كيف نُقيّم مسيرة مجلس التعاون؟

08/12/2016 0
د. إحسان بوحليقة

كيف يمكن لأي مواطن تقييم مسيرة مجلس التعاون منذ إنشائه؟ وفي محاولة، فقد يستدعي البعض انطباعات أو تجارب، والبعض الآخر قد يشترط دراسة منهجية. ولن أقول إن الانطباعات غير مهمة، وخصوصاً عندما نطلب من مواطن- أي مواطن- أن يُعَبّر عن رأيه- لاحظوا رأيه- في أداء هذه المنظمة المهمة، وعما إذا كانت- وفقاً لانطباعاته- قد حققت الآمال المعقودة عليها.

لعلنا نتفق أن الآمال المعقودة أكبر مما تحقق بالفعل، إذ إن النظام الأساسي كُتب بحبرِ التدرج والتطور، وهذا بديهي، انطلاقاً من أن المؤمل كان منظمة إقليمية حيوية تتقدم كل يوم، وتتقارب دولها على الدوام، ويتواصل انصهار اقتصاداتها لتصبح كماً واحداً. أي نعم بتدرج بتؤدة، لكنها تتحرك دائماً للأمام دونما توقف ولا تقهقر.

وفي ظني، فالأمر في منظمتنا العتيدة ليس كذلك. وليس هذا مقام نَدب، بل مقام يكفي للبوح بأن النظام الأساسي للمجلس لم يكتب لكي يُنفذ بعد قرون بل في المستقبل المنظور، والدليل أن الحماس والدافعية القوية جعلت الدول الست توقع الاتفاقية الاقتصادية الموحدة عملياً بعد أسابيع من الإعلان عن قيام المجلس، وبعد فترة غير طويلة أطلقت دول مجلس التعاون منطقة التجارة الحرة في العام 1983، ثم تباطأت الخطى، إذ كان علينا انتظار عقدين من الزمن (العام 2003) ليولد الاتحاد الجمركي بين دول المجلس، والذي لم تكتمل ولادته تماماً تماماً.

أين هذه الدافعية الآن؟ سؤالي ليس استنكارياً بل استفسارياً، وقد حدثتكم في هذا الشأن مطولاً ولن أزيد، بل أنتقل لسؤالٍ آخر: كيف نقيم مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية؟ لعل المسلك المنهجي يستوجب أن نقارن بين المستهدف تحقيقه وما تحقق فعلاً على الأرض، وتحديداً، النظر لمواد وفقرات النظام الأساسي للمجلس في مسعى للإجابة عن السؤال: بعد مرور نحو أربعة عقود، هل تحقق ما يدعو له النظام الأساسي؛ جزئياً أم كلياً أم لم يتحقق البتة؟ ونأخذ كل اتفاقية عُقدت في إطار المجلس لنحلل محتواها بذات الطريقة السابقة، ونتناول كل إعلان صدر عقب كل قمة للمجلس الأعلى الموقر ونتفطن في ديباجته وقراراته ونحللها كذلك، وننتقل للجان الفنية والوزارية وننظر في قراراتها وما توصلت إليه اجتماعاتها وما انتهت إليه من قرارات، نفعل ذلك للإجابة عن سؤال: هل نُفذ النظام الأساسي؟

إن تقييم مسيرة المجلس أمر مهم لاستخلاص العِبر من تجربة عمرها زاد على سبعة وثلاثين عاماً لكنها لم تكتمل، وليس واضحاً إن كانت ستكتمل قريباً وكيف سيكون ذلك وما أفقه الزمني. أقول هذا ومنا من سيقول إنه ليس بالإمكان أحسن مما كان، لكن النقطة ليست هذه بل: أين اتجاه البوصلة مستقبلاً؟ فإلى أين سيتجه مجلسنا غداً، ونحن ما برحنا نقول إن «خليجنا واحد ومصيرنا واحد».

قد يقول قائل إن ما يحدث في منطقتنا العربية أمر مُربك وقد أدى لتعطيل بعض المشاريع والمبادرات أو إبطائها، باعتبار أن صيانة أمن دولنا والذود عن حياضها هو الأمر الأهم، وقد يردف بأن الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد العالمي ولم ينج منها أحدٌ قد أثرت على العديد من مشاريع التقارب الخليجي ولاسيما العملة الخليجية الموحدة.

وسيكون الرد: ان منطقتنا لم تخل قط من التجاذبات والتحديات، بل ان تلك التجاذبات والتحديات هي التي جعلت دول المجلس تسعى حثيثاً للتقارب، وحالياً علينا أن تجعلنا التحديات والتجاذبات أكثر تقارباً؛ فالتكتل ملاذٌ لدولهِ في حالات اضطراب البيئة المحيطة، باعتبار أن التعاون والتقارب والتكامل بين دوله يصبح أكثر جدوى كلما زادت حدة الاضطرابات والعكس بالعكس، بما يبرر القول إن أهمية التقارب والتكامل في وقتنا الراهن هي أعلى من أي وقت مضى.

لكن أعود لأقول إنه لابد من تقييم المسيرة رغبة في الوصول للأسباب الجذرية لعدم ارتقاء المجلس للتطلعات التي وضعت عند تأسيسه، فهو وحدة لم تتحقق، وتكامل لم يكتمل، وتعاون لم تعكسه خططنا الوطنية المستقلة عن بعضها البعض. لقد استهلكنا وقتاً ذهب جلّه في الانتظار.

وإن صدق الانطباع العام فالعديد من المبادرات الرئيسية للمجلس ما برحت تنتظر، ليصبح لزاماً بذل الجهد لإنهاء حالة الانتظار واستهلاك الوقت في تدوير الزوايا التي يأبى بعضها المداورة والمسايرة. وأخذاً في الاعتبار ما يقال من أن الانطباعات هي الحقيقة، يصبح لزاماً العمل لتقييم المسيرة ليس من أجل التقييم كمطلب بحد ذاته، بل للوصول لرؤية مشتركة لحلحلة الانسدادات، ولعل أحد الخيارات حسم الجدل حول التطلعات غير القابلة للتطبيق، عوضاً عن مقابلتها طويلاً والاستمرار في الحديث عنها لسنوات وسنوات، رغم أنها لا تتحرك نحو التنفيذ تحركاً ملموساً، والأمثلة عديدة ولن أكررها هنا، لكني أنهي بالقول إن الفرصة أمام دول المجلس لتعمل جميعاً كانت ومازالت هائلة ومُجدية استراتيجياً، وان دول المجلس فطنت لذلك بالفعل وأسست من أجله مجلساً، لكن المستهدف لم ينجز حتى الآن، علماً بأن تحقيقه سيجلب انتعاشاً وتنوعاً اقتصادياً وتوازناً اجتماعياً إضافياً قد ينافس ما يحققه الانفاق الحكومي، باعتبار أن المحصلة تتجاوز المجموع الحسابي كماً ونوعاً. والحرص على النجاح أمر مسلم به، أما عملياً فأمام الدول الست حالة من اثنتين: إما أن تتنافس أو أن تتكامل. وعلى الرغم من أنها اختارت أن تتعاون عندما وقعت وثيقة النظام الأساسي للمجلس، لكن وبعد مرور ما يناهز أربعة عقود نجد أن لكل دولة من الدول الست ست رؤى وطنية مستقلة متباعدة عن بعضها البعض لم تضع الشراكة الخليجية كأحد محدداتها أو أهدافها! الأمل معقود أن تضع هيئة الشؤون الاقتصادية والتنمية لدول المجلس سياقاً للنمو والتنمية لدمج تلك الرؤى سوياً، حتى لا نتحدث خليجياً بنسقٍ يختلف عما نفعله في دولنا المنفردة.

نقلا عن اليوم