تناولت هذا الموضوع هنا قبل نحو السنة. ولا أتحدث عن ضريبة القيمة المضافة، فذاك أمرٌ آخر. ولا عن الاثقال على دخل الأسر السعودية ولا حتى المقيمة. بل أتحدث عن أمرٍ آخر، رغبة في تجاوز الدهاليز والوصول إلى «الزبدة». تقدر قيمة ما أنتجه القطاع الخاص من سلع وخدمات بتريليون ريال في العام 2016. وقد حصلت الخزانة العامة إيرادات غير نفطية للعام نفسه (2016) 199 مليار ريال، يمكن احتساب نحو 46.9 مليار مصدرهُ القطاع الخاص، أي ما نسبته 4.7 بالمائة من قيمة ما ينتجه القطاع من سلع وخدمات. تجدر الإشارة إلى أن الشركات المدرجة في السوق المالية أعلنت أرباحاً في 2015 قدرها 99 مليار ريال، وفي ثلاثة أرباع من العام 2016 أعلنت عن تحقيق نحو 77 مليار ريال.
من هنا أبدأ بسؤال: كيف ننوع مصادر خزانتنا العامة بصورة مستقرة ومستدامة؟ بأن نحول خزانتنا العامة لتعتمد على مصادر إنتاجية وليس فقط ريعية، فالتحول من الريع للإنتاج يعني أن تساهم القطاعات الإنتاجية (غير النفطية) في إمداد الخزانة العامة بالمال. وتجدر الإشارة إلى أن كل دول مجموعة العشرين، فيما عدا المملكة، تعتمد على إيرادات غير ريعية، فيمد القطاع الخاص خزانات تلك الدول بنصيب الأسد من إيراداتها.
ندرك أنه منذ بداية الخمسينيات الميلادية، أصبحت عوائد مبيعات النفط هي المصدر الأول والرئيس لتمويل الخزانة العامة، واستمرت تلك المكانة المميزة للنفط دون منازع أو منافس لأكثر من ستة عقود، شهدنا خلالها تأرجحات خطيرة في تجارته، وتحدبات وتقعرات في قيمته كانت تبسط اقتصادنا حيناً وتجعله ينقبض أحياناً انقباضات مؤذية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في آنٍ.
وشهدنا خلال تلك الفترة نمواً متزايداً لنصيب القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي، ليس بالقدر المستهدف كماً ونوعاً وتوزيعاً، لكنه غدا يمثل كتلة حرجة من الناتج المحلي الإجمالي، إذ يمثل حالياً نحو 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة، وفقاً للتقديرات الرسمية، كما أنه حقق خلال العام الفائت (2016) نمواً قُدر بنحو 0.11 بالمائة مقابل 5.83 بالمائة في العام 2015.
لقد أصبح لقطاعنا الخاص مكانة اقتصادية عالية في محيطه الخليج والعربي وحتى عالمياً، فهو الأول في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط في أكثر من نشاط. ويقدر عدد الشركات القائمة في المملكة بنحو مائة ألف شركة، تمثل مرتكز القطاع الخاص. وعند النظر للشركات المساهمة المدرجة في السوق المالية السعودية نجد أنها تحقق أرباحاً في حدود مائة مليار ريال سنوياً، كما سبقت الإشارة؛ نصفها من نصيب القطاع الخدمات المالية ولا سيما البنوك التجارية.
والتحول من الريع للإنتاج، يعني أن تعتمد الخزانة العامة، بوتيرة تتصاعد تدريجياً، على إيرادات تنامي الأنشطة الإنتاجية. حالياً، هذا الأمر غير متحقق، فما هي مساهمة الشركات السعودية في تعزيز إيرادات الخزانة العامة للدولة؟ حصيلة الزكاة الشرعية (والتي لها أبواب محددة لصرفها، وتذهب إجمالاً لدعم الضمان الاجتماعي) لم تتجاوز 14.0 مليار ريال في العام 2016 لاقتصاد تتجاوز قيمة ناتجه المحلي الإجمالي 2.581 تريليون ريال!
أما حصيلة ضريبة الدخل (التي تفرض على الأنشطة الاقتصادية لغير الأشخاص السعوديين الطبيعيين والاعتباريين المقيمين وغير المقيمين) فلم تتجاوز 14.5 مليار ريال، فإن جمعت البندين حصلت على 28.5 مليار ريال حصيلة الزكاة وضريبة الدخل، لاقتصاد تريليونيّ! وهذا يُعدّ أقل من فُتات الفتات! ولعل من المناسب بيان أن الإيرادات غير النفطية التي حققتها الخزانة العامة لم تتجاوز 163.5 مليار ريال في العام 2015، زادت إلى 199 مليار في العام 2016، وفقاً للمصادر الرسمية.
ولا بد من الالتفات إلى أن ثمة أنشطة يمارسها القطاع الخاص مازالت تتمتع – بصورة أو بأخرى- بمزايا غير تنافسية، فمثلاً البنوك التجارية السعودية عددها محدود ومستقرّ، وليس ثمة ما يهدد «تقاسمها» للسوق المحلية، والتي يمكن اعتبارها – لكل الأسباب العملية- مغلقة على البنوك التجارية القائمة، لدرجة أنه لو أتى – وقد أتى- أعتى بنوك العالم وأكبرها من حيث الأصول والتنوع في المنتجات والأسواق، فلن يُرَخص له بأكثر من فرع واحد يتيم! لأسباب مبهمة، تستعصي على التحليل التنافسي والمنطق الاقتصادي؛ خذوا بنك «دوتشيه بنك» كمثل، أو «بنك أوف أمريكا»، أو حتى بنك خليجي ضخم مثل «بنك الكويت الوطني».
ولهذا، أزعم أن ما تتمتع به البنوك – عملياً- هو حماية من المنافسة، فقد حققت في العام 2015 نحو 44 مليارا، كم ستورد للخزانة العامة للدولة في صورة زكاة (للحصة السعودية) وضريبة دخل (للحصة الأجنبية)؟ ملايين قليلة! تصور لو كان على البنوك والشركات التي تتمتع بامتياز (أي لأغراض هذا المقال تعمل في قطاع يخضع للحماية والتحصين بما يمنع دخول منافسين جدد إلا بعد الحصول على ترخيص من الصعب جداً الحصول عليه!) دفع ضريبة دخل على صافي الأرباح مقدارها 20 بالمائة، ما الأثر الاقتصادي؟ وما الأثر المالي؟ أما الأثر للخزانة العامة للدولة فهو نمو إيراداتها غير النفطية بنحو عشرة بالمائة مباشرة.
أما الخيار العملي الآخر فهو فتح السوق للبنوك الأجنبية المعتبرة لتعمل في المملكة، وسيكون بوسعها تقديم منظومة متكاملة من الخدمات، وفوقها ضريبة دخل قدرها 20 بالمائة وفقاً لنظام ضريبة الدخل المعمول به حالياً. والأمر لا يقتصر على البنوك التجارية، وقد استخدمت هنا على سبيل المثال لا الحصر. مثال آخر، التعدين الذي يقدم للخزانة العامة زهاء 600 مليون ريال في حين أن قيمة منتجاته تتجاوز 60 مليار ريال سنوياً!
لن يروق هذا الحديث للعديدين. وبغض النظر، فشركات ومنشآت القطاع الخاص، ولاسيما الكبيرة، عليها أن تساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية مساهمة فعالة ومؤثرة، ليس فقط من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية، بل بدعم الخزانة العامة بدفع ضرائب على صافي الأرباح، فالكيانات الاقتصادية الكبرى الساعية للربح تتمتع بمزايا ليست متاحة لسواها، ونظير ذلك عليها المساهمة في تنمية المجتمع بصورة مباشرة وغير مباشرة، وعبر قنوات تمويل الخزانة العامة وتمويل أنشطة المجتمع كذلك.
نقلا عن اليوم
لايعجبني نظام جباية الاموال حتي من الشركات الاجنبيه فالدوله في العصر الحديث تعتبر اكبر مستثمر . اين دور صندوق الاستثمارات العامه الذي يضع حصه كبيره جدا في سوق الاسهم في الوقت الذي من الممكن ان يستثمر امواله في اداوات مربحه اكثر بكثير ومفيده للدوله . اليس من الاجدى تفعيل دور الصندوق لتكون انتاجيته اكبر دون المساس بحصه من ارامكو .
بالرسوم ولا غيرها وماقيل عن تحسن الكفائة لم نراه فهو محض هراء