أطلقت وزارة العمل منذ سنوات عديدًا من البرامج بهدف إصلاح سوق العمل ورفع مستوى الأمان الوظيفي والجاذبية للفرص الوظيفية التي تتاح من القطاع الخاص لكي يشغلها المواطنون وفقًا للمتطلبات من المؤهلات وكذلك الدخل وتعد الفترة الحالية التي ينتقل بها الاقتصاد المحلي إلى كفاءة أعلى ورفع مستوى دور القطاع الخاص بعيدًا عن تأثير الإنفاق الحكومي الذي قاد النمو والتنمية في السنوات العشر الماضية وذلك بهدف تنويع القاعدة الإنتاجية وفتح الفرص الاستثمارية وتحويل القطاع العام تدريجيًا ليكون مشرفًا ومنظمًا أكثر من كونه منفذًا ويستحوذ على نسبة عالية من النشاط الاقتصادي عمومًا.
فأول سؤال يطرح نفسه: لماذا نسبة البطالة لدينا تصل إلى 11.6 في المائة بالرغم من أن الاقتصاد السعودي يعد أكبر مولد للوظائف عربيًا وشرق أوسطيًا وهو الأكبر حجمًا بين هذه الدول ومع ذلك فنسب البطالة في عديد من دول المنطقة أقل بنسب البطالة؟ وغالبًا ما نسمع أن السبب خلل هيكلي بسوق العمل وهو ما تقوم وزارة العمل على معالجته لكن ذلك لا يعني أن الوزارة تملك الوصفة العلاجية الناجعة لمعالجة ملف البطالة فتوليد الوظائف وتنظيم قطاع الأعمال هو مسؤولية جهات عديدة تسبق بدورها وزارة العمل.
لكن بالعودة إلى برامج الحلول التي أطلقتها العمل نجد أيضًا نوعًا من الضبابية بمدى تكاملية هذه البرامج فحماية الأجور لا يعبر عن اسمه كبرنامج يفترض أن يضمن دفع الأجور للعاملين بأي منشأة عندما تقف حدود دور وزارة العمل عند إيقاف الخدمات عن المتآخرين بسداد الرواتب دون أن تُعالج الجوانب التنظيمية المكملة مع جهات أخرى تم ذكرها بمقال سابق كإضافة بند بالقوائم المالية يتم تجنيب نسبة معينة موازية لميزانية الأجور السنوية بالمنشآت للجوء له عند الحاجة مع معالجة بعض الأسباب الأخرى التي تواجه القطاع الخاص بما يكفل الاستقرار بملاءته ماليًا بالحدود التي تعالج أي ثغرات من البيئة الخارجية للمنشآت وترفع من مستوى الأنظمة الحالية لسد أي ثغرات ظهرت أو قد تظهر مستقبلاً مع رفع كفاءة البيئة الداخلية للمنشآت بتطبيق الحوكمة وغيرها من الإجراءات التنظيمية، ولذلك فإن أي زيادة بأعداد من يفقدون أعمالهم ستشكل ضغطًا على برنامج ساند الذي يضع أيضًا اشتراطات كثيرة تربك من يلجأون إليه فكيف يفرض على من يطلب خدمات ساند أن يخضع لتدريب وقد يكون مؤهلاً بدرجات علمية عالية ولديه خبرة لعدة سنوات!!
إضافة لعرض وظائف قد لا تكون بمدينة سكنه فلن يسمح له بالانتفاع من البرنامج إذا رفض العرض الوظيفي الثالث بغض النظر عن مدى مناسبته له فاشتراطات ساند تعيق الاستفادة منه لكثرة الطلبات والمعايير وعدم وضوح تفسيرات بعض نقاط النظام التي قد تتيح رفض طلب متقدم له قد يكون أكثر استحقاقًا من غيره كاضطراره للاستقالة لأسباب غير ملموسة ليس له يد بها.
أما البرامج الأخرى فأبرزها نطاقات الذي يسمح بالاستقدام للعمالة في حال حققت المنشأة نسبة السعودة المطلوبة بغض النظر عن نوعية الوظائف التي يشغلها المواطنون فيها وهو ما أفرز ما يسمى بالسعودة الوهمية وبذات الوقت أطلقت الوزارة برنامج طاقات وهو خطوة جيدة لأنه يعرض الكوادر الوطنية الباحثة عن عمل على القطاع الخاص الذي عليه التسجيل والبحث عن موظف سعودي يناسب طلبه لأي وظيفة يرغب بشغلها قبل التقديم على تأشيرة عمل لكن إذا لم يتوقف إصدار التأشيرات لأي مهن يوجد بالسوق طالبو عمل لها من المواطنين فلن ينجح طاقات لأنه يمكن للمنشآت أن تضع مسميات للوظائف تكون فرص إيجاد طالبي عمل مواطنين ضئيلة جدًا لشغلها مما يعطي الحق أو المبرر بإصدار تلك التأشيرات فعلاج الخلل بسوق العمل يبدأ من تغيير جذري يستند على إيقاف للتأشيرات التي تجاوز عددها سبعة ملايين تأشيرة عمل في القطاع الخاص في ست سنوات لكثير من المهن والشهادات فلو كان منها 15 في المائة يمكن شغلها بمواطنين فهذا يعني مليون فرصة عمل كانت كفيلة بتصفير نسبة البطالة فكيف تعالج الوزارة البطالة وبنفس الوقت تقتل التنافسية للكوادر الوطنية بسيل التأشيرات التي تصدرها مع أهمية التغيير بنظام الكفيل فالوزارة في حالات معينة تتيح للعامل الوافد نقل كفالته دون موافقة كفيله فاذًا يمكن التحرر من نظام الكفيل تمامًا وفق صيغة تعاقدية جديدة وجعل التنافسية على فرص العمل داخلية مع استثناء المهن أو الوظائف المخصصة لعمالة عادية لا تتطلب مؤهلات ودخلها ضعيف من المعادلة.
معروف أن نواة تطور الاقتصاد وتوليد فرص العمل ونجاح كل جهة بالدور المناط بها يبدأ من وزارة الاقتصاد والتخطيط لكن فيما يخص وزارة العمل فإن الأدوات والبرامج يفترض أن تتكامل أكثر وأن تكون معبرة عن أهدافها ولا توضع شروط تعد معرقلة للبرنامج نفسه وتتناقض مع برامج أخرى على الأقل كما يبدو لأي متابع أو متخصص يرى بأن كل البرامج يجب أن تربط ببعضها.
نقلا عن الجزيرة