عندما قرر «بنك إنكلترا» أخيراً خفض سعر الحسم من 0.5 إلى 0.25 في المئة، كان ذلك إقراراً ببطء نمو الاقتصاد البريطاني ومحاولةً لحفز أدائه.
وأتت الخطوة بعد التصويت الشعبي البريطاني لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي وتزايد المخاوف من تراجع معدلات النمو وضعف التدفق الاستثماري وارتفاع معدل البطالة.
ثمة قلق واسع النطاق بين رجال الأعمال وصناع القرار الاقتصادي في بريطانيا، ومن أهم أسبابه، ضعف سعر صرف الجنيه الإسترليني خلال الأسابيع الماضية.
كذلك تراجع توظيفات صناديق متخصصة بالاستثمار العقاري في القطاع العقاري خشية انخفاض قيم الأصول. وفي شكل عام تبدو الثقة في الاقتصاد البريطاني ضبابية.
اعتمد «بنك إنكلترا» قبل فترة توقعات لمعدل النمو الاقتصادي بحدود 2.3 في المئة لكل من 2016 و2017 و2018، إلا ان التوقعات تشير الآن إلى اثنين في المئة هذا العام و0.8 في المئة عام 2017 و1.8 في المئة عام 2018.
فهل يمكن ان يؤدي خفض سعر الحسم إلى انتعاش اقتصادي معقول؟ معلوم ان الخفض الأخير هو الأول منذ العام 2009 حين تحدد سعر الحسم عند 0.5 في المئة، وكان هذا المستوى الأدنى منذ تأسيس «بنك إنكلترا» قبل 322 سنة.
في المقابل، ثمة أوضاع اقتصادية صعبة في مختلف البلدان الصناعية ولا يقتصر الأمر على بريطانيا. فاقتصادات بلدان الاتحاد الأوروبي لم تتحسن على رغم الحوافز النقدية والتعديلات على السياسات المالية. ولا تزال السياسة النقدية تسعى إلى تعزيز السيولة في النظام المالي من خلال شراء أصول مالية، خصوصاً السندات.
وأطلق هذه العمليات مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي، تحت مسمى التيسير الكمي، ثم اعتمدها المصرف المركزي الأوروبي ثم «بنك اليابان».
وعلى رغم كل هذه السياسات النقدية المتساهلة والأسعار المتدنية للفوائد، إذ قارب سعر الحسم مستوى الصفر، لا تزال الأوضاع الاقتصادية مخيبة للآمال ولا يبدو أنها تفاعلت مع كل المحاولات التي تبنتها المصارف المركزية. ولا يزال صناع السياسات النقدية يسعون إلى إعادة الثقة في أوساط رجال الأعمال وحفز المستهلكين على الإنفاق.
ربما يرى اقتصاديون ان بيانات التوظيف في الولايات المتحدة تمثل مؤشراً إيجابياً للاقتصاد العالمي إذ فاقت أعداد الوظائف الجديدة في تموز (يوليو) الماضي توقعات المختصين وبلغت 255 ألف وظيفة. كذلك ظل معدل البطالة بحدود 4.9 في المئة.
فهل يعني ذلك ان الاقتصاد الأميركي يمثل حالة مختلفة عن بقية الاقتصادات المتقدمة؟ يملك الاقتصاد الأميركي قاعدة استهلاكية مهمة ولا بد من ان تحسن زيادة أعداد العاملين القدرات الاستهلاكية وترفع الطلب على السلع والخدمات.
ويأمل اقتصاديون ورجال أعمال وصناع قرار في بلدان صناعية أخرى بأن تزيد الولايات المتحدة من وارداتها من السلع والبضائع بما يعزز الطلب على منتجاتها.
بيد ان دراسات أكاديمية في الولايات المتحدة تشير إلى ان دخل الفرد الأميركي لم يتحسن منذ بداية القرن الحادي والعشرين في شكل مناسب إذ ظل معدل نموه عند أقل من واحد في المئة سنوياً. وتؤكد ان سوق العمل في الولايات المتحدة تعتمد في نموها على قطاع الخدمات حيث تتدنى الرواتب.
هل يمكن ان يعتمد الاقتصاد العالمي على البلدان الناشئة لإحداث التحولات الإيجابية خلال السنوات المقبلة؟ هناك شكوك في قدرات هذه الاقتصادات على القيام بذلك.
تمكنت الصين وكوريا الجنوبية من الارتقاء بالإمكانات الصناعية المحلية وتطوير التجارة الخارجية لكن الاستهلاك المحلي ما زال دون التوقعات نظراً إلى الأوضاع الديموغرافية حيث تتزايد أعداد كبار السن. أما الهند حيث تزايدت أعداد المنتمين إلى الطبقة الوسطى فلا تزال تعاني من مشاكل البيروقراطية إضافة إلى عدم التمكن من معالجة أوضاع الفقر في العديد من مناطق البلاد.
تتطلب معالجة الاقتصاد العالمي مراجعات متعمقة ومحاولات لفهم ظاهرة الركود، وما إذا كان هذا الركود موسمياً أو طويل الأجل.
وغني عن البيان ان العديد من الجامعات المرموقة ومراكز البحث الرئيسة تحاول جــاهدة فهــم ما يجــري وكيفية تجاوز عقبات الارتقاء والأداء. وفي هذه الأثناء، لا تزال الحلول غير واضحة المعالم تماماً.
نقلا عن الحياة
ثقة المنتجين والمستهلكين اهم مائة مرة من السياسات النقدية وهذا مايفتقده الاقتصاد البريطاني حاليا.