التوازن المالي والنمو الاقتصادي

25/12/2016 0
محمد العنقري

أعلن يوم الخميس الماضي بالتزامن مع اعلان الميزانية العامة أهم برامج بتاريخ الاقتصاد الوطني المتمثل ببرنامج التوازن المالي، وأيضا الإعلان عن حساب المواطن وتمثل هذه البرامج مرحلة جديدة بكل المقاييس نحو تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030م.

حيث يهدف برنامج التوازن المالي الى تحقيق ميزانية متوازنة بحلول عام 2020 م من خلال تعزيز استدامة الايرادات الحكومية، عبر تنمية الايرادات غير النفطية وتحسين وترشيد الانفاق الراسمالي والتشغيلي مع تركيز الانفاق على المشاريع أكثر استراتيجية، وإلغاء الاعانات غير الموجهة، واستدامة النمو الاقتصادي في القطاع الخاص.

بالاضافة إلى العديد من الاجراءات التي بدأ العمل ببعضها وستستكمل خلال مراحل تنفيذ برنامج التحول الوطني وهو ما تضمنته الميزانية العامة الحالية حيث اعتمدت مبالغ لتغطية تكاليف برنامج التحول قدرت عند 42 مليار ريال.

ويعد برنامج التوازن المالي اول خطوة واضحة لتفادي تقلبات الايرادات العامة منذ عقود نتيجة الاعتماد بنسبة تقارب 90 % بالمتوسط على ايرادات تصدير النفط مما اثر كثيراً بتذبذبات حادة طيلة العقود الماضية بمستوى النمو الاقتصادي الذي مال لتحقيق ارقام متدنيةًفي فترات عديدة تزامنت مع تراجع اسعار النفط ولتفادي ذلك اتى البرنامج ليساهم برفع كفاءة الاقتصاد من حيث توازن معدلات النمو وتقليص العجز بالسنوات القادمة التي لا يمكن توقع عودة اسعار النفط خلالها لمستويات مرتفعة تقارب 80 دولار كمتوسط وهي التي تعد مريحة بحيث يمكن تحقيق فائض فيما « لو استمر الاعتماد على ايراد النفط «كمصدر اساسي شبه كامل للخزينة العامة فكان لابد من اتخاذ القرار برفع الايرادات غير النفطية والتي تضاعفت خلال اخر خمس سنوات بنسبة 100 %‏ لتصل الى 199 مليار ريال بنهاية العام المالي المنتهي ، وحيث تهدف خطة التوازن المالي لتحقيق فائض بالميزانية بعيدا عن اي توقع بتحسن كبير باسعار النفط اي ان البرنامج يفترض استمرار متوسط الاسعار حول الارقام الحالية بينما يعمل على ما يمكن القيام من تحسين بالايرادات وكفاءة الانفاق لان قرار اسعار النفط بيد السوق العالمي بينما تملك الحكومة القدرة على رفع الايرادات وبقية الاجراءات التي لا تخضع لتاثير اسعار وايرادات النفط.

لكن يبقى لوضوح خطط النمو الاقتصادي اهميتها الكبرى مع قوة واهمية برنامج التوازن المالي الذي سيعطي افقاً ايجابياً لتوقعات المالية العامة ويحسن من التصنيف الائتماني للمملكة الذي هو عند مستويات جيدة حالياً لكن سيرفع من التصنيف مما يقلل من تكاليف الاقتراض ويدعم تدفق الاستثمارات للاقتصاد الوطني ويعطي الاستقرار لاسعار الصرف للريال ، فالنمو الاقتصادي يتطلب من الوزارات والجهات المختصة ان تعلن خارطة الطريق لكيفية مساندة القطاع الخاص في ظل رفع الدعم عن الطاقة وبقية الرسوم سواء على العمالة اوخدمات البلديات وغيرها التي ستضيف اريحية ومرونة كبيرة للايرادات وتقلل من اثر تقلب اسعار النفط لكن من المهم ان تعلن الخطط التي سترتكز عليها محركات النمو الاقتصادي ففي العام المنتهي بلغ النمو 1،4 %‏ لكن الملفت كان نمو القطاع الخاص الضئيل جدا عند 0،11وهو من اقل المعدلات منذ سنوات مما يعني بالضرورة الحاجة لاعلان المبادرات والخطط الاقتصادية لاعادة التوازن الاقتصادي ورفع معدلات النمو لاكثر من 2?‏ على الاقل بالعام المالي الجديد مع التركيز ان يكون جل النمو قادم من القطاع الخاص حتى يتم اعادة توظيف من فقد عمله حيث ارتفعت معدلات البطالة وفق اخر احصاء رسمي الى 12،1 %‏ من حوالي 11،5 % مما يشير الى فقدان وظائف اضافة لمن يدخلون سوق العمل ولو تم الاعلان عن عدد من انضم لبرنامج ساند لظهرت ارقام اكثر وضوحا لعدد من فقدوا وظائفهم.

لكن بكل الاحوال فان النمو الاقتصادي بالتاكيد مقرون بالتوازن المالي والاصلاحات التي اعتمدت لها اهمية كبرى برسم توجهات الاقتصاد القادمة الا ان استعادة زخم الاستثمارات من القطاع الخاص من جديد تتطلب من كل وزارة معنية بالشأن الاقتصادي الاعلان عن خططها لدعم النمو الاقتصادي وتفعيل مبادراتها ضمن سياق خطة متكاملة بحسب دور كل جهة ، فالتصدي لتباطئ النمو الاقتصادي الحاد والذي يمكن وصفه بالاستثنائي نتيجة ظروف تخص العام 2016 الاكثر سلبية بالاقتصاد العالمي واسعار النفط ، الا ان تجاوزه والعودة لنمو متوازن يحقق اهداف عديدة في غاية الاهمية للاقتصاد الوطني ، فليس المهم فقط ان نخفض العجز ونقلل من ارتفاع الدين العام ونرفع الايرادات غير النفطية بل من المهم ان يرافق ذلك خطة توازن نمو اقتصادي واضحة وشاملة فلا يمكن ان نحقق بقية الاهداف التنموية دون خطة واضحة المعالم واقتصاد نشط واعادة الزخم له من خلال تنشيط حركة الاستثمار وربطها بالملف ات الرئيسية كقطاع الاسكان الذي بامكانه تنشيط عشرات الانشطة الاقتصادية بالاضافة لتلبية طلب قطاعات الصحة والتعليم من السلع والخدمات وتأسيس شركات شبه حكومية كبرى بالشراكة مع القطاع الخاص للتصنيع المحلي لاهم السلع التي يتم استهلاكها بنسب كبيرة ويمكن تصنيعها محلياً.

النمو الاقتصادي يمثل اهم تحديات المرحلة القادمة بعد ان شهد تراجعاً كبيراً العام المتتهي وبما ان التوازن المالي خطة طموحة حتى العام 2020 م فان من الضروري اطلاق خطة موازية توضح النمو المستهدف حتى نفس العام وكيف سيكون نمطه وبأي النشاطات وكم فرصة عمل يمكن ان يولد ويتضمن طرق دعم والحفاظ على القطاع الخاص كمحرك رئيسي مستهدف بالناتج المحلي.

نقلا عن الجزيرة