تواجه مصر مشاكل عميقة وهي تحاول أن تحفز النشاط الاقتصادي وتزيد فرص العمل وتحسن مستويات المعيشة. وبدأت حكومتها تبحث عن حوافز لجذب الاستثمار إلى قطاعات، وأشار مسؤولون إلى اهتمام دولي بالاستثمار في مصر.
وتعززت الآمال بعد بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتأمين تمويلات. وستنال مصر قرضاً من الصندوق يبلغ 12 بليون دولار يُصرف على مدى ثلاث سنوات وسيساعد الحكومة على مواجهة التزاماتها في الإنفاق الجاري والرأسمالي.
وتمكنت الحكومة من الحصول على موافقة الصندوق على القرض بعدما طرحت برنامجاً مقنعاً للإصلاح الاقتصادي والتصحيح المالي.
معلوم أن صندوق النقد والمؤسسات المالية الدولية تدعو مصر إلى تحسين بيئة الاستثمار وتعديل السياسات المالية وترشيق الجهاز الوظيفي المتخم بالعاملين وإعادة النظر بسياسات دعم الوقود والمواد الغذائية وتعزيز الإيرادات من الضرائب وغيرها من مصادر لتحسين قدرات الخزينة العامة. وأفادت الحكومة بأنها في صدد خفض عجز الموازنة من 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الآن إلى 10 في المئة.
وسبق للحكومة أن خفضت العجز من 16 في المئة من الناتج قبل سنتين إلى المستوى الحالي بعدما تلقت دعماً مالياً من عدد من بلدان الخليج ومؤسسات تنموية دولية.
وتؤكد بيانات حكومية أن الاقتصاد حقق نمواً بمعدل اثنين في المئة سنوياً خلال الفترة من 2010 إلى 2014. لكن هذا المعدل لا يعني تحسناً نظراً إلى النمو السكاني المتسارع في البلاد.
يبلغ عدد سكان مصر حالياً 93.7 مليون شخص ويقدر معدل النمو السكاني باثنين في المئة سنوياً، ولذلك يجب أن يكون معدل النمو مرتفعاً لكي يمكّن من تحسين الاقتصاد الوطني. وتواجه مصر ارتفاعاً في معدل الخصوبة البالغ 3.3 طفل للمرأة في سن الإنجاب.
ومن أهم معضلات التنمية في مصر هو تراجع الإنفاق الرأسمالي على البنية التحتية والمرافق في المناطق الريفية بما يعطل إنجاز مشاريع اقتصادية يمكن أن توجد فرص عمل. لذلك تستمر الهجرة من الأرياف إلى المدن بما يزيد من الاكتظاظ السكاني ويضخم المناطق العشوائية التي تفتقر إلى الخدمات الأساسية حول العديد من المدن الرئيسة.
ولم تتمكن الحكومات المصرية المتعاقبة من معالجة مشاكل تدني الإنفاق على البنية التحتية والمرافق والخدمات الصحية والتعليم ما زاد انتشار البطالة ومعدلات الفقر.
هناك مستجدات تواجه الاقتصاد المصري منذ ثورة كانون الثاني (يناير) 2011. تؤكد مصادر اقتصادية مستقلة أن إيرادات مصر من السياحة وقناة السويس وتمويلات العاملين في الخارج انخفضت إلى 50 في المئة من قيمتها عام 2010. ونظراً إلى الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة فإن تدفقات الاستثمار المباشر تراجعت في كل القطاعات ما عدا قطاع الطاقة.
وارتفعت مستويات البطالة إلى 13.4 في المئة. وما يثير الاهتمام أن 71 في المئة من العاطلين من العمل هم من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة.
في ظل هذه الأوضاع قد لا يكون يسيراً اتباع سياسات إصلاحية صارمة لأنها ستعني مزيداً من المعاناة للفئات الفقيرة أو ذات الدخل المحدود وحتى لفئات واسعة من الطبقة الوسطى. خلال السنوات الماضية حاولت الحكومة معالجة الأمور من خلال الاعتماد على الدعم والمعونات الخارجية، خصوصاً بلدان الخليج.
لكن الاعتماد على هذه المعونات قد لا يكون العلاج الشافي لمشاكل مصر في غياب حلول ناجعة قادرة على تنشيط الاقتصاد لأمد طويل. يضاف إلى ذلك أن الدعم الخليجي أو الدولي يظل مرهوناً بإمكانيات تلك الأطراف وشروطها، فدول الخليج تواجه حالياً تراجعاً في إيراداتها النفطية، فيما المؤسسات المالية الدولية ترفق دعمها بشروط. وهكذا يتعين على مصر أن تجد معالجات أكثر جدوى لمشاكل البلاد الاقتصادية وتعزيز قدرة البلاد على إيجاد مواد ذاتية مستقرة.
وبرزت أخيراً في مصر أزمة تتعلق بتوافر العملات الأجنبية ما دفع سعر صرف الجنيه إلى الانخفاض، ويجري تداول الدولار الآن بسعر 12 جنيهاً في السوق غير الرسمية على رغم تحديد المصرف المركزي السعر بـ 8.5 جنيه. لكن انخفاض موجودات الدولار تزيد الطلب وترفع السعر.
وتشكو شركات من عدم تمكنها من الحصول على ما تتطلبه أعمالها من مبالغ بالعملات الأجنبية ما أدى إلى توقف الأعمال وتعطلها. كذلك يجد المستثمرون الأجانب صعوبات في تحويل أرباح أعمالهم في مصر إلى بلدانهم.
هذه الأوضاع تشغل بال الإدارة الاقتصادية في مصر وتزيد القلق في الأوساط الاستثمارية من رجال أعمال ومصارف ومؤسسات مالية. لكن هل يمكن أن تتجاوز مصر مثل هذه المصاعب من دون مساعدات مالية وفنية من المؤسسات الدولية؟ هناك أهمية لدعم الاقتصاد المصري بشرط أن تتوافق الإدارة المصرية مع الجهات الدولية على مسائل الإصلاح.
نقلا عن الحياة
مصر حالياً تسير إلى المجهول الذي ستتضح معالمه في الأيام القادمة.. نسأل الله أن يلطف بحال عباده المؤمنين.