مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية منذ تأسيسه والناس تتأمل منه خيراً كثيراً، لأنه حمل العديد من البشائر من تعيينات وإقالات، وأيضاً فتح باب المحاسبة على تقصير أي مسؤول في مرافق خدمية، فالناس حينما ترى إهمالاً في أداء إدارة حكومية، وبمجرد أن تسمع عن موعد انعقاد اجتماع لـ«اللجنة»، تتفاءل كثيراً وتربط هذا بذاك، وتبدأ في تداول الإشاعات، إذ إن حدثاً جلياً سيحدث، وأن المسؤول الفلاني يُتوقع أن يترك منصبه. ولا تمض فترة إلا وتسمع أنه بالفعل تمت إقالته أو نقل لإدارة أخرى. هذا الانطباع السائد لدى الناس بصورة إيجابية عن «المجلس»، يحسب لمصلحة «المجلس»، وأنه يتخذ الخطوات والقرارات التي تتوافق مع توقعات الناس.
وقبل أسبوعين، بثت وكالة الأنباء السعودية خبراً عن اجتماع المجلس وما توصل له من قرارات، ومن جملة التصريحات التي صدرت عن المجلس، هو أن المجلس استعرض تقارير الجهات العامة وتقارير مكتب رفع كفاءة النفقات في شأن الإجراءات التي تم اتخاذها لرفع مستوى كفاءة الإنفاق الحكومي، بما في ذلك الأوامر والقرارات الصادرة بإعادة هيكلة بعض القطاعات الحكومية، والإجراءات المتخذة في نهاية العام المالي الماضي ومطلع العام المالي الحالي لمراجعة المبالغ المعتمدة لعدد من المشاريع ومواءمتها مع الأولويات والحاجات التنموية ومعايير الكفاءة في الإنفاق.
وأضاف الخبر أن المراجعات تضمنت مئات العقود بإعادة جدولة تنفيذ بعضها، وتعديل الصيغ التعاقدية والمواصفات الفنية للبعض الآخر وفق الضوابط النظامية وشروط التعاقد التي أسهمت في تحقيق وفورات بعشرات البليونات، إضافة إلى ذلك تم إيقاف التعاقد على تنفيذ عدد كبير من المشاريع التي لا يتناسب حجم الإنفاق عليها مع العائد الاقتصادي والتنموي المرجو منها، ولا تسهم بفعالية في دعم النمو الاقتصادي أو تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، واختتم الخبر قائلاً: «إن قيمة الالتزام بتنفيذ تلك المشاريع التي لم تتعاقد عليها الجهات الحكومية كانت ستصل إلى تريليون ريال».
إذا كان هذا الخبر صحيحاً أن المجلس وفّر تريليون ريال من مشاريع كانت ستنفذ لن تجدي نفعاً للبلاد ولا للمواطنين، وأنها هدر مالي وعبء على خزانة الدولة، فأعتقد أنه من الضروري أن نلوم الجهات الحكومية والوزارات التي قدمت هذه المشاريع لتمريرها، وفي البداية يجب أن يحاسبوا السادة الوزراء أعضاء مجلس التنمية، فهم يمثلون الوزارات التي تقدمت بعقود ومقترحات وهذه المشاريع وهم الذين أقروها وتقدموا بها، أقصد هؤلاء الوزراء هم من اعتمدوها كمشاريع، وهنا في المجلس هم من يوافقون على إلغائها، لأنها هدر مالي ومشاريع لم يتم مراجعتها بشكل جيد.
أستغرب كيف تم اكتشاف الخلل في عقود المشاريع في المجلس الاقتصادي ولم يكتشفه السادة الوزراء في وزاراتهم، وأثناء مناقشتها مع وزارة المالية واعتمادها من الجهات العليا، كيف نصدق مستقبلاً أن هذه المشاريع والعقود التي تم إقرارها أو اعتمادها خالية من أي شكوك أو ظنون، أم أن الغاية فقط عقود ومشاريع ورقية، ليس مهماً أن تنفذ أو يستفد منها الناس.
توفير مبلغ تريليون ريال هو كبير جداً في بلد ليس لها موارد دخل أخرى غير النفط، والآن بعد تراجع مبيعاته وأسعاره انخفض دخل البلد مع عدم وجود دخل إضافي من موارد أخرى سوى شيئاً ضئيلاً جداً. أعتقد من المهم أن نراجع كل العقود بالتفصيل، فالمشاريع التي أنجزت في السابق كلها متهالكة وذات مستوى متدنٍ من الجودة، ورأينا بأنفسنا كيف كشفت لنا أمطار الرياض وجدة والباحة ومدن أخرى انهيار البنى التحتية بسرعة وسهولة، كما أن شوارعنا تصاب بـ«الحفر» بسرعة فائقة، ومشاريع النظافة دون الطموح، وهناك المباني الحكومية المستأجرة، التي أتمنى أن يفتح «المجلس» ملفها ويتأكد أن ملاّكها ليس لهم صلة بالوزارات المستأجِرة، وأن عقودها سليمة من دون شبهة، وكذلك موازنات المراكز الصحية هل تتساوى مع حجم أعمالها، أم أن الميزانية تخرج برقم أكبر وتصرف أقل فتضيع فرصة خدمة أكبر عدد ممكن.
من القرارات المهمة التي خرجت من المجلس مستجدات العمل على إنهاء الإجراءات اللازمة لإتمام دفع المبالغ المستحقة للقطاع الخاص على الخزانة العامة للدولة، التي تأخر استكمال تسويتها في ضوء التراجع الحاد في الإيرادات النفطية للدولة وما صاحب ذلك من إجراءات اتخذتها الدولة لمراجعة الصرف على عدد من المشاريع وإعادة ترتيب أولويات الصرف وفق الأثر والكفاءة، وما تخلل تطبيق هذه الإجراءات من عوائق تنفيذية.
مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية هو مجلس رقابي وتشريعي، ونحن أحوج إلى العديد من القرارات الجريئة والشجاعة بما يتوافق مع المرحلة التي نمر بها من أزمة مالية وحسن تصرف في إدارة المال، وأيضاً رغبتنا في تنفيذ «رؤية 2030» و«التحول الوطني»، وهذا يعني أن السادة الوزراء أعضاء «المجلس» إذا كان هم أنفسهم الذين يضعون المقترحات ويعتمدون المشاريع لوزاراتهم والمؤسسات الحكومية، ومن ثم يحضرون المجلس يلغون تلك المشاريع على أنها ليست ذات فائدة، وأن إنفاقها «عالٍ» لمشاريع لن تؤدي الغرض، فهذا سيخلق حال من «الشك» لدى المتابعين لهؤلاء الوزراء. إذاً، من الأفضل مستقبلاً أن تعرض كل المشاريع على المجلس قبل اعتمادها من الوزارات، ويتم حصرها وبالتالي منح الأولوية للمشاريع التي تستحقها.
كنا نتمنى من مجلس الشؤون الاقتصادية لو أنه أصدر توضيحاً تفصيلياً بالمشاريع التي ألغاها المجلس أو عدل في عقودها، حتى يقف على جهود المجلس، ومن باب الشافية في التعامل مع المعلومة، وبالتالي أنا متأكد أن المجلس سيوفر تريليوناً آخر لو دقق في عقود إيجارات المقرّات الحكومية المستأجرة، وأيضاً عدد فروع الوزارات ومكاتب الوزراء المستقلة عن وزاراتهم، وهذا هدر مالي وبذخ، والوضع الحالي يتطلب تقليص النفقات الوزارية والحكومية.
نقلا عن الحياة
حشو كلام
المشاريع التي تم إلغاء البعض منها هي مشاريع ذات صلة بتصريف مياه الأمطار ودرء أخطار السيول وملاعب رياضية و برامج تخص وزارة التعليم تتعلق بالمناهج الدراسية و نحو ذلك
كلام انشائي، اعطنا تصورا عن كيفية انعكاس ذلك على الاقتصاد في المستقبل
نهج جيد وكلامك عين العقل محاسبة المسئول عن هده العقود