منذ عدة سنوات يتزايد بشدة إنتقاد الكثير من المحللين والمهتمين بالشأن الإقتصادي بل وحتى المواطن البسيط الدور الفاتر والسلبي الذي تلعبه البنوك السعودية في تنمية الوطن، وفي المقابل الدور الإحترافي في سحب المنشآت والمواطنين لمستنقع القروض والفوائد وبطاقات الإئتمان، الأمر الذي خلق علاقة مشوهة بين البنوك وعملائها، يسودها التظلم من جهة والتسلط من جهة أخرى، و لم يسلم من تسلط بعض البنوك حتى المرابط الذي يذود عن حدود الوطن ليوفر لهذه البنوك البيئة الآمنة لتستثمر المزيد والمزيد من المليارات.
الأرباح الخيالية
تربح البنوك السعودية المليارات ولديها سيولة كبيرة جداً ولاتقدم للوطن إلا الشيء الذي يذر الرماد بالعيون فقط، وتبلغ على الأغلب نسبة أرباح البنوك من إيرادات القروض بحدود الـ 90% من إجمالي أرباحها من المصادر الأخرى، حيث تجاوزت أرباح البنوك العام الماضي الـ 40 مليار ريال ولم نسمع عن دعم قوي ومباشر لأي قطاع من قطاعات الدولة ولو تثقيفياً بل كل ما نراه من هذه البنوك إعلانات تستدرج المواطنين لجحيم القروض والبطاقات الإئتمانية ، و مما يدعم هذه الأرباح النظرة الشرعية للمجتمع الذي يرفض تقاضي الفوائد على أمواله المودعة لديها، حتى أن بعض البنوك تخالف صراحة أنظمة مؤسسة النقد وتدفع قيمة المخالفات التي مع مقارنتها بالارباح المستفادة منها تعتبر بسيطة جداً .
الدور المجهول
إذا كانت بنوكنا تربح المليارات ولا تستثمر بشكل مباشر ومعلن في الوطن فالسؤال البديهي هو: أين تذهب البنوك السعودية بكل هذه المليارات ؟
هل هي شراء عقارات خارجية أم إستثمارات في دول أخرى؟ فإذا كان ذلك صحيح فكل هذه الأمور لا تعكس دور البنوك التنموي التي تستفيد من خيرات الوطن وتشفط مدخرات ورواتب أبنائه وتبعث بها إلى الخارج لتحقق المزيد من الأرباح المليارية وتدعم على حسابنا إقتصاديات أجنبية.
إستغلال العملاء
تتعمد البنوك تسهيل وتسريع إجراءات الإقتراض إلى أبعد الحدود، مستغلة بذلك حاجة العملاء وقلة وعي البعض منهم، فعلى سبيل المثال الفائدة المركبة التي تعتمدها البنوك السعودية هي نوع من أنواع الإستغلال المقيت تماماً كالذي تفعله شركات بيع السيارات بنظام التأجير التي تؤمن على سيارة لمدة 5 سنوات بنفس المبلغ وكأن السيارة لا تتهالك وتنخفض قيمتها، وقد تضاعفت القروض الاستهلاكية 8 مرات خلال 19 عاما، مرتفعة بأكثر من 660 % وهو ما يكشف جلياً أن الاتجاه نحو القروض أصبح مرتفعاً جداً وأصبح لعنة لا مفر منها، وتستغل البنوك أيضأ أي توجه للدولة لتدخل مباشرة بحثاً عن الفائدة وهو ما تروج له الأن من عروض التمويل العقاري التي تربح من خلالها مبالغاً طائلة بنسب فائدة كبيرة ومدة سداد طويلة يتورط بها مرغماً من عجز عن توفير قيمة منزل .
العبث بثقافة المجتمع
عندما تشجع البنوك المواطنين على الإقتراض وبالتحديد في الأمور الإستهلاكية فهي بذلك تدمر من جهة أخرى ثقافة الإدخار لديهم وثقافة المسؤولية المالية تجاه الشخص نفسه أو عائلته، وتجعلهم في حالة نهم لا نهائية لمعاودة الإقتراض من جديد، وقد رسخت من خلال هذه السلوكيات أفكاراً مغلوطة عن مفهوم السيارة مثلاً التي تحولت من وسيلة مواصلات إلى وجاهة والهاتف الذكي من وسيلة للتواصل إلى تحفة، في الوقت الذي بلغت فيه نسبة الإدخار عالمياً مستويات الـ 40% لم تتجاوز في السعودية الـ 10% وهذه النسبة الضعيفة شاركت فيها البنوك بشكل مباشر.
في النهاية لا تتحمل البنوك مسؤوليتها الحقيقية تجاه الوطن وأبنائه، وربما تحتاج لأنظمة أكثر صرامة تعمل على تفعيلها مؤسسة النقد لتحفيز تلك البنوك للنظر للجانب الأخر بدلاً من تسليط كل جهودها وطاقاتها نحو الأرباح الخيالية فقط وتتجاهل أدوارها الأخرى كمنشآة وطنية.
أليست الدولة نفسها من أكبر ملاك البنوك السعودية؟ إذن جواب سؤالك عن أين تذهب أرباحها: ببساطة إلى الدولة