زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 ملياراً إلى 1 تريليون ريال سنوياً؛ من أهم أهداف «رؤية المملكة 2030» ومن الأهداف التي قد يشكل تحقيقها؛ تحديا كبيرا للحكومة.
وضع الأهداف الإستراتيجية والالتزام بها لا يمكن أن يحدث بمعزل عن الدراسات المتعمقة التي تُرجح إمكانية تحقيقها؛ إضافة إلى البرامج القادرة على تحويل تلك الأهداف إلى واقع معاش.
كتبت غير مرة؛ أن ما يميز «رؤية 2030» عن الرؤى والبرامج السابقة التي ربما تقاطعت معها في الأهداف؛ التزام الحكومة بها؛ وتولي مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية المسؤولية التامة حيال تنفيذها؛ وبالتالي العمل الجاد لتحقيق أهدافها وفق الخطط والبرامج العملية المؤطرة بزمن محدد.
منذ إعلان «الرؤية» ونحن نشهد إصلاحات متنوعة غالبيتها في الجانب الاقتصادي؛ وما ذاك إلا جزء من تهيئة البنى التحتية لتحقيق الأهداف المرسومة.
قرارات مجلس الوزراء التي أعلن عنها الاثنين الماضي ما هي إلا جزء من حزمة القرارات الحكومية المعينة على تحقيق أهداف «رؤية 2030» بشكل عام؛ وتعزيز الإيرادات الحكومية غير النفطية بشكل خاص.
الرسوم جزء أصيل من إيرادات الحكومات والدول؛ وبالرغم من ثقلها على المستهدفين؛ إلا أن توفيرها ضرورة لمواجهة أعباء النفقات العامة، وتمويل المشروعات التنموية، وتوفير الخدمات بأنواعها.
وفي الوقت الذي تعمم فيه الرسوم دون استثناءات؛ نجد أن الحكومة أكثر حرصا على عدم التأثير السلبي على الحجاج والمعتمرين حيث استثنى قرار «رسوم التأشيرات» الحجاج والمعتمرين القادمين للمملكة لأول مرة؛ وأن تتحمل الدولة رسوم التأشيرات نيابة عنهم. تنظيم اقتصاديات الحج والعمرة أمر غاية في الأهمية.
زيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال ضيوف الرحمن من 8 ملايين إلى 30 مليون معتمر تستوجب تهيئة شاملة للمشاعر؛ وإنفاق متنامي لتوفير الخدمات الأساسية.
وبالرغم من تحمل الدولة تلك الأعباء كاملة غير منقوصة، إلا أن مراجعة رسوم التأشيرات سيكون له أثر تنظيم موازي للأثر المالي؛ وبما يسمح بإتاحة الفرصة للحجاج والمعتمرين ممن لم يتمكنوا من أداء فريضتهم من قبل.
الرسوم البلدية كانت ضمن التعديلات التي أقرها مجلس الوزراء؛ وهي رسوم يفترض أن تشكل في حال تحصيلها موردا هاما للدولة؛ وأن تسهم في تحقيق جزء رئيس من هدف التمويل الذاتي مستقبلا.
ما زلت أعتقد أن تحقيق كفاءة تحصيل الرسوم البلدية يمكن أن يخلق دخلا يفوق حجم الزيادة المقرة مؤخرا.
بالرغم من ضخامة الرسوم البلدية إلا أن ما يصل منها لخزينة الدولة محدودا جدا ولا يقارن البتة بحجمها الحقيقي لأسباب مرتبطة بضعف التحصيل؛ وعدم توافق الرسوم الحقيقية مع تقييمات البلديات والأمانات المُخفضة!.
كنت أتمنى أن يكون هناك إعادة هيكلة لتأجير المواقع الإعلانية على الطرق؛ واستبدال نظام المناقصات الحالي بنظام المشاركة بين الوزارة و المستثمرين؛ وأعني بالمشاركة حصول البلديات والأمانات على نسبة ثابتة من الدخل الصافي للوحات الإعلانية.
قد يشكك البعض في آلية احتساب الدخل؛ إلا أن الأنظمة المحاسبية التقنية والتشريعات الصارمة والرقابة اللصيقة يمكن أن تعالج هذا الجانب بسهولة.
قد يكون خيار التسعير المسبق و العادل لتأجير المواقع الاستثمارية من الحلول المقبولة؛ وهو يعتمد على دراسة السوق ومعرفة تكلفة تلك اللوحات على المعلنين؛ ثم وضع حد أدنى لتأجير المواقع وطرحها للمناقصة؛ وبالتالي نضمن تحقيق العدالة التامة للوزارة وللمستثمرين على حد سواء.
يمكن أيضا أن تدخل البلديات والأمانات في عقود التأجير المباشرة؛ كما تفعل حاليا مع مواقع الصرف الآلي السيار التابع للبنوك السعودية.
تعظيم الدخل لن يقتصر على رفع الرسوم فحسب؛ بل يعتمد أيضا على عدالتها؛ وضمان تحصيلها كاملة غير منقوصة؛ وهو ما تعاني منه الحكومة في الوقت الحالي.
تحقيق هدف رفع الإيرادات الحكومية غير النفطية يستدعي مراجعة الرسوم؛ وبخاصة الرسوم المنخفض تأثيرها على المواطنين؛ والتي تسهم بشكل مباشر في إعادة هيكلة العلاقة مع المقيمين والزائرين؛ وتعيد تنظيم سوق العمل؛ وتحول مراكز الإنفاق إلى مراكز دخل؛ وترفد الإيرادات الحكومية التي يوجه جلها للإنفاق على مشروعات التنمية وتوفير الخدمات المجانية للمقيم قبل المواطنين.
مقال رائع