الأسبوع الماضي بدأنا رحلة عبر الزمن إلى المستقبل لعام 2030 وكيف ستكون السعودية وفق الرؤية التي وضعتها للتحرر من النفط وتنويع مصادر الدخل وتحسين الخدمات الحكومية.
بداية أول يوم في الأسبوع تعمل بهمة ونشاط لانجاز ما أوكل إليك من مهام، غير مسموح لك بتضييع الوقت مع زملائك في الحديث أو المشاركة في مواقع التواصل الاجتماعي أو الجلوس في مكتبك وتدخن، تحترم المكتب وتشاركك زميلة لك في الجانب الآخر من دون فواصل أو أقسام نسائية كلها مكاتب مفتوحة مخصصة للنساء، مطلوب منك أن تنجز المعاملة في أقل من دقيقة ولن تطيل الحديث أو الحوار مع المراجع، في نهاية الدوام وأنت ذاهب إلى المنزل، تقف أنت وأصدقاؤك في موقف الحافلات، لكي تعود إلى المنزل، معظم الموظفين يفعلون ذلك حتى المدير يستخدم الحافلة، في الطريق يذكرك احد الأصدقاء، «لا تنسى توصل الطلبات اليوم»، تخبط براحة يدك على جبهتك، تصور أني نسيت، جيد أنك ذكرتني، أبشر اليوم أوصلها. تعمل أنت ومعك صديق آخر في عمل آخر وهو بيع الملابس عبر «الأون لاين»، وتحقق لك دخلاً جيداً، وهذا العمل نظامي تساعد فيه هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتمنحك ترخيصاً لا يحتاج إلى تعقيد أو إجراءات بيروقراطية لاستخراجه أو شروط صعبة، مع أنك موظف تعمل في الصباح.
تحمد الله أنك تعود إلى المنزل في وقت قياسي من دون زحام سيارات وازدحام الطرقات، أصبحت المدينة فيها وسائل نقل متعددة، حافلات مخصصة للطلاب والطالبات وقطار ومترو وسيارات أجرة متعددة وحافلات تديرها أكثر من شركة، ومواقف خاصة لوقوف الحافلات.
تنزل من الحافلة تتذكر أنك تريد أن تشتري بعض الأشياء للمنزل، تمر إلى متجر صغير، يجلس فيه مواطن كبير في السن، تطمئن عليه وتسأله عن حاله، يقول لك.. منذ أن تقاعدت عملت لنفسي هذا المتجر الصغير، وأديره أنا وعائلتي في المساء أجلس فيه والنهار تجلس زوجتي الكبيرة في السن وأبنائي وبناتي يتناوبون عليه متى ما وجدا فرصة، أنت تعلم راتب الضمان والتقاعد لا يكفي حاجاتنا، لهذا ابنتي توصل والدتها إلى المستشفى بسيارتها، أما ابني فهو لا يزال في الكلية المهنية وبالكاد تغطي مصاريفنا اليومية، والحمد لله الحكومة عملت لنا بطاقات تأمين طبي لم نعد نحتاج إلى واسطة للعلاج في المستشفى العسكري أو التخصصي.
في الطريق إلى المنزل يرن هاتفك، المتحدث في الجانب الآخر بصوت مفعم بالحيوية، الله يحييكم على العشاء، ترد بحماسة أيضاً خير مَن تزوج عندكم يا أختي؟ تقول لك وهي تكاد تطير من الفرح، ابني وبنتي حصلا على الجنسية؛ انتهت الآن جملة «ممنوع لأبناء السعوديات من المتزوجين من أجانب»، أصبح بالإمكان أن تحصل على الجنسية السعودية بسرعة مع «شوية» إجراءات، أنا مبسوطة يا أخي، تبادلها شعورها بالفرح، وتعدها بالحضور والمشاركة.
تخرج في المساء إلى السوق برفقة زوجتك، تطلب منها أن تنهي تسوقها سريعاً، فالأمر لا يتطلب تضييع كل هذا الوقت، خصوصاً أن معظم الشركات الآن أصبحت تبيع عبر الإنترنت، ولا يمكنها أن تبرر الاستبدال المتكرر بأنهم لا يفهمون كلامها فجميع العاملين (بائعين ومحاسبين وكل أنواع الوظائف) من الشبان والفتيات سعوديون، ومن ثم تسأل زوجتك هل تعرفين أين يعمل إخواننا الوافدون؟ تسألك هي أيضاً أين؟ تقول: إنهم يعملون في المجالات المهنية من سباكة ونجارة ومحال البنشر والمهن الأخرى، والإخوة الوافدون المتعملون منهم يعملون في الشركات كخبراء ومختصين وفنيين وأطباء، وتضيف قائلاً لها: «أبشرك انخفض عدد الوافدين إلى أكثر من النصف، والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، تقدم دورات للرجال والنساء في طريقة دهن المنازل والسباكة والكهرباء والنجارة، بمعنى أننا لن تحتاج إلى عمالة وافدة».
تمضي وقتاً ممتعاً برفقة أسرتك في التسوق، وبعدها تذهب بالقطار إلى معرض المنتجات والصناعات المحلية، يبهرك التنظيم وأسلوب العرض، وجميع من يقف على هذه الأجنحة من المواطنين رجالاً ونساء، تستمتع بمنتجات «الأسر المنتجة»، وتسأل صاحبتها كيف تسوق منتجاتها؟ تقول لك وهي مطمئنة إن شركة مختصة في تسويق المنتجات المنزلية هي التي تسوق وتبيع، كما أنها تستخدم مواقع التواصل للبيع، وهذه المنتجات ونشاطها التجاري خاضعة للرقابة التجارية في حال اشتكى مستهلك من سوء الخدمة بحيث يستطيع أن يحصل على حقوقه.
على بعد خطوات في ممر المعرض نفسه يلفت نظرك مصنع يقف عليه أحد الإخوة من دول جنوب آسيا يتحدث معك ويرحب بك أنت وأسرتك ويطلب منك أن ترى بضاعته، ويقول لك هذا مصنع فخار يرسم نقوشاً، فتحت هذا المصنع هنا في بلادكم، ويعمل فيه شبان وفتيات سعوديون ويتعلمون زخرفة الفخار، ويتحدث بفخر هو مصنع أجنبي ولكنه في بلادكم ونصدر منتجاتنا إلى الخارج.
في الممر الخلفي يبهرك منظر جناح عليه ازدحام شديد وهو منتج تطل برأسك وتسأل ماذا لديهم؟ يقول لك احد الواقفين، هاتف نقال جديد في نسخته الثانية صناعة سعودية، تقترب من الشخص الذي يشرح للحضور عن شركته، لدينا طلبات من دول الخليج وأفريقيا، تسير أنت وزوجتك وأبناؤك مستمتعين بما تراه، تسمع لحوار بين اثنين بالقرب منك «نحن لدينا مصنع للنظارات بكل أنواعها، ومصنع ملابس، وقدمنا على قرض لمشروع صناعة طائرات عمودية»، يرد عليه صاحبه «يا عمي صلي على النبي، لسة أنت حتشوف وحتشوف».
قد يكون هذا ضرباً من الخيال أن يتخيل المرء شكل الحياة في 2030، وإنما هي محاولة قراءة للمستقبل، وليس خجلاً أو عيباً أن يتخيل الإنسان مستقبله، طالما أنه يستطيع أن يرسم ويخطط، من باب أولى أن يحلم بما سيحدث، إما أن يلمسه شخصياً إن عاش أو يورثه لأسرته وعائلته ليستمتعوا بالتغيير المقبل، لأن المستقبل دائماً أجمل، فمن الضروري أن نرسم للناس الصورة الجميلة المقبلة، ولا ينشغل الناس بأسعار رسوم الخدمات وأسعار القيمة المضافة، وغيرها من الرسوم والخدمات.
يجب أن تمنح رؤية 2030 الفرصة للجميع لتحسين مستقبله، لا أن تكون محددة أو محتكرة لفئة من دون غيرها، ولا أن تكون محتكرة لأبنائها، نريد للرؤية أن تشمل كل إنسان قادر في هذه البلاد، ولديه طموح وإبداع، ويتعامل مع الجميع بالعدل والمساواة من دون تمييز في الحقوق والواجبات وبشفافية مطلقة، مع كسر للكثير من القيود التي تعوق تقدمنا مع الحفاظ على المبدأ.
نقلا عن الحياة
