لم يتسن لمن يريد حساب القيمة السوقية لأي شركة أن يتمكن من معرفة ترتيب شركة من الشركات إلا وقد يواجه تغيرا في ترتيبها نتيجة تذبذب اسعار الاسهم بشكل كبير خلال السنة المالية.
ولا غرابة في ذلك عندما نجد اضمحلال الشركات الكبرى التي بدأت في وادي السيلكون مثل «آي بي أم» في القرن الماضي وظهور شركات اخرى استطاعت التربع على قمة تصنيف كبريات الشركات.
ويفسر ذلك ما ذكره «جو شيندورف» نائب رئيس شركة «ابل» سابقا والشريك في اكسيل الاستثمارية والذي اشار الى ان تطور قطاع التقنية ودخول لاعبين جدد يجعل الشركات الكبرى مثل «جوجل» و«ابل» و«امازون» و«مايركوسوفت» و«فيسبوك» في وضع يحتم عليهم معرفة ما حدث لشركات اخرى تلاشت او تضاءلت قيمتها السوقية نتيجة تأخرهم في قراءة التطورات السريعة للتحول التقني لرغبات المستهلكين.
ويشير تقرير «أكبر 100 شركة في العالم في 2016» والذي اعدته «برايس ووتر كوبر» في ابريل الماضي الى قفزة كبيرة شهدها ترتيب شركة «سامسونج» حيث ارتقت من المرتبة 53 في عام 2009 الى المرتبة 28 في عام 2015 ثم نزولا الى المرتبة 33 في عام 2016 لتستقر القيمة السوقية لشركة «سامسونج» عند 167 مليار دولار.
وفي المقابل تمكنت شركة «ابل» من الحفاظ على لقب أكبر شركة بالعالم من ناحية القيمة السوقية لعدة سنوات بقيمة 604 مليارات دولار بعد ان كانت في المرتبة 33 في عام 2009.
وبالرغم من وجود فارق كبير بين القيمة السوقية للشركتين إلا ان هذا التسارع في نمو القيمة السوقية للشركتين يعكس تنافسا ملحوظا في منتجات الهواتف والحواسب الشخصية تجاوز حدود الاسواق وصولا لنزاعات قضائية بدأت في عام 2011 واستمرت لعدة سنوات.
وترتبط تلك النزاعات ببراءات اختراع لكلتا الشركتين حيث تدعي كل منهما بقيام الاخرى بانتهاك عدة براءات اختراع، فشركة «ابل» تدعي قيام شركة «سامسونج» بنسخ تصاميم هواتفها وتزامن ذلك مع ادعاء شركة «سامسونج» بقيام شركة «ابل» باستخدام تصاميم لتقنية الجيل الثالث اللاسلكية دون موافقتها.
وتدعي الشركتان ان تلك الانتهاكات ادت الى الاثراء دون سبب لاحداهما من خلال التربح من تصاميم احد المنتجات المسجلة كبراءة اختراع بالإضافة الى خسارة منافع محتملة في الاسواق الدولية.
ونتج عن تلك الخلافات التي لم تفلح اجتماعات الشركتين في تسويتها الى العديد من الدعاوى القضائية بين «ابل» و«سامسونج» لتصل الى عشرات القضايا بمطالبات تعويض تقدر بنحو 3 مليارات دولار في مختلف انحاء العالم. وقد تفاوت اثر تلك الدعاوى القضائية حيث كسبت كل من الشركتين عدة قضايا في عدة دول.
وبدأت سلسلة الدعاوى القضائية بقيام شركة «ابل» في ابريل من عام 2011 في رفع دعوى امام المحكمة الاتحادية في ولاية كاليفورنيا تتضمن المطالبة بالتعويض عن انتهاكات لبراءات اختراع وجدت في هواتف ومنتجات شركة «سامسونج».
وكانت ردة فعل شركة «سامسونج» على هذه الدعوى ان قامت برفع دعاوى عديدة في كل من كوريا الجنوبية واليابان والمانيا وفرنسا وايطاليا وبريطانيا والمحكمة الاتحادية في ديلاوير ولدى اللجنة الامريكية للتجارة الدولية.
وفي يونيو 2013 صدر قرار من اللجنة الامريكية للتجارة الدولية بوقف بيع بعض منتجات شركة «ابل» لمخالفتها احدى براءات الاختراع لشركة «سامسونج» المتعلقة بتقنيات لاسلكية للجيل الثالث، لكن القرار تم الغاؤه من قبل الممثل التجاري الفيدرالي بموجب المادة 1337 من قانون التعرفة الجمركية التي تمنح الممثل التجاري حق إلغاء قرارات اللجنة خلال 60 يوما.
ولم يسبق ان تم الغاء قرارات اللجنة منذ 26 عاما والذي دفع الممثل التجاري في سياق شرحه للإشارة الى الاسباب التي ادت الى الغاء قرار اللجنة الى ان ارتباط براءة الاختراع بتصميم يصنف كمعيار قياسي لتشغيل المنتجات يوجب السماح للشركات الاخرى باستخدام ذلك التصميم مقابل رسوم معقولة حتى تتمكن من الالتزام بمعايير التشغيل المحددة في المواصفات الدولية، وأن منع المنتج من دخول الاسواق مشروط برفض الشركة التي انتهكت براءة الاختراع على الاتفاق على دفع رسوم للشركة التي تملك براءة الاختراع لذلك التصميم. وافاد الممثل الفيدرالي التجاري ان التعويض المالي ما زال متاحا عند ظهور انتهاكات إحدى براءات الاختراع من خلال المحاكم.
وفي شهر اغسطس 2013 صدر قرار آخر من اللجنة الامريكية للتجارة الدولية بوقف بيع احد منتجات «سامسونج» بعد ان ثبت لديها انتهاك شركة «سامسونج» لبعض براءات اختراع مملوكة لشركة «ابل». والذي عزز من موقف شركة «ابل» في حماية منتجاتها من انتهاكات براءات الاختراع، إلا ان منتج شركة «سامسونج» المحظور يعد نسخة قديمة ولم يشكل اهمية لها بعد ورود منتجات جديدة في الاسواق اتجه اليها المستهلك.
ويختلف هذا القرار عن قرار اللجنة السابق من ناحية نوعية المنتج حيث لا تندرج براءة اختراع المنتج الذي انتهكته «سامسونج» ضمن المنتجات التي تحمل براءة اختراع لتصاميم مصنفة كمعيار قياسي تتطلبها المواصفات الدولية.
وبالتالي فإن شركة «سامسونج» كانت غير مجبرة على انتهاك براءة الاختراع مقارنة بشركة «ابل» التي كانت مجبرة باستخدام تصميم ذي براءة اختراع مملوك لشركة «سامسونج» حتى تتمكن من الالتزام بمواصفات التشغيل المعتبرة دوليا.
ولذلك لا يتم تطبيق حظر بيع المنتجات التي تنتهك براءات الاختراع لتصاميم معيارية إلا إذا تزامن ذلك مع رفض الشركة المنتهكة لبراءة الاختراع سداد رسوم معقولة مقابل الترخيص لها لاستخدام ذلك التصميم المعياري.
وفي السادس من اغسطس من عام 2014 صدر بيان صحفي مشترك من الشركتين باتفاقهما على وقف الخصومة في جميع القضايا المنظورة خارج الولايات المتحدة بعد تأثر مبيعاتهما دوليا وتكبد مصاريف مكلفة لتلك الدعاوى تصل تقريبا لقيمة ارباح الشركتين من حصصهما السوقية في تلك الدول.
وفي ما يتعلق بالنزاعات القضائية داخل الولايات المتحدة، حاولت شركة «ابل» الحصول على تعويض عن انتهاكات شركة «سامسونج» لعدة براءات اختراع من خلال اقامة دعوى في المحكمة الاتحادية في كاليفورنيا.
وقد نجحت في الحصول على قرار من هيئة المحلفين للتعويض عن الاضرار بقيمة مليار دولار عن 28 منتجا محميا ببراءات اختراع، لكن القاضي الذي نظر الدعوى ألغى القرار بناء على وجود اخطاء في طريقة تقييم التعويض لدى هيئة المحلفين تتعلق بـ 14 براءة اختراع لتلك المنتجات مما استدعى اعادة المحاكمة لـ14 منتجا والذي ادى الى خفض قيمة التعويض الى 599 مليون دولار.
وبعد ان تمت اعادة المحاكمة تمت اضافة تعويض بقيمة 290 مليون دولار عن المنتجات التي تمت اعادة النظر فيها ليرتفع مبلغ التعويض عن الاضرار الى 930 مليون دولار. وحين عرض الحكم على محكمة الاستئناف الفيدرالية قامت بتخفيض قيمة التعويض بنحو 382 مليون دولار حيث يرتبط ذلك المبلغ بمسألة تقليد الشكل التجاري الظاهر للمنتج والذي يعرف بـ «Trade Dress» بسبب اعتقاد محكمة الاستئناف بعدم ثبوت قيام شركة «سامسونج» بتقليد الشكل الظاهر للمنتج المحمي ببراءة الاختراع مما يجعل قيمة التعويض الاجمالية تنخفض الى 548 مليون دولار.
ويترتب على قرار محكمة الاستئناف اعادة اجراءات النظر في مسألة ثبوت تقليد الشكل الظاهر امام المحكمة الابتدائية لكن الشركتين توصلتا في العاشر من ديسمبر 2015 الى تسوية قضائية تنص على قيام شركة «سامسونج» بدفع 548 مليون دولار لشركة «ابل». واشترطت «سامسونج» في تلك التسوية القضائية ان تحتفظ بحق استعادة مبلغ التعويض اذا طرأ تعديل او نقض للاحكام التي بني عليها مبلغ التعويض خصوصا اذا قام المكتب الامريكي لبراءات الاختراع بإلغاء براءات الاختراع التي استندت عليها شركة «ابل» في حق التعويض.
ولم يخب ظن شركة «سامسونج» في توقعها في تلك التسوية حيث اصدر المكتب الامريكي لبراءات الاختراع قرارا ببطلان احدى براءات الاختراع التي استحقت منها شركة «ابل» تعويضات عن الانتهاكات في حكم المحكمة السابق. والذي فتح الباب لشركة «سامسونج» للمطالبة باعادة النظر في قيمة التعويضات التي دفعتها لشركة «ابل» بناء على ما استجد من قرار بطلان احدى براءات الاختراع.
وكما كان متوقعا فإن محكمة الاستئناف الفيدرالية رفضت طلب اعادة النظر في دعوى التعويضات مما دفع شركة «سامسونج» لتقديم طلب سماع الدعوى لدى المحكمة العليا للولايات المتحدة.
وتستند شركة «سامسونج» في حجتها المقدمة للمحكمة العليا على ان المحاكم الفيدرالية اساءت تفسير المادة 289 من قانون براءات الاختراع ولم تشرح لهيئة المحلفين الفرق بين الخصائص الوظيفية للمنتج وبين الخصائص الكمالية التي تعتبر مزينة للمنتج مما اعطى انطباعا لدى اعضاء هيئة المحلفين ان تفسير المادة 289 من قانون براءات الاختراع يسري على المنتج النهائي وهو الهاتف وليس احد مكونات المنتج.
كما اشارت شركة «سامسونج» الى انه كان يجب ان تحتوي منتجاتها من الهواتف على تلك الخصائص الوظيفية حتى يتم تصنيفها كهواتف ذكية.
وعند قراءة المادة 289 من قانون براءات الاختراع الامريكي الصادر عام 1952 فإن غموض النص يفتح مجالا واسعا للمطالبة بالتعويض دون سقف معقول. فمثلا، اذا قامت احدى شركات السيارات بتقليد حامل اكواب داخل السيارة فإنه من الممكن مطالبة تلك الشركة بتعويضات تعادل ارباحها من بيع تلك السيارات.
وقد اصدرت المحكمة العليا في 21 مارس من هذا العام قرارا بقبول سماع الدعوى من شركة «سامسونج» وحدت موعدا لنظر الدعوى في الحادي عشر من اكتوبر القادم.
حيث ستنظر المحكمة العليا في مسألة وجوب فرض قيود على التعويضات وهل يتم مساواة قيمة التعويض لارباح احد مكونات المنتج فقط ام يشمل التعويض لما يساوي ارباح بيع المنتج كاملة.
وتنتظر العديد من الشركات ومعهم اساتذة القانون لقرار المحكمة العليا الذي سيفسر المادة 289 من قانون براءات الاختراع حيث يعولون عليه في الوصول الى حل معقول لما سبق من تعويض مفرط ورد في احكام سابقة.
وتعاني العديد من الشركات من ظاهرة التعويض المفرط، حيث ان هنالك شركات تملك براءات اختراع، إلا انها لا تنوي الاستثمار في خطوط الانتاج او تقديم خدمات مرتبطة بها حيث تكتفي تلك الشركات برفع دعاوى قضائية للمطالبة بتعويضات من منتهكي براءات الاختراع والذي دفع اللجنة الامريكية الفيدرالية للتجارة الى دراسة هذه الظاهرة لمحاولة التخفيف من اثار تلك المطالبات على المنشآت الناشئة وما يترتب عليها من تقييد المنافسة.
ويثار تساؤل عن نطاق المنافسة بين الشركتين حيث لا يبدو ظهور اي بوادر لبلوغ تلك المنافسة ذروتها مما يجعل قواعد التشريعات الدولية لبراءات الاختراع محورا رئيسيا في معرفة مدى قدرة الشركات على تجاوز القيود القانونية على حيوية التجارة.
نقلا عن اليوم