أصدر المصرف المركزي الكويتي أخيراً، تقريره الاقتصادي عن 2015 ليؤكد حقائق اقتصادية تستحق التأمل. أوضح التقرير أن الناتج المحلي الإجمالي بلغ 40 بليون دينار (132 بليون دولار)، بنمو 1.8 في المئة عنه عام 2014. لكن الناتج المحلي للقطاعات النفطية انخفض بنسبة 1.7 في المئة، في حين نما للقطاعات غير النفطية بنسبة 1.3 في المئة. واحتسب سعر الخام الكويتي لعام 2015 على أساس 47.8 دولار للبرميل مقارنة بـ95.2 دولار في 2014.
تؤكـــد هذه البيـــانات أن القطاع النفطــي الذي يساهم بنسبة 58 في المئـــة في الناتج المحلي الإجمالي، تراجع في شكل لافت، لكن القيمـــة المضافة للقطاعات غير النفطية لم تكن قياسية لتعزيز النشـاط الاقتصادي وحفزه، ما يعني أن هذا الاقتصاد ما زال بعيـــداً مـــن التنــــويع. ولا شك في أن تراجع سعر الخام الكويتي مــــن نحــو 95 دولاراً للبرميل إلى نحو 48 دولاراً، أي بنسبة 50 في المئة تقريباً، يمثل صدمة مهمة لاقتصاد ظل يعتمد على صادرات النفط لزمن طويل. ويمكن أن تكون التأثيرات لانخفاض الأسعار هذا العام أشد ضراوة، فسعر نفط الكويت يقل عن 40 دولاراً للبرميل.
وبيّن التقرير أن عدد سكان البلاد ازداد العام الماضي بنسبة 3.6 في المئة، بعدما بلغ عام 2014 نحو 3.2 في المئة. ويلاحظ أن المواطنين الكويتيين قد ازدادوا بنسبة 2.5 في المئة مقارنة بـ2.7 في المئة عام 2014، في حين ارتفعت أعداد غير الكويتيين بنسبة 4.1 في المئة مقارنة بـ3.4 في المئة في 2014. ويتوزع السكان بين الكويتيين وعددهم 1.3 مليون شخص (30.8 في المئة)، وغير الكويتيين وعددهم 2.9 مليون شخص (69.2 في المئة). وهذا الواقع السكاني يشكل تراجعاً لنسبة الكويتيين من 31.2 في المئة من الإجمالي عام 2014.
يرتبط نمو أعداد غير الكويتيين بدرجة كبيرة بواقع سوق العمل التي ما زالت تعتمد على عمال وافدين وبنسبة عالية. وأظهر التقرير أن إجمالي العمال في الكويت بلغ 2.4 مليون عام 2015 وبمعدل نمو يساوي 3.3 في المئة، وكان عدد العمال غير الكويتيين مليونين أو 83 في المئة، فيما بلغ عدد الكويتيين 400 ألف أو 17 في المئة. هنا أيضاً يمكن الزعم بعدم تمكّن الإدارة الاقتصادية من حفز اليد العاملة المحلية للانخراط في أعمال مؤسسات القطاع الخاص، حيث تتركز اليد العاملة الوافدة. ولا بد من الإشارة إلى أن الأنظمة التعليمية السائدة لا تزال بعيدة من تأمين متطلبات سوق العمل من بين المواطنين.
ويُعتبر نشاط سوق الكويت للأوراق المالية من أهم المؤشرات إلى أداء الاقتصاد الكويتي، إذ أشار التقرير إلى أن كل مؤشرات حركة التداول ومستويات الأسعار تراجعت «في شكل ملموس». فمؤشرات قيمة التداول هبطت بنسبة 35.2 في المئة، في حين انخفضت مؤشرات الكمية بنسبة 21.6 في المئة. كذلك، أقفل المؤشر العام للأسعار منخفضاً بنسبة 14.0 في المئة عن مستوى إقفال عام 2014. وانخفضت القيمة الرأسمالية للشركات المدرجة لتصل إلى 26.2 بليون دينار بخسارة 3.5 بليون دينار أو 11.8 في المئة عن مستواها نهاية 2014.
لا ريب في أن ذلك الانخفاض يمثل خسارة كبيرة للعديد من المستثمرين الذين وظفوا أموالهم في أدوات مسعرة، هي غالباً أسهم حقوق الملكية في الشركات المدرجة في السوق المالية. وثمة عدد كبير من هؤلاء المستثمرين من أصحاب المداخيل المتوسطة، أو من ذوي المدخرات المحدودة الذين لا يجدون وعاءً استثمارياً لتوظيف مدخراتهم سوى أسهم الشركات. ويعتبر وضع سوق الكويت للأوراق المالية مقلقاً سياسياً ويتطلب معالجات سريعة. ولم يتحسن أداء السوق خلال العام الحالي، وليس متوقعاً أن تكون نتائج هذا العام وردية في أي حال.
إذاً، بناء على هذه البيانات الرسمية عن الاقتصاد الوطني، يمكن الاستنتاج أن الكويت تواجه استحقاقات تراجع أسعار النفط وضرورة معالجة أوضاع مختلف القطاعات وأهمية حفز مختلف النشاطات الأساسية في القطاعات النفطية وغير النفطية. ولا بد من الإقرار بأن إمكانات الانتعاش ليست مرهونة فقط بالسياسات المالية والاقتصادية المعتمدة في البلاد، فتأثيرات سوق النفط وتطوراتها خلال الشهور والأعوام المقبلة لا بد من أن تكون أشد وقعاً.
وثمة أهمية لبذل جهود لمعالجة مسائل مهمة، منها ما يتعلق بسوق العمل وترشيد استقدام العمال الوافدين وضرورة حفز اليد العاملة المحلية للانخراط في مؤسسات القطاع الخاص نظراً إلى أهمية ذلك في معالجة اختلالات التركيبة السكانية. ولا بد من تحسين أداء سوق الكويت للأوراق المالية بعدما اعتمدت أنظمة واشتراطات حيوية للإدراج والتداول والشفافية وقيام هيئة أسواق المال وتأسيس شركة البورصة. ولا بد من استكمال متطلبات السوق، ومنها قيام شركات تتخذ صفة «صناع السوق» لتعزيز الحيوية في النشاط. إن الاقتصاد الكويتي يتطلب مراجعات ومواجهات جادة ليستعيد حيويته.
نقلا عن الحياة