«معيار الإبلاغ المشترك» تحد للمصارف العربية

29/09/2016 0
عدنان أحمد يوسف

منذ بدء الأزمة العالمية عام 2008، تتوالى التداعيات التشـريعية والتنظيمية والماليــــة على القطـــاع المصـــرفي العربــي، ما يحتـــم تعــــزيز التنسيـــق بين الحكومات والـجهات الرقابية والإشرافية والمصارف المركزية العربية من جهة والمصارف العربية من جهة أخرى، من أجل التعاون معاً للتصدي لتلك التداعيات.

بعد معايير «بازل 3» وما يتصل بها من التزامات، تم تشريع القانون الأميركي للضريبة على الحسابات الخارجية، وتشديد إجراءات المصارف المراسلة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتشديد إجراءات الامتثال للعقوبات الدولية.

ثم جاء دور منظمة التعاون الاقتصادي للتنمية التي وضعت خطة مماثلة باسم معيار التبادل التلقائي للمعلومات، وقعتها في تموز (يوليو) 2015، 53 دولة ستتبادل في ما بينها معلومات عن المواطنين والشركات والمنظمات الأجنبية المقيمة في أراضيها لأغراض احتساب الضريبة عليهم لمصلحة حكومات بلدانهم. ثم وافقت على المعيار تركيا والصين وهونغ كونغ وأكثر من 80 دولة أخرى منها بعض دول مجلس التعاون الخليجي. وتعهدت 55 دولة تطبيقه ابتداء من 1 تموز 2017.

تحتوي هذه الوثيقة على معيار عالمي للتبادل التلقائي للمعلومات المتعلقة بالحسابات المالية. وطورت المعيار منظمة التعاون بالاشتراك مع مجموعة العشرين والاتحاد الأوروبي. ويحوي الجزء الأول من الوثيقة مقدمة عن المعيار والجزء الثاني نموذج اتفاق التخويل المختص ومعايير التقارير المشتركة وإجراءات العناية الواجبة.

ويصف «معيار الإبلاغ المشترك» إجراءات العناية الواجب تطبيقها من المؤسسات المالية للتعرف إلى الحسابات المطلوب الإبلاغ عنها. وستتعين ترجمة «معيار الإبلاغ المشترك» إلى قوانين محلية، في حين أن اتفاق التخويل المختص يمكن تنفيذه من ضمن الأطر القانونية القائمة حالياً، مثل المادة 6 من الاتفاق المتعددة الأطراف في شأن المساعدة الإدارية المتبادلة في المسائل الضريبية أو ما يعادلها من المادة 26 في المعاهدات الضريبية الثنائية.

وقبل الدخول في اتفاق ثنائي للتبادل التلقائي للمعلومات مع بلد آخر، ضروري أن يكون لدى البلد المتلقي للمعلومات الإطار القانوني والقدرات الإدارية والعمليات التنفيذية لضمان سرية المعلومات الواردة وعدم استخدامها إلا للأغراض المحددة في الاتفاق. وتماشياً مع الأعمال السابقة لمنظمة التعاون في مجال التبادل التلقائي، فإن المقصود بـ «معيار الإبلاغ المشترك» هو استخدامه من جانب الدول الراغبة في التبادل التلقائي للمعلومات المتعلقة بالحسابات المالية. والهدف منه هو تجنب انتشار معايير مختلفة من شأنها أن تزيد التكاليف على الحكومات والمؤسسات المالية.

ووفق المعيار، تحصل الدول على المعلومات المالية من المؤسسات المالية لديها وتتبادلها تلقائياً على أساس سنوي. ويتكون المعيار من عنصرين، الأول هو «معيار الإبلاغ المشترك»، ويحتوي على قواعد الإبلاغ وإجراءات العناية الواجبة، والثاني هو نموذج اتفاق التخويل المختص، ويضم قواعد مفصلة في شأن تبادل المعلومات.

وعلى شاكلة «اتفاق الامتثال الضريبي للحسابات الخارجية الأميركية» (فاتكا)، يفرض «معيار الإبلاغ المشترك» تحديد هوية الزبائن وإجراءات العناية الواجبة والإبلاغ للمؤسسات المالية في ما يخص الحسابات التي يملكها زبائن هم مواطنون خاضعون للضريبة في الدول التي وقعت الاتفاق وتبنت المعيار. ويفترض بالنظام الجديد نقل كل المعلومات ذات الصلة تلقائياً وفي شكل منتظم بين الدول.

ويشار إلى هذا الاتفاق في شكل غير رسمي باسم «غاتكا» أي النسخة الدولية من «فاتكا»، لكن «معيار الإبلاغ المشترك» ليس مجرد توسيع لـ «فاتكا»، بل يُتوقَّع أن يكون أوسع نطاقاً بكثير من اتفاق الضريبة الأميركية لجهة حجم إجراءات العناية الواجبة والإبلاغ، وهذا يعني أن على المصارف والمؤسسات المالية وغيرها أن تستعد في مرحلة مبكرة.

لم تحدد منظمة التعاون ما الذي يجب الإبلاغ عنه وإنما سمحت للبلدان المشاركة بتحديد الحسابات الواجب الإبلاغ عنها. وهذا يعني أن أي دولة قد تفاوض على المسألة قبل توقيع الاتفاق. مثلاً، الولايات المتحدة، التي تفرض الضرائب على أساس المواطنة، وضعت اتفاقات حكومية بينية متعلقة بـ «فاتكا» مخصصة للحسابات العائدة للمواطنين الأميركيين والأشخاص الذين تنطبق عليهم الشروط الواردة في الاتفاق والموجودين في دولة أخرى ومطلوب الإبلاغ عنهم عبر الاتفاق.

سيعني توقيع الدول الخليجية والعربية الاتفاق أنها ستعمل لتنفـــيذه بالتعاون مع المصارف المقيمة في بلدانها، وهو ما سيفـــرض تعهدات والتزامات ونفقات باهظة جديدة على المصارف. وجديرة بالتنويه مبادرة اتحاد المصارف العربية إلى تنظيم اجتماعات ونشاطات للمصارف العربية لتنسيق مواقفها تجاه هذه التطورات.

ويبقى أن الحكومات، خصوصاً في البلدان المتقدمة التي ترغب في تنظيم جني ضرائبها من مواطنيها المقيمين في شتى أصقاع العالم في صورة شاملة، يجب أن تساهم في تحمل أعباء هذا التنظيم، خصوصاً أن دولاً كثيرة ومصارفها تحتاج دعماً فنياً ومادياً لتتمكن من التجاوب مع تطبيق تنظيمات وتشريعات كهذه.

في المقابل، على المصارف العربية ومن خلال اتحاد المصارف العربية أن تطرح «معيار الإبلاغ المشترك» على بساط البحث، مثلما فعلت مع القانون الأميركي للضريبة على الحسابات الخارجية، إذ كانت للجهود المشتركة للمصارف العربية نتائج مثمرة تمثلت في توقيع معظم الحكومات العربية اتفاقات ثنائية مع الحكومة الأميركية ما سهل تنفيذ القانون.

نقلا عن الحياة