من الآن وحتى العشرين من يناير 2017 عندما يتسلم الرئيس المنتخب “ دونالد ترامب “ مقاليد الحكم رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، فإن التوقعات تشير إلى غموض تبعات السياسات الاقتصادية العامة لـ“ ترامب” . وعلى وجه التحديد تجمع التوقعات على ضبابية مآل أسواق النفط في حال تنفيذ ترامب تعهداته الاقتصادية التي يمكن إيجازها بما يلي”
• الانسحاب من اتفاق “الشراكة عبر المحيط الهادئ” الذي وقعته 12 دولة عام 2015 . وقال ترامب “بدلا من ذلك (الاتفاق)، سنفاوض بشأن اتفاقات تجارية ثنائية وعادلة تعيد الوظائف والصناعة إلى الأراضي الأمريكية”.
• من الاقتراحات القليلة التي رحب بها صندوق النقد الدولي ومجلس الاحتياطي الفدرالي وحتى الديمقراطيون، اقتراح ترامب استثمار 550 مليار دولار لتجديد البنى الأساسية الأمريكية ما سيوفر آلاف الوظائف وينعش النمو الاقتصادي.
• تعهد ترامب بسحب الولايات المتحدة من اتفاقات حول المناخ على غرار اتفاقية باريس للمناخ في العام الفائت ولكنه أكد في مقابلة هذا الأسبوع انه سينظر لهذه المسألة “بانفتاح”.
• وتعهد ترامب أيضا بإعادة تنشيط صناعة الفحم الحجري الأمريكية.
• تعهد ترامب بإبطال التعديل الذي أقره الرئيس الأمريكي باراك أوباما لنظام الضمان الصحي والمعروف باسمه “أوباما كير”.
• تعهد ترامب بخفض الضرائب بما يقدر بـ(4.4) تريليون دولار( التريليون يساوي ألف مليار)
• تعهد ترامب بتنفيذ خطة تنمي الاقتصاد الأمريكي بمعدل ( 3.5%) سنويا.
في ضوء مضمون تلك التعهدات فإن السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة ستركز على تنمية الناتج المحلي الإجمالي، وعلى تطبيق سياسة خارجية يصفها المحللون بـ“الانعزالية“ . أما أسواق النفط فإنها ستتأثر حتما بعدد من المتغيرات وهي:
ـ الطلب الأمريكي على النفط المستورد : بلغت كمية مكونات الطاقة التي استوردتها الولايات المتحدة 9.4 مليون برميل يوميا من 80 دولة . بما في ذلك النفط الخام والغاز الطبيعي، والغاز السائل والمشتقات النفطية الأخرى، وذلك حتى نهاية 2015 . وبلغت المستوردات الأمريكية (2.89) مليون برميل يوميا من دول منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) بنسبة ( 31% ) من جملة المستورد. و(1.51) مليون برميل يوميا من دول الخليج العربية ، بنسبة ( 16% ) من جملة المستورد.(المصدر: إدارة معلومات الطاقة الأمريكية) . وبالرغم من ارتفاع الإنتاج بفعل زيادة حفارات النفط الصخري الأمريكي، إلا أن واردات النفط ومشتقاته ارتفعت خلال عام 2016 بفعل انخفاض أسعار النفط من معظم مصادر إنتاجه . بهدف زيادة الخزين الاستراتيجي.
ـ السياسة الاقتصادية الداخلية للولايات المتحدة : في ضوء أربعة تعهدات لترامب باستثمار 550 مليار دولار لتجديد البنى الأساسية الأمريكية . وبتنفيذ خطة تنمي الاقتصاد الأمريكي بمعدل (3.5%) سنويا. وبخفض الضرائب بما يقدر بـ(4.4) تريليون دولار، فإن تنفيذ تلك التعهدات يبدو متناقضا . إذ ثلاثة منها تحتم على ترامب زيادة الإنفاق العام . وذلك يناقض هدف خفض الضرائب. لذا يتوقع أن يتراجع عن تنفيذ خفض الضرائب لصالح زيادة الإنفاق العام الذي سيؤدي حتما إلى انتعاش الاقتصاد الأمريكي فيرتفع الطلب على النفط ومشتقاته .
ـ مساهمة الضرائب المحصلة من شركات النفط الأمريكية: كشفت دراسة عن خسائر شركات النفط في الولايات المتحدة بسبب انخفاض أسعار النفط، بلغت نحو 67 مليار دولار، خلال عام 2015. ووفقا للدراسة التي أجرتها مؤسسة “إدارة معلومات الطاقة”، فإن الخسائر الإجمالية لـ40 شركة أمريكية منتجة للنفط الخام، بلغت حوالي (67) مليار دولار عام 2015، علما أن الخسائر تواصلت أيضا خلال عام 2016. ويتوقع أن يعمل “ لوبي النفطي الأمريكي “ على رفع أسعار النفط لتعويض خسائر الشركات التي تعود ملكية معظم أسهمها إلى قيادات في الحزب الجمهوري الأمريكي، كما إن رفع أسعار النفط وارتفاع أرباح الشركات سيرفد الخزينة الأمريكية بأموال إضافية مصدرها الضرائب المحصلة من شركات النفط. وبما أن الإنفاق العام سيرتفع في ضوء تنفيذ تعهدات ترامب فإن كل تلك المتغيرات ترجح ارتفاع أسعار النفط خلال 2017.
ـ ترامب والاقتصاد العالمي: جاء في تحليل لمجلة “الإيكونوميست” البريطانية نشر في 11 نوفمبر 2016 “ أن لا أحد يستطيع أن يتكهن بالضبط بالطريقة التي سيحكم بها دونالد ترامب، ولا بحدود تنفيذ وعوده الانتخابية فيما يتعلق بالتجارة والهجرة، ولا بهيكل طاقمه الاقتصادي سواء في وزارة الخزانة أو البيت الأبيض. لكن أقرب التكهنات المعقولة هو أن ترامب سيكون نذيرا سيئا للاقتصاد العالمي بمجمله، كما أن أفعاله ستلحق أذى إضافيا، على الأقل في المستقبل القريب، بالاقتصادات خارج الولايات المتحدة.
وقالت “الإيكونوميست” مستقرئة ما يمكن أن تحدثه إدارة ترامب القادمة للاقتصاد العالمي، فأعادت إلى الأذهان أنه عندما تخلت الولايات المتحدة عن دورها في السابق كقلب للنظام الاقتصادي العالمي، سرعان ما ألحق ذلك الأذى فيما وراء حدودها. كما إن حجم المشكلة وطبيعتها يعتمدان على كيفية مزج ترامب لعناصر سياسته الاقتصادية التي حظيت بالشعبية خلال حملة الانتخابات.
وأشارت “ الإيكونوميست “ إلى التناقض بين رغبة ترامب في خفض الضرائب من جهة وزيادة الإنفاق العام على البنى الأساسية من جهة ثانية . ومن وعوده أيضا تطبيق الحمائية التجارية. فقد وعد بفرض ضرائب على الواردات من الصين وبإعادة التفاوض إزاء اتفاق التجارة الحرة لشمال أمريكا مع المكسيك وكندا. وأكدت”الإيكونوميست” أنه “في الخلاصة، فإن تأثير رئاسة ترامب على الاقتصاد خارج الولايات المتحدة سيبقى ضارا”. كما لفتت المجلة إلى خشية العالم كله من أن ينقض ترامب اتفاقات التجارة، وأن يفرض تعرفة جزائية على الواردات.
وقالت إنه حتى في حال عدم بدء ترامب بحرب تجارية، فإن انفلات لسانه -إضافة إلى طريقته التي لا تخلو من مزج الجد بالهزل التي استخدمها خلال حملته الانتخابية- قد يعود بالضرر الكبير عندما يصبح رئيسا. يضاف إلى ذلك التهديدات المبالغ فيها التي أطلقها.
واختتمت إيكونومست تحليلها بأن انتصار ترامب كان كافيا لكي تجفل بعض أسواق المال. لكن ما سيفعله بهذا الانتصار بعد ذلك قد يؤدي إلى الذعر.:”وباختصار، فإن قصة انتخاب ترامب – مثلها مثل تصويت البريطانيين تأييدا لـخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي- تعتبر مصدرا للقلق، فهي أبعد ما تكون عن نظام اقتصادي حر وأقرب إلى نظام أكثر انعزالية وأقل ازدهارا”.
ـ ترامب والصين : نشر الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، مجموعة من التغريدات عبر حسابه على تويتر في 5 ديسمبر 2016 انتقد فيها سياسات الصين النقدية، وتساءل: “هل سألتنا الصين إن كان يجب خفض قيمة عملتها وبناء مجمع عسكري هائل؟ لا أظن!” وتسبب هذا التصرف غير المعتاد في تقدم الصين بـ “احتجاج شديد اللهجة” لدى الولايات المتحدة. وكانت الولايات المتحدة قد انتقدت من قبل تخفيض الصين لقيمة عملتها “اليوان”، وقالت إنه يعطي أفضلية غير عادلة للصادرات الصينية.
لذا فالمتوقع أن يتباطأ تعافي الاقتصاد العالمي إن لم يعتريه الركود في حال نفذ ترامب وعوده، سواء في علاقاته التجارية مع الاتحاد الأوروبي أو مع الصين، وكلاهما من بين كبار مستوردي للنفط . وعند ركود الاقتصاد العالمي فإن الطلب على النفط سيتراجع .
وهنا لا بد من للمنتجين في “ أوبك “ وخارجها من التحوّط بمراجعة سياسات الإنتاج والأسعار بما يحفظ مصالحها.
نقلا عن عُمان