معلوم أن اقتراض الحكومات ليس مرتبطاً بحجم الاقتصاد أو تنوع الموارد، وبالتالي لا دولة في العالم خالية من الديون، فالحكومات تلجأ إلى الاستدانة لتمويل الاحتياجات الموقتة لعجز الموازنة في حال انخفضت إيراداتها عن نفقاتها المتوقعة. وتلجأ المصارف المركزية عادة إلى إصدار سندات أو صكوك لتمويل هذا العجز. ولجأ معظم دول الخليج إلى الديون من خلال إصدار السندات أو الصكوك أو غيرها لإدارة السيولة في الاقتصاد.
ويشكل الدَين العام عادة فرص استثمار للمؤسسات المالية ومؤسسات الإقراض المتخصصة، إضافة إلى الأفراد، فتتنوع الأصول بدلاً من أن تتركز في أصول تحمل أخطاراً مرتفعة مثل الأسهم أو أصول منخفضة السيولة مثل العقارات. علماً بأن السندات التي تصدرها الحكومات تمثل مرجعية أساسية لتسعير الأصول الاستثمارية نتيجة انخفاض أخطارها. والمديونية ليست صفة خاصة بالدول الفقيرة بل تشمل الدول الغنية أيضاً.
لكن الديون السيادية قد تشكل أزمة وقد تؤدي إلى الإفلاس عندما تفشل الحكومات في خدمة ديونها المقومة بالعملات الأجنبية أو عندما يصعب تأمين العملات المطلوبة لتسديد الالتزامات.
وفشل أي حكومة أو عدم قدرتها على تسديد التزاماتها في ما يخص الديون السيادية المستحقة في مواعيدها المحددة يعطي مؤشرات إلى قرب إفلاسها. وهكذا أشر عجز اليونان عن تسديد أحد الأقساط المستحقة عليها لصندوق النقد الدولي بقيمة 1.6 بليون يورو دليلاً على إفلاسها لو لم يجرِ تدارك الأمر.
وظهور مؤشرات الإفلاس لدى أي دولة يؤدي إلى خفض شركات التصنيف الائتماني تصنيف الدولة في سوق الاقتراض الدولي، ما يساهم في فقدانها ثقة المستثمرين في الأسواق الدولية وعدم اشتراكهم في مناقصات شراء سنداتها في المستقبل، ويؤدي إلى ارتفاع كبير في الفوائد والنفقات المستحقة على هذه الديون، إضافة إلى تأثير ذلك سلباً في ثقة المستثمرين الأجانب المقيمين داخل هذه الدول ما يدفعهم إلى سحب استثماراتهم وخروج أموال ضخمة من النقد الأجنبي فيحدث نقص كبير في احتياطات العملات الأجنبية لدى هذه الدول يؤثر سلباً في قوة عملاتها الوطنية وقيمتها.
خليجياً، يشكل التميز المستمر للتصنيف الائتماني للسعودية واحتياطاتها المالية الكبيرة خط الدفاع الأول عن ملاءتها المالية القوية. تُضاف إلى ذلك الإصلاحات الاقتصادية الجارية وفق «برنامج التحول الوطني» و»رؤية 2030» التي كانت من أسباب الإقبال الكبير على الاكتتاب بالسندات السيادية السعودية، إذ تجاوزت قيمة الاكتتابات أربعة أضعاف قيمة الإصدار. والقيمة البالغة 17.5 بليون دولار تجعل منه الإصدار الأكبر في تاريخ الدول الناشئة.
يذكر أن نسبة الدَين إلى الناتج المحلي الإجمالي لدى السعودية هي الأقل إقليمياً وعالمياً (2.7 في المئة)، فيما تبلغ النسبة أرقاماً متدنية خليجياً - 6.1 في المئة للكويت، و17.1 في المئة للإمارات، و34.3 في المئة لقطر. في المقابل، تبلغ النسبة أرقاماً كبيرة لدى اقتصادات أولى عالمياً - 230 في المئة في اليابان، و132 في المئة في إيطاليا، و107 في المئة في الولايات المتحدة. هذه الأرقام تبين أن أمام دول الخليج هوامش واسعة لمزيد من الاقتراض لو دعت الحاجة.
وتواجه الدول خطر الإفلاس عندما يتضخم الاقتراض بعملات أجنبية من الخارج، وهو ما حصل في حالة الأرجنتين عام 2001. وتعجز الدول عن خدمة الديون المقومة بالعملات الأجنبية إذا لم يكن لديها ما يكفي من العملات الصعبة ولم تحصل على تسهيلات ائتمانية إضافية أو لم تعد جدولة ديونها، وعند مواجهة الدول مصاعب في تسديد ديونها تلجأ إلى دول أخرى أو مؤسسات مالية مثل صندوق النقد الدولي لمساعدتها.
يذكر أن «رؤية 2030» ترتكز على إنشاء أضخم صندوق استثمارات في العالم سيقدر بسبعة تريليونات ريال (تريليونا دولار) بحلول عام 2030، وتشمل خطط تخصيص وتحول إلى صناعات جديدة أهمها التكنولوجيا، كما تشمل برامج لإتاحة مزيد من الوظائف وتشجيع السياحة الدينية.
وتتخذ الحكومة السعودية والحكومات الخليجية إجراءات كثيرة من أهمها ترشيد الإنفاق والعمل لتنويع مصادر الدخل. واستمرار قوة أسعار صرف العملات في دول الخليج وكفاءة قطاعاتها المصرفية وتحسن مؤشرات أسواقها المالية وعدم نزوح أي أموال إلى الخارج وثقة الخليجيين بقوة اقتصاداتهم - كلها مؤشرات إلى أن الإفلاس غير وارد على الإطلاق.
نقلا عن الحياة