قبل أسابيع ليست بالكثيرة خرج علينا معالي وزير المياه والكهرباء السابق عبر مقابلة تلفزيونية يشرح فيها كيف أن وزارته تعاني من استهتار المواطنين بالمياه وعدم حرصهم على ترشيد استهلاكها، وكيف أن صناديق طرد الحمامات التي يستخدمونها، هي السبب الأهم في ما وصل إليه الحال، وأن الحل الأمثل لإصلاح هذا الوضع هو زيادة تعرفة المياه على المواطنين أضعافا مضاعفة.
ما ذكره معالي الوزير لم يقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى التقليل من أخطاء وزارته وتعظيم أخطاء المواطنين، فلم يعترف بالنسبة الحقيقية لهدر المياه الناتج عن الشبكة، حيث ذكر انها لا تتجاوز 15%، بينما هناك معلومات تشير إلى أنها قد تصل إلى أكثر من ضعف هذا الرقم.
بعد ذلك ذهب معاليه إلى تكلفة تحلية المياه التي قدرها بـ 12 ريالا للمتر المكعب، وهو تقدير لم يفصح عن مصدره ولم يشكك في صحته، ولكنه أورد هذا الرقم لكي يحس الناقدون لاقتراح وزارته بزيادة التعرفة، بذنب انتقادهم وأنهم أناس لا يهمهم كم من أموال الدولة تذهب هدراً بسببهم.
من يبحث قليلاً في تقدير تكاليف تحلية المياه سوف يتفاجأ بأن ذلك الرقم الذي ذكره معاليه لا يوجد له ما يؤيده، بل ان جميع التقديرات تقول إن التكلفة أقل من هذا بكثير.
حسب رأي الدكتور رونان ماكفرون من جامعة MIT، المتخصص في مواضيع تحلية المياه، فإن تكلفة الإنتاج في دول الخليج هي في حدود 1.87 ريال للمتر المكعب، وقد تصل إلى أعلى حد لها في الدول التي تكون تكلفة الطاقة بها مرتفعة والقوانين والأنظمة بها صارمة تضيف أعباء مالية كثيرة على التكلفة، وكل هذا غير موجود لدينا.
وبحسب دراسة لجمعية اعادة استخدام المياه الأمريكية عام 2012، فإن تكلفة تحلية المياه في كاليفورنيا تقدر ب 2.89 ريال للمتر المكعب.
لاشك في أن المعلومات الخاطئة تقود إلى قرارات خاطئة، ويزداد الأمر سوءاً عندما تستخدم تلك المعلومات لكي توجه الأنظار إلى مكان آخر غير الحقيقة.
لقد أدركت الدولة - رعاها الله - سوء المعلومات التي تقدمت بها وزارات المياه والكهرباء آنذاك، فأوقفت العمل بنتائجها لحين الخروج بحلول واقعية تخدم مصلحة الوطن والمواطنين وتساهم في المحافظة على أهم مصادر الثروة الطبيعية التي نمتلكها.
إن ترشيد تكاليف إنتاج المياه تتضمن البحث المستمر عن طرق وأساليب لتخفيض تكاليف البناء والتشغيل للمحطات وإصلاح شبكة توزيع المياه لإيقاف تسرب هذه الكميات الكبيرة، وإعادة استخدام المياه مرة بعد أخرى من خلال ايصال شبكة تصريف المجاري لكل مستهلك للمياه؛ لكي يتم القضاء على هدر المياه التي يمكن أن تستخدم في الزراعة والصناعة وزيادة المسطحات الخضراء في المدن.
ترشيد الاستهلاك لا يقل أهمية عن ترشيد التكاليف، ولكن الوزير السابق أراد أن يبدأ في ترشيد أحواض المغاسل في البيوت قبل أحواض النخل في المزارع، على الرغم من أن استهلاك الزراعة للمياه يفوق أضعاف أضعاف استهلاك الأفراد.
لابد إذاً من الإسراع في تطبيق قرار مجلس الوزراء الموقر بوضع عدادات على الآبار الزراعية، الأمر الذي تجاهلته الوزارة السابقة لما يقارب عشر سنوات.
ترشيد التكاليف هو الحل الذي غاب عن الوزارة السابقة والذي إذا اعطي ما يستحق من الاهتمام، فإنه سوف يوفر على الدولة مليارات الريالات ويخفف عن المواطنين أعباء مالية كبيرة.
نقلا عن اليوم
طرح متميز تشكر عليه
طرح عقلاني، بارك الله فيك