أيها السعوديون.. أنتم تلعبون بالنار

29/11/2016 18
خالد أبو شادي

تلعب السعودية بالنار حال تهديدها برفع انتاجها إلى مستوى قياسي عند 11 مليون برميل يوميا أو أكثر في رد فعل على اضافة المزيد من الحقول الإيرانية (تحديدا ثلاثة) خلال الأسابيع القليلة الماضية، في ظل صراع بين المملكة وايران وبقية كبار المنتجين.

هكذا يرى "نيك بتلر" الأستاذ الزائر في "كينجز كوليدج لندن" والذي عمل مع "بريتش بتروليم" (بي بي) قرابة ثلاثة عقود الصراع في سوق النفط، حيث تبدو السعودية في النهاية هي المتهم ولا أحد دونها.

(سأركز هنا على الجانب السياسي الذي تلاعب به "بتلر" وجعله محور كلامه رغم أهمية مناقشة رفع الإنتاج السعودي وتداعياته).

هذا الصراع دفع الأسعار للإتجاه هبوطا نحو 45 دولارا في ظل تشكك من قدرة "أوبك" والمنتجين خارجها لخفض الإنتاج وسيهبط أكثر حال الإعلان عن فشله رسميا، وهو الأمر الذي سيتضح خلال ساعات فالإجتماع غدا والسجال الدائر يشير إلى خلافات غير معلنة والسياسة الفاعل الأبرز وليس المفعول به، وتخمين النتائج ممكن بالطبع لكن ليس مضمونا في التعامل مع سلعة استراتيجية كالنفط.

وفي رأيي فإن الإشكالية ليست في التوصل إلى اتفاق، فهذا ممكن ..لكن الأهم المدى الزمني لتفعيله ومدى الالتزام به، وإلا فإن "أوبك" ستؤكد استمرارية ضعفها.

ويبدو هجوم "بتلر" عاديا وقام كثيرون بطرح إدعاءات تجاوزت ذلك بمراحل، لكن الأمر ذهب به في "تدوينته" في "فاينشال تايمز" –ولا تسمى بغير تدوينة- إلى أن السعودية هي السبب والمتسبب في فقدان وظائف "النفط الصخري" في الولايات المتحدة.

ويتساءل الرجل وكأنه يناقض نفسه ..أليست السوق تفرز ما فيها؟ هذا يعني خروج الأضعف.. والمقصود هنا خروج الشركات الضعيفة ماليا من السوق-شركات نفط صخري أمريكية- جراء هبوط الأسعار نظرا لإرتفاع تكاليف تشغيلها، وهذا منطقي تماما، لكنه يجد مبررا آخرا يضعه أمام "ترامب"  وكأنه يحفزه لاستخدامه عن "الضمانات الدفاعية" والدعم السياسي للمملكة من جانب أمريكا ومن ثم التلويح بإستخدامه للضغط.

وكأن السعودية عاجزة في الدفاع عن نفسها، ولا زالت وستظل في حاجة لـ"البلطجة" الأمريكية وتواجدها لدرء أطماع الآخرين..وخمنوا من هم الآخرون؟!

ويرى "بتلر" أن في تحقيقات الكونجرس الخاصة بأحداث أو هجمات 9/11 و(التورط السعودي) كما يدعي ورقة ضغط هامة في يد الأمريكان في رد فعل جاهز لأى تضرر للوظائف، أو هكذا يرى البروفسير "باتلر".

الرجل يقول أيضا أن أمريكا-عن طريق "ترامب"- يمكنها الضغط بسحب دعمها السياسي للتواجد السعودي الخليجي في اليمن، ولا أدري حقيقة من أين استقى هذا الفكر الاستفزازي أو "حلول التيك أواى" لمشاكل اقتصادية في الأساس أفرزها السوق وتحتاج لحلول علمية وليست "استعراضية".

ربما وضح مع قرب اعتلاء "ترامب" سدة الحكم في أمريكا جرأة ظهور أفكار وتوجهات تتناسب بالتوازي مع شخصية الحاكم الجديد لبلاد العم سام، والتي تتسم بالتطرف السياسي والفكري مع العالم، لكن المهم أن تحقق "مصلحة الذات" أولا وأخيرا، ولا اعتبارا هنا لقوى السوق أو خلافه من نظريات، المهم تحقق "براجماتيا" ما تريد وبأى وسيلة حتى وإن كانت صدام المصالح الحتمي مع الأخرين.

إذن أيها السعوديون أنتم متهمون ليس فقط بإغراق سوق النفط بتخمة زائدة بل أيضا بمحو آلاف الوظائف من شركات النفط الصخري الأمريكية نتيجة ذلك، وكأن النفط الصخري لا يزاحم نظيره التقليدي في السوق ولم يسبب شيئا، رغم قناعة بعض المحللين بأنه هو المسؤول بالأساس عن هذه التخمة كما فند د.فيصل مرزا في حواري معه لـ"أرقام"؟؟

وكأن "بتلر" أصدر نسخته الخاصة من "جاستا" ليحاكم به المملكة على طريقته وهواه، لنجده متبجحا عندما يقول أن قصة توفير مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية عشرات آلالاف من الوظائف لأكبر اقتصاد بالعالم وامكانية الضرر الحادثة جراء توقفها خاطئة، فالمملكة في نظره في حاجة لشراء تلك المعدات في كل الأحوال.

وينتهي صراحة إلى الحاجة لخفض انتاج المملكة النفطي 1.5-2 مليون برميل يوميا لمدة سنتين أو ثلاثة، ويرى أن ذلك سيكون "مؤلما" للسعوديين، لكنه يعد ضروريا للحرص على استقرار السوق، لكن الأخطر في كلامه هي الإشارة إلى أفضلية ذلك بدلا من (مواجهة مفتوحة مع البلد التي حمتهم طيلة خمسة عقود)...هل القول بحاجة إلى توضيح وتفنيد؟!

هذه هي لهجة الخطاب مع تولي "ترامب"، والتي قد يرى البعض أنها موجودة حتى من قبله، وربما يكون هذا صحيحا، لكن الإدارة الأمريكية كانت تعمل على "توفيق أوضاعها" إذا جاز التعبير، بدلا من تبني لغة خطاب تصادمي، يُحمّل "الآخر" تبعات ليس مسؤولا عنها بأى حال، ومع تبني "ترامب" مصلحة أمريكا أولا فربما نتابع مزيدا من علو "ضجيج" مثل هذه الأصوات مستقبلا والتي تتخذ الصدام المباشر منهجاً.

المصالح الأمريكية لا زالت لها الأولوية هذا لا شك فيه،  أمريكا أولا وأخيرا مبدأ قائم ولم يتغير، لكن الفكرة المغايرة هنا في طريقة التعاطي مع الأحداث، والأدوات المستخدمة لتحقيق المصالح بالتناطح لا التصالح أو بعض الدبلوماسية..طريقة الفتوة.

وبغض النظر عن الذي يدور في أروقة "أوبك" والأجندات المتعددة لكل طرف ونتائج الإجتماع، علينا أن نتفهم طبيعة المرحلة ومستجداتها وما سردته في الأسطر السابقة مثال لذلك، ومن يتوهم أن السياسة لا تنحني أمام الاقتصاد وتقبل يده يوميا عليه مراجعة أولوياته والاستعداد لما هو قادم بنظرة مغايرة.

خاص_الفابيتا