اليوم هو الأول من كانون الثاني (يناير) 2031، انتهاء التاريخ الذي حددته السعودية للتحول من النفط، بوصفه مصدراً رئيساً لموارد الدولة، إلى مصادر متعددة للدخل، فما هو المشهد الذي سيلفت نظرك في هذا اليوم، لو قدر لك أن تسافر عبر الزمن إلى المستقبل؟
تفتح المذياع وأنت تقف عند إشارة المرور تنتظر إضاءة اللون الأخضر، القطار (المترو) يمر أمامك، المذيع يقرأ نشرة الأخبار، أهم الأخبار، ويبدأ بأول خبر؛ السعودية تنسحب من منظمة «أوبك»، لن تلتفت إلى هذا الخبر باهتمام، الخبر الآخر؛ إحدى الشركات تفصل خمسة موظفي «روبوت»، تضرب كفاً بكف، وتتأسف لماذا انعدم التقدير لدى الناس؟! تواصل طريقك بسيارتك، بجوارك في مسار آخر منفصل طريق للدراجات النارية، وتمد نظرك فتجد أن شقيقك ومن خلفه زوجته وأبناؤه يركبون الدراجة النارية تسأله أين أنت ذاهب؟ يقول لك إنه ذاهب إلى عائلة زوجته لقضاء عطلة نهاية الأسبوع.
اليوم هو نهاية الأسبوع، ستسير بحذر، فحافلات نقل الطلاب والطالبات تقف في مواقفها المحددة، ويخرج منها ضابط أمن الطلاب ليفسح الطريق كي يعبر الطلاب بأمان، وعلى مقربة منها تقف الحافلات ذات اللون الوردي، تقودها امرأة، وهي حافلات مخصصة لنقل الموظفات والطالبات والنساء، تستعد لفتح الباب كي تصعد إليها امرأة برفقة فتاتين، تطيل النظر قليلاً فتشاهد أن هذه الحافلة تستخدم البطاقة الممغنطة بدلاً من الدفع «الكاش»، وتبتسم لطفل صغير يمر بجوار سيارتك على الرصيف وهو يحمل حقيبة مدرسية خفيفة في يده، تراقبه إلى أن يصعد جسر المشاة المخصص للعبور إلى الشارع الآخر، تواصل طريقك وأنت مستمتع بصوت المذياع، بأغان جميلة وبرامج هادفة وحوارات شائقة لا إسفاف ولا سخافة، يلفت نظرك إعلان على أحد اللوحات المعلقة؛ «نادي سابك يقترب من تحقيق بطولة دوري المحترفين»، وفي الشارع المقابل إعلان على لوحة إلكترونية «اليوم اللقاء الكبير بين فريقي الاتصالات وأرامكو».
في المساء وأنت تجلس مع أسرتك في أحد المتنزهات القريبة من منزلك، تقول لك زوجتك إنها عملت اتفاقاً مع إحدى الشركات اليابانية لافتتاح معهد مهني في مجال صيانة السيارات، وقد أنجزت معاملتها في غضون دقائق، ولم يحتج الأمر إلى واسطة أو أن تدفع «رشاوى» للموظفين، ولم تمارس الجهات المعنية شروطاً تعجيزية لتمنح الترخيص لشخص آخر «متنفذ»، وهي تريد أن تحصل على ترخيص لافتتاح فرع لجامعة كورية، فتطمئنها أن هذا الأمر لم يعد صعباً أو مستحيلاً، ولحظات قليلة وتمتلئ الحديقة بالجيران والأصدقاء، وكل منهم يمضي وقتاً جميلاً مع أسرته، على المقاعد أو بممارسة الرياضة بأدواتها المنتشرة، في الجانب الآخر يمضي مجموعة من الشباب رياضة بناء العضلات والجمباز، وحول الحديقة تسير النساء من دون منغصات يمارسن رياضة المشي. بعد أن أمضيت ساعة ونصف الساعة تعود إلى منزلك أنت وأسرتك سيراً على الأقدام، الأرصفة مغرية للسير عليها وآمنة.
خلال سيرك إلى المنزل تتصل بك أختك لتخبرك بأنها هي وزوجها قررا الانفصال، وأبلغا المحامي لإنهاء إجراءات الطلاق. لم تنزعج ولم تهول الموضوع، تخبر زوجتك لو أنهما - وتقصد أختك وزوجها - استمرا معاً لاستكمال حياتهما لأجل الأبناء، فتبتسم قليلاً وتخبرك بأن الأمر غير مخيف بالنسبة للأبناء؛ فالمحكمة لن تنهي إجراءات الطلاق قبل أن تطمأن إلى مستقبلهم، وأن يتحمل الطرفان توفير الرعاية الكريمة لأبنائهما وبناتهما، وعلمت أن المحكمة أرسلت قبل إجراءات الطلاق إلى إحدى الجمعيات الخيرية لتتولى توفير الرعاية للأبناء في حال لم يستطع الزوجان حل خلافهما.
تحاول أن تنهي الحديث لأنك وصلت إلى منزلك، يناديك طفلك من الخلف: «بابا بيتنا صار صغيراً! لازم نغيره». تضحك وتتبادل مع زوجتك الضحكة، وتقول تتذكرين عندما أخدنا المنزل قبل سبع سنوات ضمن برنامج تملك المنازل للمواطنين، انتظرنا عامين وبعدها حصلنا على المنزل، تواصل الزوجة قائلة: «طالما كبرت عائلتنا فمن حقنا أن ننتقل إلى بيت أكبر»، تطمئنها بأنك ستقوم بتعبئة استبيان استبدال سكن بسكن أكبر، تقول لك، الآن وأنت جالس ابدأ بذلك، كل ما عليك فعله هو تحميل تطبيق وزارة الإسكان في الجوال، فيما تعد زوجتك شاي المساء، تكون انتهيت من تقديم طلب تغيير منزلك الحالي إلى منزل أكبر، وتدفع قسطاً أعلى.
لم تمض لحظات حتى ترد إليك رسالة منهم بالموافقة، وهذا يتطلب الانتظار بضعة أشهر، تقفز فرحاً من مقعدك وتحتضن أطفالك، «خلاص يا بابا قريباً سننتقل إلى بيت أكبر تلعب فيه أنت وأختك وإخوانك». يأتيك صوت من بعيد؛ وهذا المنزل من سيسكن فيه؟ تجيبها قائلاً: «وزارة الإسكان تشتري منّا هذا المنزل وتعطيه لشخص آخر حديث الزواج، وأضيف إلى قيمة هذا المنزل المبلغ الإضافي لقيمة المنزل الكبير وأحوله إلى أقساط، لكن بمبلغ أكبر». أليس هذا جميلا؟ تقولها وأنت تستعد لتشغيل التلفزيون، فيقفز ابنك ليخبرك بأن اشتراك القنوات التلفزيونية انتهى. من جديد يأتيك صوت زوجتك من بعيد: «خلاص ما عاد فيه برامج «بلاش»، لازم تدفع عشان تتفرج، لا دش ولا أسلاك، بلا غث بلا هياط»!
بعد تناول العشاء تخطط أنت وأسرتك أين ستمضي عطلة نهاية الأسبوع، يقولون لك: نذهب جميعاً لمشاهدة مباراة كرة القدم القوية، هناك أماكن مخصصة للأسر، ومكتب بيع تذاكر المباريات يوفر وسيلة النقل للجماهير في حافلات، وسيارات خاصة لنقل النساء، وأخرى للأسر، بدلاً من الذهاب منفردين بسياراتهم، ويتسببون في الزحام في الطرقات، فكرة «مش بطالة» ردت طفلتك الصغيرة التي تدرس في الصف الثامن، وتقترح أن تذهب لعرض مسرحية لشكسبير يقدمها طلبة الجامعة، ويشترك في المسرحية طلاب وطالبات، ولكن القرار النهائي يأتي من الزوجة، وكأنها رمت قنبلة: «لا تنس حفلة زفاف بنت أختي غداً من بعد الظهر حتى الخامسة عصراً، يعني لازم نصحو مبكرين».
نستكمل الأسبوع المقبل رحلة عبر الزمن إلى المستقبل لأول يوم في «2030»
نقلا عن الحياة
إنته سافرت عبر الزمن والا حلمت!? هذا تطبيل كبير ولن يتحقق شيئ من ماذكرته. خلييك واقعي عشان ماتنصدم مستقبلا