الفرض الأول الذي يقوم عليه هذا المقال هو أننا ما زلنا ندير ميزان المدفوعات على أساس «وفرة الدولارات لدينا». منذ العام 2015، وحسابنا الجاري يعاني عجزاً، والحساب الجاري هو محصلة تعاملات الاقتصاد مع الخارج، أي أننا نُخرج دولارات أكثر مما نَجلب، حتى ونحن نقترض.
أما الفرض الثاني الذي يقوم عليه المقال فهو أن بوسعنا أن نعزز ميزان المدفوعات، وقد نقلب العجز في الحساب الجاري إلى فائض، كما كان الأمر في «السنوات السمان». إذ يمكن الجدل، أننا لا نبذل أي جهد يذكر لإقناع «الدولارات» بالبقاء! فبالأمس حدثتكم عن سياحة ملايين منا «وأنا منهم» لبلدان الجوار الشقيقة، الشبيهة لنا في كل شيء تقريباً ما عدا رتوش فارقة، لننفق هناك مليارات من الدولارات. هذا عدا السياحة الدولية إلى كل بلدان الدنيا.
وهذه ليست محاولة لمنع المواطنين من السياحة، بل للقول إن تحسيناً للمعروض من منتجات الترفيه والسياحة محلياً سيقنع الكثيرين بالإنفاق هنا، وبذلك يقل ما يغادرنا من الدولارات، بل لعلنا نقنع الآخرين من أشقائنا في دول مجلس التعاون وبقية بلدان الدنيا بزيارتنا، وبذلك يجلبون لنا «دولارات»، فيصبح اقتصادنا أقرب إلى التنوع وعدم الاعتماد على النفط الذي ما برح يمثل المورد الأهم لحصيلتنا من الدولارات!
هناك من سيجادل، أننا نستطيع أو لا نستطيع، لكن لا مكان للجدل ما دمنا نريد أن ننوع اقتصادنا، فلا بد أن نسعى لتحقيق ما هو في المتناول. وما هو في المتناول –قبل الحديث عن طموحات عالية- هو الحفاظ على الدولارات التي في دوحة الاقتصاد المحلي لكي تبقى في كنفه، إذ كيف يستقيم القول إننا نريد «استقطاب» الأموال الأجنبية من الخارج، قبل أن نثبت قدرتنا على إبقاء الأموال في الداخل؟!
وإبقاء الأموال في الداخل تحد حقيقي، لكنه الخطوة الأولى الضرورية والشرط السابق لاستقطاب الأموال من الخارج، بمعنى إن حَسّنا مناخ الاستثمار ونوعنا الأنشطة والخدمات لإقناع السكان «مواطنين ووافدين» بإنفاق أو استثمار أموالهم في الداخل، فستكون تلك خطوة حرجة الأهمية لبناء القدرة على استقطاب الأموال «الدولارات غير النفطية» من الخارج.
تلك الدولارات سيجلبها القادمون لزيارة بلادنا أو الاستثمار فيها. والنجاح في استقطاب هذه الدولارات غير النفطية، يعني نجاحاً في التنويع الاقتصادي. ولتوضيح الأمر: فتنويع الدخل ليس طلسماً، بل تنويع مصادر بيع السلع والخدمات. إذاً القضية -في نهاية المطاف- تتلخص في ما الذي تبيعه لتحصل على الدولارات؟ هل هو استخراج وتصدير النفط، أم تصدير البتروكيماويات السلعية، أم أنك تصدر منتجات الصناعة التحويلية غير النفطية لبلدان الدنيا وتجلب نظير ذلك دولارات؟ ومن ناحية أخرى، فبإمكاننا الحصول على «دولارات» بأن نتيح الملكية لمن يريد شراء شقق وعمارات وفلل، ليجلب دولاراته نظير تملك الشقة أو العقار، وأن تفتح البلد للمستثمرين من أصقاع الدنيا ليجلبوا دولاراتهم إلى هنا ليقيموا شركات ومصانع. الخيارات عديدة وعلينا المفاضلة بينها واتخاذ قرار.
شخصياً، لست مع طرق الأبواب السهلة كالاستدانة، رغم تفهمي وجهة نظر مناقضة لاقتصاديين سعوديين لهم الاحترام والتقدير. ومع ذلك أقول إن قليلاً من الاستدانة قد يكون ضرورياً، أما كثيره فيشكل عبئاً على اقتصاد نفطي الإيرادات، بما يعني ينحصر اللجوء للاستدانة عند الاضطرار. وعند قبول وجهة النظر هذه، أقول: إن علينا السعي لوضع سياسات جديدة وتعديل سياسات قائمة بما يؤدي لإقناع السكان «ولا أقول إجبارهم» بتفضيل إبقاء دولاراتهم هنا. كيف؟
النقطة بسيطة: «الدولار» الذي نبقيه ضمن كنف اقتصادنا المحلي هو دولار كسبناه! لنتصور الآن أننا أقنعنا المواطنين والوافدين بإبقاء 10 بالمائة مما حولوه العام 2015، فما الذي سيعنيه ذلك؟ سيعني أن نكسب نحو عشرة مليارات من الدولارات، منها ما سنكسبه ومنها ما سنوفره. أما حالياً فالمكاسب محدودة جداً، إذ يقدر ما سينفقه السعوديون في الخارج نحو87 مليار ريال لنفس العام، ويقدر ما سينفقه الزوار الأجانب للمملكة نحو 91 مليار ريال «24.3 مليار دولار» هذا العام 2016 كذلك! يعني تقريباً «صبه حقنه..» حسب المقولة الشعبية، أو «zero sum game» بكلام الخواجات! في حين ان تحويلات العمالة الوافدة بلغت نحو 157 مليار ريال «41.9 مليار دولار» في العام 2015.
وطلباً للتوضيح، فليس المقترح هنا فرض ضرائب على التحويلات أو إعاقة السفر للخارج. بل وضع سياسات تؤدي لنمو السياحة المحلية ولاستقطاب المزيد السياح من الخارج، دون الاخلال بما تقوم عليه بلادنا من قيم. ومن جانب آخر وضع سياسات تجعل الوافدين والمستثمرين الأجانب يبقون أموالهم هنا اقتناعاً، فمثلاً لا تجد منتجاً مصرفياً مُعتبراً صُمم لاستثمار أموال الوافدين، فيما عدا خدمة «سبيد كاش» التي تعجل في إرسال دولارات الوافدين للخارج بسرعة البرق! وسوقنا المالية، رغم انفتاحها مؤخراً، إلا أنها ما زالت تتعامل مع المستثمرين الأجانب بتحفظ.
نحن أمام فرصة أو ما يتقافز طلاب «الاستراتيجيا» لتسميتها «الفواكه المتدلية قريباً» «low hanging fruit» لتحصين ميزان المدفوعات بما ينسجم مع واقعنا الجديد، وحاجتنا للحفاظ على ما بحوزتنا من دولارات، بأن نضع حزمة سياسات متناغمة ومتسقة تؤدي لتنويع مصادر دولاراتنا بين نفطية وغير نفطية، بمراجعة سياسات تنمية الصادرات، والاحلال محل الواردات، وتحسين مناخ الاستثمار، إتاحة بلادنا أمام السياح كما هي متاحة للعمالة الوافدة.
نقلا عن اليوم
اذا لم نطبق مبداء السعوديه اولا لمده 10 سنوات فلن نصل الي شئ
اقترضنا في الشهور الأخيرة 27.5 مليار دولار أي 104مليار ريال، هل هذه من ضمن رؤية 2030؟
كل ماانخفض النفط تظهر افكار رائعة ثم تنطفي بمقولة لنا خصوصية . منذ 30 عام لم تحل مشكلة التستر مع ان حلها سهل ولا اعرف اذا تشملها الخصوصية . قبل ان تطالب هيئة السوق المالية بالانفتاح على المستثمرين الاجانب خلها تحل مشكلة المعجل . الاجانب يهمهم القانون اولا