بعيداً عن العدد الكبير لشركات المقاولات التي أنشأت خلال الطفرة النفطية استغلالاً لكعكة المشاريع ومارست عملها كتجارة ببيع العقود من الباطن وتأشيراتها للعمالة أجنبية، أو الشركات الكبرى التي هرمت باعتمادها سنوات طويلة على فكر الاحتكار للمشاريع الضخمة، فإن هناك شركات أُسست ككيانات مُنظمة بقطاع المقاولات وبطابع الديمومة باعتمادها في إداراتها العليا على الكفاءات الوطنية وباستثمار الخبرات المتنوعة والموارد لتطويرها وتحويلها من فكر المقاولات التجاري الى صناعة كبرى تم الاعتماد عليها في تنفيذ المشاريع محليا ومكنها تنظيمها من التوسع خارجيا، ومع محدودية مثل تلك الكيانات بقطاع المقاولات فإن وضعها يحتاج للمحافظة عليها للاستمرار كاستثمارات وطنية لتجنيبها تبعات انخفاض أسعار النفط!
واذا كان البعض يعتقد بأن مشكلة قطاع المقاولات قد انتهت بعد صرف الدولة لمستحقات منشآته والتوجه الذي اُعلن باستمرار الصرف المنتظم للمستحقات خلال العام المالي الجديد، فعلى الرغم من أهمية التدفق المالي لمؤسسات وشركات المقاولات لصرف الرواتب وسداد مستحقات الموردين ومقاولي الباطن، فإن الهم الأكبر لمثل تلك الكيانات الوطنية بالقطاع هو مستقبل المشاريع الجديدة بعد التخفيض والإلغاء منذ العام الماضي والتركيز على إنهاء المتبقي من العقود السابقة، لكونها شركات أسست كصناعة مستمرة وأنفقت استثمارات عالية في استقطاب وتوطين الكفاءات وشراء المعدات الضخمة، ومع العمل على سرعة إنهاء المشاريع الحالية أصبحت تعاني من الضبابية في مستقبل أعمالها والخوف من انهيارها مثل ماحدث لشركات أخرى شهيرة بسبب الالتزامات المالية الشهرية الكبرى لرواتب العمالة وأقساط المعدات، فليس من السهل اللجوء لحلول التوقف لحين استئناف المشاريع والعمل على ترحيل العمالة وتخزين المعدات لكونها ستنهي سريعا تلك الشركات التي كان لها دور كبير في التنمية وتمثل أداة فاعلة لجهاتنا في الحالات التي تحتاج الى السرعة بالإنجاز.
ولكون الكثير من مجالات التنمية بمدننا ومحافظاتنا مازالت بحاجة الى تنفيذ مشاريع رئيسة يحتاجها سكانها وخصوصا مع الالتزامات المستقبلية عليهم والتي من المنظور أن تسند بعضها للقطاع الخاص وفق الخطط القادمة، ولوجود إمكانيات بقطاع المقاولات معطلة قد تنتهي قبل بدء برامج التخصيص واستئناف تنفيذ مشاريعه، فانه قد يكون من المناسب للتوفيق بين حاجة الشركات الكبرى بقطاع المقاولات للاستمرار وتوفير متطلبات هامة للمجتمع أن يتم حصر الأولويات من المشاريع الجديدة التي تتعلق باحتياج مدننا وتساهم في رفع مستوى الخدمة وتخفيض تكلفة المعيشة لأفراد المجتمع على وجه الخصوص والعمل على اعتماد برنامج سنوي خارج الميزانية يشتمل على طرح صكوك لتمويل مشاريع محددة بتكاليف معقولة تتحملها الشركات التي ستأسس وفق النشاط أو تدخل ضمن الأصول عند التخصيص حسب برنامج التحول، بهدف ضمان استمرار التنمية وعدم تأثر الاحتياجات، والمحافظة على الاستثمارات الوطنية الحقيقية التي برزت خلال الطفرة الأخيرة ودورها في التوظيف وتوفير السيولة المحلية!.
نقلا عن الرياض