقات» لم ينجح في شــيء، وطغت على التوظيف فيه السعودة الوهمية والموقتة لأنها كانت الوسيلة للحصول على مزيد من التأشيرات لاستقدام العمال الأجانب. لكن ما يحصل اليوم مع ركود السوق سيؤدي الى العكس، فمزيد من ترحيل الأجانب سيصحبه مزيد من فصل السعوديين للأسف. لذا فإن على وزارة العمل في رأيي القيام بما يأتي:

أولاً، وقف العمل موقتاً بالمادة 77 من نظام العمل، التي تتيح للقطاع الخاص فصل السعوديين بتكاليف زهيدة وخطوات ميسرة.

ثانياً، رفع نسبة السعودة في «نطاقات» بما لا يقل عن 15 - 20 في المئة لكل أنواع العمل باستثناء قطاع المقاولات، فيكفي فيه 10 في المئة.

ثالثاً، قصر عدد من النشاطات الاقتصادية في السوق على السعوديين فقط، ومنع ما عداهم منعاً باتاً على غرار سعودة قطاع الاتصالات، بحيث يتم توطين 20 قطاعاً على الأقل خلال 4 سنوات (5 نشاطات سنوياً).

رابعاً، زيادة الحصة التي يدفعها صندوق الموارد البشرية من رواتب السعوديين في القطاع الخاص خلال العامين الأولين إلى 60 - 70 في المئة بدلاً من نصف الراتب للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لمساعدتها في توظيف المواطنين وعدم تقليص التوظيف بسبب الركود.

خامساً، مطالبة الحكومة بتسريع عمل هيئة خلق الوظائف لتتولى التنسيق مع الجهات العامة والخاصة لتأمين فرص عمل، فالهيئة أنشئت منذ نحو سنتين ولم تعمل حتى اليوم على رغم الحاجة الماسة الى جهودها.

سادساً، السعي مع الجهات العليا في الحكومة الى تسريع إنهاء مشاريع البنية التحتية والخدمات مثل القطارات والمطارات، ومركز الملك عبدالله المالي وغيرها من المشاريع التي تخلق فرص عمل.

سابعاً، التفاهم مع الجهات المسؤولة في الحكومة للسماح لموظفيها بافتتاح مشاريعهم الخاصة بما يزيد خلق فرص العمل في السوق، واتخاذ الضوابط اللازمة لمنع التسيب الذي قد تحدثه هذه الخطوة في القطاع العام.

ثامناً، السعي مع الجهات الأخرى الى تشجيع مشاركة العائلة في العمل أو المشروع الواحد، ووضع حوافز جيدة لتنمية المشروع العائلي ودعمه.

تجاوزالاقتصاد السعودي بنجاح جيد صعوبات مالية كبيرة في 2016 لم يشهد مثلها منذ حلول الألفية الجديدة، وتبقى أمامه تحديات اقتصادية صعبة للعام الجديد، وعلى رأسها خفض البطالة وزيادة فرص العمل. وعلى الوزير وفريقه العمل بجد واتخاذ المبادرات السريعة والتنسيق مع الأجهزة الأخرى لتتكامل الجهود، وتجنب الحلول الآنية فهي لم تنفع في الماضي ولن تحل مشكلة في الحاضر.

نقلا عن الحياة