الاقتراض الحكومي.. في 6 أسئلة وأجوبة

04/09/2016 0
عيد ناصر الشهري

قامت وزارة المالية بالتنسيق مع الهيئة العامة للاستثمار بتشكيل وحدة لإدارة الدين العام للدولة. وسوف يتم إصدار قانون الدين العام قريباً. وهذه ليست المرة الاولى التي تلجأ الكويت فيها للاقتراض بشكل موسع.

واقترضت الكويت في السابق في فترة ما بعد التحرير لإعادة الإعمار. وكان ذلك القرض مؤقتاً بطبيعته وتم سداده قبل موعده.

الا ان الاقتراض في الفترة الحالية من المتوقع ان يكون بسبب تدني ايرادات النفط عن المصاريف الجارية الحكومية. وقد تستمر اسعار النفط بالتداول لفترة طويلة عند مستوى اقل من نقطة التوازن في الميزانية. لذلك تم اتخاذ القرار للاستدانة بشكل موسع ومستمر.

ويجب على المسؤولين والمختصين تحديد الاسئلة والمبادئ المهمة وتشكيل استراتيجية مناسبة لإدرة الديون السيادية.

ما خبرة فريق العمل في وحدة إصدار وإدارة الديون؟

تعتبر فكرة ادارة الدين العام جديدة نسبياً. والسبب هو عدم إصدار ديون سيادية لفترة طويلة. لذلك قد يلجأ المسؤلون الى اختيار موظفين حكوميين قليلي الخبرة بسبب حداثة الموضوع. يجب الاستعانة بخبرات البنوك العالمية والبيوت الاستشارية بشكل موسع في البداية.

ويوجد لدى الكويتيين خبرات كبيرة في جانب الاستثمار في السندات والديون السيادية للدول الاخرى. لكن جانب شراء السندات يختلف بشكل جذري عن جانب بيع السندات. لذلك توجد حاجة أساسية لاختيار بعض اعضاء فريق العمل لديهم خبرة في العمل في جانب بيع السندات.

وهؤلاء الاشخاص الذين لديهم الخبرات المتخصصة لا يعملون في القطاع الحكومي، لكنهم يعملون لدى البنوك العالمية والشركات الاستشارية المتخصصة. لذلك يجب البحث عنهم والحرص على وجودهم لتستفيد الدولة من خبراتهم.

ما المصاريف التي سيتم توجيه الدين لها؟

من المهم تحديد آلية ايداع الاموال واستثمارها وتحديد اهداف استخدام هذه الاموال حتى لا يتم التوسع في الاقراض بشكل كبير. وليس من الواضح كيفية توجيه الاموال الجديدة الا انها سوف تستخدم لتغطية العجز. وقد تكون بعض السندات السيادية غير محددة الأهداف.

لكن عدم وجود هدف سيؤدي الى استمرار الاقتراض بدون حاجة. وقد يتم توجيه هذه الديون الى عمليات تعاني من الفساد مثل العلاج بالخارج او صفقات الأسلحة. وهنا تتراكم الديون وتستخدم في مصروفات جارية لا نستطيع التحكم بها مستقبلاً.

لذلك يفضّل ان توجه الاموال الناتجة عن الاقتراض الى مشاريع البنية التحتية التي تدر الربح وتدفع فوائد تلك الديون. او قد يكون من المناسب توجيه ايرادات الدولة الضريبية لتسديد تلك الديون.

وبذلك تكون الديون محددة الأهداف وتتناقص مع تشغيل مشاريع البنية التحتية او مع جني ايرادات ضريبية. ولا يجب ان توجه الديون لدفع الرواتب او الدعوم او لتغطية عجز التأمينات.

لان تلك المصاريف الجارية لن تتوقف وبذلك لا نخرج من دوامة الاقتراض. وليس هناك طريق واضح لسداد الديون في الوقت الحالي.

ولكن طريقة اتخاذ القرار تشير الى ان المسؤلين يراهنون على عودة اسعار النفط لمستوياتها السابقة. ولكن الديون لا تدار بعقلية سطحية وإلا سنواجه أزمات مالية من صنع أيدينا.

ما الأهداف الرئيسية لإدارة الدين العام؟

يوجد لدى الكويت اموال واستثمارات تستطيع اللجوء اليها عند انخفاض العجز. والسؤال الأول من المستثمرين هو لماذا لا تستخدم الكويت اموالها لتسديد العجز.

ويجب ان تكون الإجابة مقنعة للمستثمرين حتى نحصل على اقل ديون بأقل تكلفة. وتقوم قطر والسعودية حالياً باصدار ديون سيادية مع توفر استثمارات لديها.

والاجابة المنطقية هي عدم القدرة على تسييل الاستثمارات السيادية بالسرعة الكافية لتغطية العجوزات مثل السعودية.

او وجود حد أقصى للسحب من الصندوق مثل النرويج. وعلى اساسه تتحدد استراتيجية إصدار الديون في الكويت. ومن الأفضل ان يكون هناك حاجة واضحة لاصدار الدين مثل تمويل مشاريع البنية التحتية. وقد تكون هناك اهداف اخرى مثل توفير قنوات استثمارية للبنوك المحلية والعالمية وللمستثمرين.

ويجب ان تكون المحافظة على سمعة الكويت ومتانة اقتصادها من اهم اهداف ادارة الدين. لذلك قد يكون على الادارة الإفصاح عن الاصول السيادية وأحجامها بموجب موافقة خطية من وزير المالية حسب القانون.

ويجب وضع جدول زمني لاصدار الديون والالتزام به. وقد يكون هناك حاجة لوضع جدول زمني لعملية الخصخصة والالتزام به أيضاً. وعامل الارتباط المهم هنا يكمن بالتعامل مع وكالات التصنيف العالمية والبنك الدولي الذين يقدمون نصائح وتوجيهات ملزمة للمحافظة على تصنيف سيادي عالي وتكلفة منخفضة.

ما المخاطر المحتملة وكيف يتم تجنبها؟

الخطر الاول يكمن في استخدام ديون قصيرة الاجل لتمويل مصاريف او مشاريع طويلة الاجل. وهذا الخطر لا ينكشف الا في وقت الأزمات. حيث يكون من الصعب تسييل الاصول او الاقتراض بالسرعة الكافية.

وهذا ما حصل خلال الازمة العالمية عندما عجزت شركات وول مارت وجنرال الكتريك وأميركان اكسبرس عن تمويل أوراقهم التجارية قصيرة الاجل. واضطرت البنوك الامريكية مثل جولدمان ساكس وسيتي بنك الى إصدار اسهم ممتازة بأعلى الاسعار بسبب حاجتهم للسيولة.

لذلك تقوم البنوك الكبرى المقرضة باستدخال وتسييل الاصول المرهونة. وهنا يجب الحذر والابتعاد عن رهن أصول محددة حتى لا تسقط بيد البنوك.

وهذا ما حصل مع أصول جمهورية ناورو التي افلس صندوقها السيادي. وقد تمتعت هذه الدولة الصغيرة بثروة مفاجئة بسبب عمليات التنقيب عن الفوسفات. وتم إيداع الفوائض في صندوقٍ سيادي.

وقام ذلك الصندوق بشراء عقارات وفنادق في عدة دول. ثم اقترض الصندوق السيادي لتطوير بعض الفنادق التي يملكها. وعند انخفاض ايرادات الدولة وعدم قدرتهم على السداد، قامت البنوك بالاستحواذ على أصول الدولة بما فيها الطيارة الوحيدة التي يملكونها. وقد كان يطلق على هذه الجزيرة (كويت المحيط الهادي)!

والخطر الثاني هو زيادة حجم الديون لمستويات عالية. وهو ما يؤدي في النهاية لإفلاس اي دولة وانتقالها لمرحلة الاقتصاد المغلق مثل دول العالم الثالث.

وهنا يكون تحديد سقف للاقتراض مهم جداً لضبط وتقليل هذه المخاطرة. وقد يتم تحديد سقف الاقراض كنسبة من اجمالي الناتج المحلي.

ويعتمد الناتج المحلي في الكويت على إنتاج النفط بشكل رئيسي. لذلك يجب عدم زيادة الاقتراض عن مستوى الناتج المحلي المستمر او المستدام. ومن المهم الحفاظ على نسبة ديون منخفضة للحفاظ على المرونة المالية وتجنب زيادة المخاطر.

الخطر الثالث هو ارتفاع نسبة الفوائد. عند حصول اي هزة في اسواق المال، قد تبدأ اسعار الفائدة بالارتفاع وتضطر الدولة لتحمل تكاليف فائدة اعلى. وأسباب الارتفاع مختلفة. ومنها ارتفاع الفوائد بشكل نظامي.

او ارتفاع الفوائد للدول المصدرة للنفط. او ارتفاع الفوائد على الكويت بسبب اشاعات المضاربين في الاسواق العالمية. لذلك يصبح التخاطب والشفافية مهمة جداً لتوضيح اي لبس او لوقف الإشاعات.

ما السقف الأعلى للاقتراض؟

يجب ان يخضع قرار إصدار الديون الى سلطة الشعب. لان اي خلل مالي سوف يضّر الشعب بشكل او اخر. لذلك تحدد المجالس المنتخبة والتشريعية في الدول الديموقراطية سقفاً اعلى للاقتراض.

وعند الحاجة للاقتراض بشكل اكبر، يجب على المسؤلين الحكوميين الذهاب للمجلس التشريعي وتوفير شرح كامل عن الحاجة للاقتراض وكيفية صرف الاموال وكيفية سدادها.

وهنا تخضع ميزانية الدولة للمحاسبة بشكل موسع. وسيكون هناك أسئلة طبيعية عن طريقة صرف أموال الديون السابقة.

والاهداف والانجازات التي تحققت او لم تتحقق. ويجب على المسؤولين التجهيز لتلك الاسئلة المهمة والاجابة عليها. وقد يكون من المناسب لوزارة المالية تقديم توصية بخصوص السقف الأعلى للاقتراض والسقف الأعلى للسحب من الاحتياطي العام للدولة أيضاً.

ما الموافقات اللازمة والمناسبة للاستدانة؟

لذلك يجب ان تكون هناك آلية واضحة لأخذ موافقات إصدار الديون. ومن المحتمل ان تكون التوصية بيد وزارة المالية.

وترفع التوصية لمجلس الوزراء الذي يحيلها لمجلس الأمة. وقد تأخذ حاصلها من الدراسة في اللجان المالية والتشريعية. ومن الأفضل التعاون مع جمعيات النفع العام التي تركز على الشؤون الاقتصادية والمالية.

ومن الأفضل ان يكون رأي جمعيات النفع العام واضحاً وقد يسبق توصية وزير المالية حتى يضمنوا ثقة صنّاع القرار والمشرعين.

واذا كان التصرف منفرداً في مؤسسة حكومية واحدة، ستزيد المقاومة لتلك التوصيات او القرارات. وهنا يجب على وزير المالية العمل على كسب التأييد الشعبي في الداخل وكسب ثقة المستثمرين من الخارج.

الخلاصة

يجب علينا كمواطنين الاهتمام في موضوع الديون السيادية. اي خلل في موضوع الديون سوف يكون له عواقب وخيمة وقد تستمر لسنوات وتكلف الدولة المليارات.

وتعتبر ادارة الدين العام من المواضيع التي تحتاج احترافية عالية وأشخاص يرتكزون على خبرة عميقة. وسنقوم بتشكيل فريق عمل من المواطنين ذوي الخبرة والكفاءة لمتابعة الخطوات الحكومية وتقديم التوصيات المناسبة والعمل لمصلحة الدولة والمواطنين في المستقبل.

نقلا عن القبس