الدواجن الوطنية في خطر

16/08/2016 13
د. فواز العلمي

لأن الدواجن ومنتجاتها تشكل حوالي 45% من غذائنا اليومي، ولكونها تعتبر أقل المنتجات الغذائية استهلاكاً للمياه والأعلاف خلال مراحل إنتاجها، ليقل هذا الاستهلاك إلى ربع ما تستهلكه الأبقار، ونصف ما تستهلكه الأغنام والأنعام والإبل، بادرت المملكة قبل 3 عقود باستثمار أكثر من 40 مليار ريال لتأسيس حوالي 500 شركة وطنية لإنتاج الدواجن في كافة أرجاء الوطن وإحلالها محل الواردات الأجنبية المماثلة. 

ولتلبية الطلب المحلي المتنامي على الدواجن، الذي فاق في العام الماضي 1.54 مليون طن، تسعى هذه الشركات السعودية بجهودها الذاتية واستثماراتها السخية إلى تحقيق أهداف أمننا الغذائي المطلوب والمحافظة على مواردنا المائية الناضبة.

إلا أن مساعي شركاتنا السعودية الحثيثة إلى زيادة طاقتها الإنتاجية والوفاء بالتزاماتها المحلية لم تحقق عبر العقود الثلاثة الماضية سوى 42% من احتياجات السوق المحلي، لذا جاء برنامج التحول الوطني 2020 مطالباً كافة الجهات الحكومية عامةً ووزارة  البيئة والمياه والزراعة خاصةً بضرورة دعم منتجاتنا الوطنية من الدواجن لزيادة هذه النسبة إلى 60% خلال السنوات الخمس القادمة، وضمان الاكتفاء الذاتي من منتجات الدواجن المحلية.

إلا أن هذا الهدف، الذي يتطلب دعم الأعلاف ذات التكلفة العالية وتنفيذ برنامج الأمن الصحي الموحد لتخفيض معدلات نفوق الدواجن، يتطلب أيضاً تضافر جهود كافة الجهات المختصة بالمملكة للتصدي بقوة لأساليب منتجات الدواجن الأجنبية، التي تمارس سياساتها التصديرية المشوهة للتجارة في السوق السعودية.

هذه الأساليب، المحددة بالزيادة غير المسوغة للواردات الأجنبية المماثلة التي تعاقب عليها الدول في النظام التجاري العالمي، تسببت في إلحاق الضرر الجسيم بشركات الدواجن الوطنية وأرغمتها على تقليص طاقتها الإنتاجية تفادياً لتكبد المزيد من الخسائر الفادحة، وقد تحرمها مستقبلاً من تحقيق أهداف الأمن الغذائي، وتقليص طاقة إنتاجها المحلي إلى أقل من 35% بدلاً من رفعها إلى 60% كما جاء في برنامج التحول الوطني. 

كما أن هذه الأساليب، ستؤدي حتماً إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني وتكبده أعباء مضاعفة من العملة الصعبة، لكونها تدفع المنتجين المحليين إلى تقليص طاقتهم الإنتاجية، ومنع جميع المنتجين الجدد من المضي قدماً في مشاريعهم، مما سيؤدي إلى اختفاء المشاريع الوطنية وخسارة المملكة لما يقارب من 40 مليار ريال، إضافةً إلى عودة المنتجات الأجنبية إلى رفع أسعارها مجدداً لعدم وجود من ينافسها محلياً مما يلحق الضرر الجسيم بالمستهلكين.   

جميع التقارير التجارية الرسمية تؤكد أن واردات الدواجن للسوق السعودية زادت عبر العقد المنصرم بمعدل 300%، مما جعل المملكة تصنف كأكبر دولة مستوردة للدواجن حول العالم، حيث استحوذت صادرات الدواجن البرازيلية على نسبة 79% من إجمالي حصة واردات المملكة من هذه المنتجات، تليها الدواجن الفرنسية بنسبة تصل إلى 18% ثم الدواجن الأميركية بحصة لا تتجاوز 3%. 

وهكذا أصبحت المملكة اليوم على رأس قائمة صادرات الدواجن البرازيلية، لتفتخر البرازيل بأن صادراتها من الدواجن إلى السوق السعودية تجاوزت كل التوقعات عام 2015، ومن المتوقع أن تواصل نموها بنسبة تتجاوز 13% عام 2016.

هذه الطفرة الكبيرة في صادرات الدواجن البرازيلية للمملكة جاءت نتيجة حتمية لانخفاض الرسوم الجمركية السعودية على الدواجن إلى 5%، مخالفةً الرسوم المتفق عليها رسمياً في وثائق منظمة التجارة العالمية والمحددة بنسبة 20% أو ريال سعودي واحد لكل كيلوجرام، أيهما أعلى. 

منذ العقد الماضي تعاني صناعة الدواجن السعودية من استخدام الصادرات الأجنبية للسياسات المشوهة للتجارة، والتي منها الإغراق المحظور والدعم القابل للتقاضي والزيادة غير المسوغة في الواردات، وذلك بهدف إخراج منتجاتنا الوطنية من السوق المحلية ليصبح المجال مفتوحاً أمام المنتجات الأجنبية فقط. وللحد من خطورة هذه السياسات، عدا عن تعارضها مع أبسط أحكام النظام التجاري العالمي، علينا إعادة الرسوم الجمركية على جميع وارداتنا من الدواجن وإعادته إلى وضعه السابق الذي تم تحديده واعتماده في وثائق انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية.

كما على الجهات الحكومية المسؤولة تطبيق الشروط والضوابط بصرامة، التي اتفقت المملكة مع المنظمة على استخدامها، لحماية أسواقنا المحلية من الأساليب المشوهة للتجارة. هذه الشروط والضوابط تشمل لوائح التدابير الصحية والصحة النباتية الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 85 وتاريخ 1 /4 /1421، ولوائح تراخيص الاستيراد الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 88 وتاريخ 6

/4 /1424، ووسائل تحديد القيمة الجمركية الصادرة بالقرار الوزاري رقم 1207 وتاريخ 9 /5 /1425، وإخضاع واردات الدواجن لفحص المختبرات المعتمدة في هيئة المواصفات والمقاييس تنفيذاً للنظام الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/3 وتاريخ 8 /2 /1423 القاضي في مادته العاشرة بـ"ضرورة سحب العينات من الواردات وفحصها في المختبرات الخاصة للتأكد من مطابقتها للمواصفات القياسية المعتمدة".

وأخيراً لا بد من تطبيق النظام الخليجي الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/7 وتاريخ 20 /3 /1434، والذي أكد في الفقرة الثالثة من مادته السادسة على "ضرورة فرض التدابير الوقائية اللازمة للحد من أضرار الزيادة غير المسوغة في الواردات، لتكون في شكل قيود كمية أو زيادة في الرسوم الجمركية أو غيرها من الأشكال التي تتوافق مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية".

النظام التجاري العالمي لم يطالبنا بفتح أسواقنا على مصراعيها، بل شجعنا على صياغة أنظمتنا المميزة، التي نستطيع من خلالها حماية صناعتنا وتجارتنا وأمننا الغذائي، ونحافظ على استثماراتنا وندافع عن مصالحنا، لذا علينا تطبيقها فوراً لحماية الدواجن الوطنية من أخطار الواردات الأجنبية المحدقة بها.

نقلا عن الوطن