عندما يحاول أي محلل أو متخصص مناقشة المواضيع الخاصة بميزانية الدولة وتطور الاحتياطيات والعجز فإنه يعتمد على ما يُعلن ويُنشر من مراسيم وتقارير لوزارتي المالية والاقتصاد والتخطيط ومؤسسة النقد عن الإيرادات والمنصرف الفعلي المحتسب على الميزانية وأرقام عامة عن مقدار الفائض والعجز والدين العام وما تتضمنه تصريحات بعض المسؤولين وفق مصطلحات قد يختلف مفهومها ونطاقها بين مسؤول الجهة والمتلقي سواء محلل مالي أو مواطن أو جهة إعلامية واقتصادية، وفقا لما تطبقه الجهة الحكومية من معايير محاسبية حكومية تختلف في بعضها عن المحاسبة التجارية المتعارف عليها، ومع ملاحظة الزيادة بمستوى الشفافية خلال السنوات الأخيرة في البيانات التي تُنشر، إلا أنه مازال هناك نقص في بعض المعلومات التي تمكننا من التوصل إلى نتائج دقيقة في مثل تلك الجوانب وإبداء الرأي بشكل جازم عن مستوى التطور بالارتفاع أو الانخفاض وأسبابه.
ففي حقيقة الأمر فإن الكثير من الأرقام التي تعلنها الدول عن حجم استثماراتها وديونها عبر جهاتها أو بنوكها المركزية -ومنها مؤسسة النقد- ليست لدينا المعلومة الصحيحة عن القيمة الحقيقية الحالية لتلك الاستثمارات سواء كودائع بعملات مختلفة أو سندات أو أسهم وصناديق استثمارية أو عقارات.. وهل هي مسجلة بسعر التكلفة أو بالقيمة السوقية وقت نشر التقرير عنها؟ لكون تلك الاستثمارات العالمية قد تم البدء فيها منذ سنوات طويلة شهد خلالها الاقتصاد العالمي تقلبات حادة مثل أزمة 2008م وانخفاض قيم العديد من البنوك والشركات والصناديق الاستثمارية الضخمة أو بانخفاضات كبيرة حدثت بعملات مؤثرة على حجم الودائع والقروض الممنوحة، وبالتالي فإن أرقام الاستثمارات والقروض والموجودات النقدية وغيرها بشكل عام لا تمثل الدقة بقيمتها أهمية كبرى خلال فترة تحقيق الدولة لفوائض مالية لكونها ستستمر كاستثمار يتزايد يغطي النقص بقيمتها الفعلية، ولكن يختلف الوضع خلال فترة العجز بالميزانية والحاجة إلى سيولة نقدية عبر البيع الفوري لجزء من الاستثمارات بالقيمة الحالية وخصوصا إذا كانت قيمة الشراء أعلى من قيمة البيع أو نقص في أسعار الصرف، فإن ذلك سيحدث انخفاضا مفاجئا بالموجودات والعكس صحيح! وبالتالي فإنه ليس من السهل الجزم بالقيم الحقيقة للاستثمارات وتطورها بالانخفاض والارتفاع وفقا للأرقام المعلنة وبدون إيضاح سياسات التسجيل ومعلومات تفصيلية لا يمكن إعلانها للعموم كما نراها بقوائم البنوك والشركات! ومن جانب آخر فإن الأرقام التي تعلنها مؤسسة النقد لا تشتمل فقط على أموال الدولة واستثماراتها بل تشتمل على الاستثمارات الخارجية للتقاعد والتأمينات والبنوك وأرصدة اعتمادات .. وبالتالي مازالت الأرقام غير دقيقة وواضحة عن المتغيرات بالاستثمارات والاحتياطيات الخاصة فقط بالدولة لكي نعطي رأيا محددا عنها أو نؤيد أو نرفض هذا الرأي.
ومع قرب نهاية السنة المالية للدولة تكثر التحليلات والتوقعات من المحللين ومراكز الأبحاث بالبنوك والشركات عن مستوى الإيرادات والمنصرف الفعلي للسنة الحالية ومقدار العجز وأرقام الميزانية القادمة، وهي تحليلات تعتمد على تقديرات متباينة بين تلك المراكز عن الإيرادات وفقا لتقدير مستوى إنتاج النفط وأسعار البيع والإيرادات الأخرى وأيضا للمنصرف، وكاجتهادات عامة قد تتوافق بعضها مع الرقم المعلن على الرغم من اختلاف مكوناته عما تم الاعتماد عليه من أرقام وتوقعات وما يتم توريده فعلا من أرامكو للخزينة العامة وفق النسبة المحددة من الأرباح بعد حسم التكاليف ونفقات الاستثمار! كما أنه قد توجد نفقات ومصروفات يتم الالتزام بها وفقا للحاجة والظروف لم تتضمنها الميزانية المعلنة، وهو ما يفرض علينا أن يكون هناك حذر عند تناول مثل تلك البيانات والنتائج التي يتم التوصل إليها أو أيضا عند الاعتراض على ما يطرح من آراء لعدم توفر المعلومة الدقيقة التي تثبت أو تنفي الأرقام المختلف عليها.
نقلا عن الرياض