اسمحوا لي أن أبدأ مقالي بعبارة "أن المملكة تتجه إلى الإفلاس الحتمي خلال خمس سنوات، وأن الموظف السعودي انتاجيته بسيطة جدا [لا تتجاوز ساعة يوميا]"، هاتين العبارتين كانتا كالصاعقة على الرأي العام المحلي، وتناقلتها وسائل الإعلام الدولية كنوع من الانتصار المعنوي الذي يحقق كثيرا مما يطمح له الأعداء والكارهين لهذه البلاد. وقد أحدثت صدمة اجتماعية بين المواطنين اهتزت معها كثيرا مشاعرهم، والتي لم تهتز في أحلك الظروف.
في حين ما تعرضت له المملكة من اعمال إرهابية في الداخل، ومحاولات لزعزعة أمن الحجيج، والاعتداءات الصارخة من قبل الحوثيين ومن يصطف معهم، وبرغم انخفاض أسعار النفط ومداخيل المورد الرئيس "البترول"، وبرغم كل هذه الظروف ظل المواطن السعودي يفتخر بقدرة بلاده، وحنكة قادتها، وقدرة وزرائها وموظفيها وجيشها ورجال أمنها على تجاوز كل تلك الصعاب، والبقاء ثابتين راسخين لا تزعزعنا الرياح القادمة من الشرق أو من الغرب.
لكن الكارثة التي حلت على رؤوس الجميع أتت من تصريحات تمثل الإدارة التنفيذية ممثلة في أصحاب المعالي ضيوف برنامج الثامنة، والنظرة السوداوية التي حملوها من خلال الإعلام لتتقاذفها وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام الإقليمي والدولي بمزيد من التأويلات لترسم نظرة سوداوية في عين الشعب من هكذا مسؤولين.
وحتى نكون منصفين بين كافة الأطراف، يجب أن نقر بأن تصريحات أصحاب المعالي المذكورة في البرنامج أغلبها صحيح "نظريا" ولكنها لا تتناسب مع كونها رسالة إعلامية يمكن نقلها للمتلقي.
إضافة إلى حالة اليأس التي رأينا مسؤولينا عليها وكأنهم يقولون أن لا علاج من هذه الأمور، وأن جميع المحاولات لإنعاش الحالة قد فشلت وليس أمامنا إلا انتظار ما هو أسوء "بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره".
في موضوع الإفلاس الحتمي رد المسؤول: «في حال افترضنا أن النفط ظل على وضعه الحال (بأسعار 40 إلى 50 دولاراً للبرميل)، وأننا لم نتخذ أي إجراء إصلاحي بهذه الجرأة، وإذا استمرت الأوضاع الاقتصادية العالمية بوضعها الحالي، وقد تزداد سوءاً، فالإفلاس حتمي خلال 3 إلى 4 سنوات» (الحياة، ١٩ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٦).
أما فيما يخص إنتاجية الموظف الحكومي، [والموظف الحكومي هنا يقصد به كل من يتلقى مرتبا من قبل الحكومة] والذين يشكلون 1.2 مليون موظف وموظفة، اثارهم تصريح مسؤول أن «الدراسات أظهرت ان إنتاجية الموظف السعودي في القطاع الحكومي لا تزيد على ساعة عمل واحدة فقط في اليوم». (الحياة، 20 أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٦).
وهنا دعونا نتذكر كثير من القضايا التي تحدثنا عنها، وتحدث عنها كثير من كتابنا وتحدث عنها مجلس الشورى، وتحدثت عنها التقارير الرسمية. ومنها:
-أن ترهل القطاع الحكومي ووجود البطالة المقنعة سبب في ضعف الإنتاجية، وضعف الرقابة والمساءلة. وقد خلصت العديد من الدراسات والبحوث التي أجريت حول سوق العمل بالمملكة إلـى أن إنتاجية العمالة الوطنية لا تزال منخفضة نسبياً ... "بالمقارنة بإنتاجية العامل في ٢٦ دولة في منظمة التعاون الاقتصـادي والتنمية ... كما كشف تقرير، منظمة العمل العربية عـام ٢٠٠٨ انخفاض إنتاجية العامل الصناعي في عدد من دول الشرق الأوسط، والتي تمثل ٣٧% من إنتاجية نظيره فـي بعـض دول شرق آسيا، و١٧% من إنتاجية العامل الصناعي الأمريكي (خطة التنمية التاسعة، ص 161).
-ذُكر أيضا "تحذير جدي من صندوق النقد الدولي: السعودية قد تفقد كل احتياطاتها النقدية بأقل من 5 سنوات" (CNN، 26 أكتوبر/تشرين الأول 2015)، والذي اعتمد على ارقام حسابية تمثل الدخل من المورد الرئيس، والنفقات السنوية دون الأخذ في الاعتبار بقية العوامل والظروف التي قد تحدث التغيير. وهنا أقول أن لغة التقرير كانت تحذيرية وليست حتمية ولا يجب أن يعتمد عليها كحتمية.
-كثيرا ما كُتب عن موضوعات الفساد، تنويع مصادر الدخل، التستر التجاري، الاستثمار الأجنبي الصوري، نمطية الاستهلاك في المجتمع، الانفاق الخارجي من تحويلات مقيمين، وإنفاق على السياحة، والتعليم، والصحة في دول خارجية وغير ذلك كثير.
كل هذا الذي ذكر، وغيره كثير مما لا يتسع المقام لسرده، يفتح سؤال عظيم وهو ما الدور الذي قام بها المسؤولين للتنبؤ بتلك المخاطر، أو للتحقق من المخاطر المنشورة واتخاذ الخطوات التصحيحية لها.
وهنا يجدر التأكيد على دور محاسبة ومساءلة المسؤولين التنفيذيين الذين لم يراعوا كل هذه التحذيرات والتنبيهات إن كانت أجهزة الرقابة والمساءلة والنزاهة تملك روحا للعمل. ومع كل هذا النقاش الحاد والتجاذبات الغير متكافئة يظل إعلامنا المرئي في سُبات ويخشى عليها أن يكون قد مات فعليا.
الحقيقة التي يجب أن نعترف بها، ولعلها تصل لأصحاب المعالي بأن هذه التصريحات تسئ أكثر مما تنفع، ونحتاج إلى مزيد من الشفافية والمشاركة بين صانع القرار وبين المتأثرين به.
ثم مزيد من الحزم والمحاسبة والمساءلة حتى نضمن العدالة، وتكافؤ الفرص، وتحقيق التنمية المستدامة والرفاه الذي تأمله وتسعى إليه القيادة الرشيدة والمواطنين في هذه البلاد دائما. كما يجب أن يهتم المسؤول بأدواته الإعلامية للتواصل مع مختلف الطبقات حتى لا تتبدل رسائله من رسائل بهدف التطوير إلى رسائل تدميرية.
خاص_الفابيتا
مقال يستحق الاهتمام والتقدير .
(كل هذا الذي ذكر، وغيره كثير مما لا يتسع المقام لسرده، يفتح سؤال عظيم وهو ما الدور الذي قام بها المسؤولين للتنبؤ بتلك المخاطر، أو للتحقق من المخاطر المنشورة واتخاذ الخطوات التصحيحية لها.).